في يناير (كانون ثاني) عام 2016 كانت المصورة الفوتوغرافية المغربية ليلى علوي في رحلة عمل إلى بروكينا فاسو، وأثناء تجولها في شوارع العاصمة واغادوغو اقتحمت مجموعة من المتطرفين محيط المكان وأطلقوا النار بكثافة على المارة مستهدفين أحد الفنادق القريبة. نالت علوي نصيبها من الرصاص الطائش، ونقلت إلى المستشفى بين الحياة والموت، لترحل بعدها بأيام وهي في عمر الثالثة والثلاثين.
وبقدر ما كان هذا الحادث الأليم صادماً لأصدقاء علوي ومتابعي أعمالها، إلا أنه ربما أسهم في تسليط الضوء على تجربتها التصويرية الثرية والملهمة. تقف أعمال المصورة الراحلة على مسافة بين التصوير الصحافي والفني، كما تتمتع بالدفء والألفة معاً. تبنت علوي قضايا المهمشين واقتربت من أحوالهم، فمثلت أعمالها صوتاً لمن لا صوت لهم، كما عكست صورها على نحو غير مباشر الأسباب التي تدفع البعض إلى تبني مثل هذه الأفكار المتشددة، كالفقر والتهميش والبطالة والصراعات الإقليمية. رحلت المصورة المغربية الشابة بينما ظلت هذه القضايا التي عالجتها في أعمالها عالقة كما هي، وحاضرة في قلب المشهد الإنساني.
احتفاءً بهذه التجربة الاستثنائية للمصورة المغربية الراحلة يستضيف غاليري سومرست هاوس بالتعاون مع غاليري الفن الأفريقي المعاصر في لندن أول معرض استيعادي لأعمال الفنانة الراحلة في بريطانيا تحت عنوان "طقوس العبور" يضم المعرض المستمر حتى منتصف الشهر المقبل مجموعة منتقاة من تجارب الفنانة المغربية الراحلة، والتي سلطت من خلالها الضوء على قضايا اللاجئين والمهاجرين، وقضايا المرأة وتعقيدات النزوح والهوية في الدول الفقيرة.
تضم المعروضات شريط الفيديو الأخير الذي كانت تعمل عليه الفنانة قبل رحيلها، وهو عمل غير مكتمل بعنوان "جزيرة الشيطان" وتستكشف خلاله الفنانة حياة جيل الستينيات من العمال المهاجرين في فرنسا. إلى جانب ذلك يشمل المعرض أيضاً عدداً من المشاريع التصويرية الأخرى للفنانة مثل مشروع "ناطرين" عن حياة اللاجئين السوريين، والذي أنجزته عام 2013 بعهدة المجلس الدنماركي للاجئين، ومشروعها الآخر "العبور" وهو عمل تجهيزي مكون من ثلاث شاشات عرض مدته ست دقائق أنجزته الفنانة عام 2015، وتوثق من خلاله الرحلات غير الشرعية للشباب المغاربة الذين يغامرون بعبور البحر إلى أوروبا.
سلسلة فوتوغرافية
يضم المعرض أيضاً جانباً من تجربتها الممتدة التي قدمتها تحت عنوان "المغاربة" وهي أحد أكثر أعمالها لفتاً للانتباه؛ وهو مشروع مكون من سلسلة فوتوغرافية لصور مواطنين مغاربة، التقطتها علوي في أستوديو متنقل عبر أقاليم المغرب. بعيداً عن النظرة الاستشراقية والمعالجات الفوتوغرافية النمطية لصور المغاربة ظهر الأشخاص في صور علوي في هيئة أكثر طبيعية، كما بدت الفنانة في هذه الصور منحازة لخياراتها الجمالية الخاصة، بعيداً عن التمثيلات الفلوكلورية المعتادة في صور المستشرقين الغربيين. بدت صور علوي في هذا المشروع الممتد كأنها توثيق بصري للمجتمع المغربي بكافة أطيافه وثقافاته المحلية؛ هذه الثقافات التي تتعرض اليوم للتهميش، وتُدفع تحت ضغط الزحف والهيمنة الحضرية للزوال والانكماش.
لإنجاز هذا المشروع خاضت المصورة مغامرة السفر عبر أقاليم المغرب المختلفة لتصوير الرجال والنساء والأطفال من جميع الأعمار، ومن مختلف المجموعات العرقية والقبلية من العرب والبربر. في هذه الصور واجهت علوي مخاوف الناس تجاه الكاميرا، وتمكنت من إقناع كثيرين بالمشاركة في المغامرة. انتقلت الفنانة بالأستوديو المحمول الخاص بها بين الأماكن العامة والأسواق والتجمعات الخاصة. عملت الفنانة على هذا المشروع طوال ثلاثة أعوام متواصلة، وكان من المقرر أن تستمر في رصد التنوع الثقافي والعرقي للمغرب، وتوثيق العديد من التقاليد التي في طريقها اليوم إلى الاندثار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في مشروعها "المغاربة" صورت الفنانة الأفراد المعزولين عن بيئاتهم أمام خلفية سوداء وباستخدام أضواء اصطناعية. اعتمدت علوي في معالجاتها للصورة هنا على أسلوب جمالي أكثر حداثة، مع إضاءة صناعية قوية ومباشرة، وتقنية تصوير حادة التركيز تبرز بها كثافة التفاصيل. كما استخدمت الألوان الباردة بكثافة في الخلفية، في تناقض مع الدرجات الطبيعية الدافئة والمميزة لسكان المناطق النائية في المغرب. في هذه الصور يبدو الأشخاص وقد اتخذوا الوضع نفسه أمام آلة التصوير، موجهين أنظارهم إلى الكاميرا بعمق، كأنهم يدركون جيداً قيمة اللحظة، أو أن أرواحهم تبعث برسائل مشفرة إلى هذه الأجيال التي ستأتي من بعدهم.
ليلى علوي من مواليد 1982 درست التصوير في نيويورك، وحصلت على بكالوريوس العلوم في الفوتوغرافيا، وحملت الجنسيتين المغربية والفرنسية. قررت علوي الاستقرار في المغرب بداية من عام 2008 بعد رحلة طويلة بين العواصم الأوروبية والولايات المتحدة. عملت المصورة الراحلة لصالح العديد من المجلات والمنظمات المستقلة، وكان وجودها في بوركينا فاسو بتكليف من منظمة العفو الدولية للعمل ضمن مشروع توثيقي عن المرأة الأفريقية. شاركت علوي في العديد من الفعاليات الدولية، وتعرض أعمالها ضمن مقتنيات عدد من المؤسسات الفنية حول العالم، من بينها المتحف البريطاني في لندن والدار الأوروبية للتصوير الفوتوغرافي في باريس. كرمت علوي في إيطاليا، ومنحتها وزارة الثقافة الفرنسية بعد رحيلها وسام "القائد" في الفنون والآداب، كما كرمت أكثر من مرة في بلدها المغرب.