Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تشارلز لوتون كبير الممثلين الذي لم يمثل في فيلمه الأعظم

أنجز أسطورة السينما فيلما واحدا هو "ليلة الصياد" على سبيل التسلية

تشارلز لوتون عملاق في التمثيل وفلتة شوط في الإخراج (غيتي)

إن سألت أي هاو كبير من هواة الفن السابع عن الصورة المستقاة من واحد من أفلام هذا الفن، والتي يعتبرها الأشهر والأكثر تعبيراً عن قوة السينما، لن يتردد في أن يجيبك أنها الصورة التي تمثل يديّ روبرت ميتشوم في المقدمة وقد كتب على إحداهما "حب" وعلى الأخرى "كره"، ولن يخطئ هاوي السينما حين تسأله: من أي فيلم هذه الصورة؟ إذ يجيبك على الفور: من فيلم "ليلة الصياد". فإن زدت الحاحك وسألته عن الخاصية التي تميز هذه سيقول: هو الفيلم الوحيد الذي حققه للشاشة الكبيرة واحد من عمالقة فن التمثيل في المسرح والسينما تشارلز لوتون الذي كان أول ممثل غير أميركي يفوز بأوسكار أفضل ممثل، وواحداً من كبار الذين أوجدوا للممثلين الشكسبيريين الكبار مكاناً في هوليوود وغيرها.

الكساد العظيم في حكاية مجرم

طبعاً ما يمكن التوقف عنده أكثر من أي شيء آخر هو "الفيلم الوحيد الذي حقّقه مخرج الفيلم المذكور" وربما لكونه المعتبر في ذلك الحين وفي كل الأزمان واحداً من عمالقة فن التمثيل في العالم وفي تاريخ السينما، أدهش الناس لأنه لم يمثل في الفيلم بل اكتفى بإخراجه، ثم اكتفى من الإخراج نفسه بذلك الفيلم ولم يُعد الكرة... لكن أي فيلم! فـ"ليلة الصياد" استثنائي ليس لأن الناقد والأديب الأميركي الكبير حيمس آيجي هو من كتب له السيناريو انطلاقاً من رواية أصدرها دافيد غْراب بالعنوان ذاته عام 1955 لتحقق نجاحاً هائلاً وترشح لنهائيات جائزة الكتب القومية الكبرى قبل أن تُقتبس سينمائياً في ذلك الفيلم الذي بات أسطورة مع مرور الزمن. تدور الرواية حول مجرم ما إن يخرج من السجن حتى يقصد بيت أرملة رفيق له في الزنزانة كان قد مات فيها، ويحاول أن يستولي على ما كان المتوفي قد ناله في آخر سرقة له من خلال تزوجه الأم ومن ثم قتلها ومطاردة ولديها الصغيرين لإيمانه بأنهما يملكان سر الثروة المخبأة. منذ تلك اللحظة تتحول الرواية، ومن ثم الفيلم إلى مطاردة تكشف الأوضاع الاجتماعية البائسة والمرعبة في الجنوب الأميركي أيام الكساد المريع. ولسوف يقول لوتون لاحقاً أن هذا الجانب الاجتماعي من تلك الرواية المدهشة كان هو ما حمّسه على أفلمتها وقد استبدت به الدهشة كون أحد لم ينافسه في ذلك! فكانت النتيجة فيلماً استثنائيّاً وحيداً نقل لوتون من أمام الكاميرا إلى ورائها.

في السينما العربية نعرف شبيهاً لتشارلز لوتون، في ناحية واحدة على الأقل من نواحي حياته، هو الراحل شادي عبدالسلام الذي، بفيلم طويل واحد حققه هو "المومياء"، يعتبر اليوم واحداً من أفضل السينمائيين العرب، كما يشغل فيلمه الذي تحوّل إلى أسطورة مع مرور الزمن، مكانة في الصف الأول بين أعظم عشرة أفلام سينمائية عربية. ووجه الشبه بين شادي عبدالسلام والفنان البريطاني تشارلز لوتون يكمن هنا، فلئن كان لوتـون قد عُرف على مدى تاريخ فن السينما في بريطانيا وفي الولايات المتحدة بكونه ممثلاً كبيراً قام بأدوار خـالدة، فإن شهرته الأساسية الأسطورية، قامت انطلاقاً من ذلك الفيلم الوحيد، الذي لم يحقق سواه طوال حياته الطويلة ويعتبر اليوم، بحسب كل استقصاءات الرأي بين مؤرخي السينما وهواتها، واحداً من أفضل عشرين فيلماً حُققت في تاريخ السينما. مع هذا سيقول لوتون دائماً إنه لم يحقق "ليلة الصياد" إلا على سبيل النزوة لأنه أحب أن يجمع روبرت ميتشوم وليليان غيش في فيلم واحد. ترى هل كان تشارلز لوتون حين حقّق هــذا الفيلم يعرف أنه سيقف ذات يوم في مصاف "المواطن كين" و"الدارعة بوتمكين" بين قمم إنتاجات فن السينما؟

الإخراج للتسلية فحسب

مطلقاً. لقد أصرّ على القول دائماً إنه حين أقدم على إخراج الفيلم، من دون أن يمثل أي دور فيه وهو الممثل الشكسبيري الكبير، كان يحل مشكلة ويتسلى في الوقت نفسه، من دون أن يأخذ عمله الإخراجي فيه بجدية. مع هذا، "ليلة الصياد" يدخل الأسطورة من بابها العريض، ويُنسي الناس أحياناً أن تشارلز لوتون كان واحداً من كبار ممثلي الفن السابع، يقوم بالأدوار الكبيرة حتى الأسابيع الأخيرة قبل رحيله عن عالمنا في ديسمبر (كانون الأول) 1962.

صحيح إن لوتون قد أمضى الجزء الأكبر من حياته الفنية في هوليوود، لكنه كان على الدوام أصيلاً في بريطانيّته. هو الفنان الذي ولد عام 1899 في سكاربورو في مقاطعة يوركشير، درس الفن الدرامي في أكاديمية لندن، وأمضى سنوات شبابه الأولى في أدوار مسرحية نالت شهرة كبيرة خلال العشرينيات، لا سيما المسرحيات الشكسبيرية. غير أن نجاحه المسرحي لم يضاهه أي نجاح سينمائي عند بداية حصوله على أدوار معقولة في بعض الأفلام البريطانية المبكرة. فكان عليه أن ينتظر وصوله إلى نيويورك ليمثل على بعض مسارحها، حتى تكتشفه هوليوود بطاقاته الهائلة كممثل وتسند إليه دوره الكبير الأول في فيلم أميركي كان "البيت المعتم العتيق" (1932)، غير إن الشهرة الحقيقية لم تطله إلا مع الدور الذي لعبه في "إشارة الصليب" (إخراج سيسيل بي دي ميل) حيث لعب دور نيرون بإتقان لفت إليه الأنظار حقاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

شخصيات التاريخ الكبرى

منذ ذلك الحين لا يخلو فيلم تاريخ جدي من دور يلعبه تشارلز لوتون بقامته العملاقة ونظراته الثاقبة وتعابير وجهه المتغيرة. أما هو فإنه بعد نجاحاته الهوليوودية الأولى، وجد لزاماً عليه أن يعود بين الحين والآخر إلى بريطانيا ليشارك في سينماها، بخاصة أن الدور الأساسي الذي لعبه في فيلم "حياة هنري الثامن الخاصة" تحت إدارة ألكسندر كوردا جعله يفوز بأول أوسكار تمنحه هوليوود لممثل غير أميركي. وبعد ذلك كرت مسبحة الأدوار والأفلام الكبيرة التي صنعت له تلك الشهرة العالمية وجعلت متفرجي السينما في العالم أجمع يعتبرون رحيله في العام 1962 خسارة كبيرة لفن التمثيل الأصيل، فمن "البؤساء" تحت إدارة ريتشارد بورسلانسكي (1935) إلى "اختيار هوبسون" (1953) من إخراج دايفيد لين، ومن دوره الكبير في "رمبرانت" (1936) بإدارة ألكسندر كوردا إلى دوره الأكبر في "سبارتاكوس" (1960) من إخراج ستانلي كوبريك، مروراً بأفلام مثل "نزل جامايكا" من إخراج أففريد هيتشكوك، و"أحدب نوتردام" حيث لعب دور كازيمودو بإتقان، و"ثورة على ظهر السفينة بونتي" (1935) في نسخته الأولى من إخراج فرانك لويد، عرف تشارلز لوتون كيف يكون فناناً مثالياً متوازياً مع نفسه، لا يهمه أن يكون الفيلم كبيراً أو صغيراً، أو دوره رئيسياً أو ثانوياً، بل في المقام الأول أن يعطي أدواره كل زخمها ويسخّر كل طاقاته الشكسبيرية لمد فن السينما بما كان ينقصه من قوة في الأداء وتفاعل للشخصية أمام الكاميرا.

الحال إن تشارلز لوتون نجح في هذا كله، وتمكن في جعل كل دور يمثله، أسطورة في الأداء السينمائي إلى درجة أن فناناً كبيراً من طراز أورسون ويلز لم يتردد في القول إنه حين لعب دور "فالستاف" في فيلمه الذي يحمل الاسم نفسه، اضطر لمشاهدة تشارلز لوتون في أفلام عدة قبل أن يقرر الوجهة التي سوف يتخذها أداؤه في هذا الفيلم. مع هذا، لئن اعتبرت كل أدوار تشارلز لوتون أسطورة في تاريخ السينما فإن الأساسية منها يظل أداؤه الآخر مخرجاً لعمل وحيد في الفيلم الكبير "ليلة الصياد" الذي يعتبر من ناحيته وفي مجاله، أسطورة سينمائية حقيقية.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة