Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المصارف لم تبذل سوى القليل لمساعدة بريطانيا خلال الجائحة فلماذا تكافئها الحكومة؟

من المقرر أن تتلقى المصارف فوائد بمليار جنيه إسترليني على القروض في حين يتحمل دافعو الضرائب الخطر كله– وهذا إنقاذ ضمني جديد للقطاع

الشمس تشرق فوق حي السيتي في لندن، القلب النابض للإقتصاد البريطاني (غيتي)

قد تبدو الأوضاع مدعاة للتشاؤم في نظر معظمنا حالياً، لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة إلى المصارف، التي أعلنت الأسبوع الماضي نتائج أفضل من المتوقع للفصل الثالث. فبعد ما سجل "باركليز" ربحاً صافياً بلغ 611 مليون جنيه إسترليني (794 مليون دولار) بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، فاقه "إتش إس بي سي" و"لويدز" بمكاسب تجاوزت مليار جنيه لكل منهما، في حين حقق "نات وست" 335 مليون جنيه.

وتعود هذه الأرباح المعلنة، الجيدة نسبياً، لأسباب ليس أقلها الطرق المختلفة التي سعت فيها المصارف إلى مكاسب من أزمة كوفيد، وحظيت في معظمها بمساعدة حكومية.

فوفق تقرير لمعهد بحوث السياسات العامة صدر في مايو (أيار)، فإن دعم الحكومة للأسر والأعمال أعطى الأولوية لمصالح المصارف والأطراف المستفيدة من الريوع قبل أي طرف آخر. ويظهر ذلك جلياً وبخاصة في الاعتماد على برامج القروض المدعومة حكومياً للحصول على دعم للأعمال، وهي برامج تسمح للمصارف بالتربح من تدفقات جديدة من مدفوعات الفوائد، مع نقل المخاطر إلى بقيتنا.

فما يسمى "برنامج قروض إعادة الانتعاش" جاء في وقت كانت فيه المصارف تتلكأ في القيام بعملها المتعلق بإقراض المؤسسات الصغيرة، محتجة على مخاطر عدم تمكن المقترضين من تسديد قروضهم. وبعد ضغوط من المصارف، قررت وزارة المالية تنفيذ مخطط مصمم وفق برنامج سويسري تضمن فيه الحكومة القروض بشكل كامل.

لكن ثمة فارقاً مهماً بين برنامج قروض إعادة الانتعاش ونظيره السويسري– في سويسرا، يحظر على المصارف فرض فوائد على القروض المدعومة من الدولة حتى تصل إلى مبلغ 500 ألف فرنك سويسري (547 ألف دولار تقريباً)، في حين أعفيت المصارف البريطانية من هذا الشرط وتمكنت من فرض فائدة بنسبة 2.5 في المئة سنوياً على قروض تضمنها الحكومة بواقع مئة في المئة تصل إلى 50 ألف جني

وقد لا تبدو نسبة 2.5 في المئة كبيرة، لكن وفق تقرير للمكتب الوطني لتدقيق الحسابات، فهي تعني أنه من المتوقع أن تكسب البنوك مليار جنيه من الحكومة خلال السنة الأولى من مدفوعات الفوائد. فهذا المبلغ الضخم يتناقض بشكل سافر مع رفض الحكومة المساهمة بمبلغ 150 مليون جنيه (195 مليون دولار) لإطعام الأطفال الجياع.

في هذه الأثناء، يرجح خبراء في التوقعات أن ما يصل إلى 60 في المئة من القروض الممنوحة للأعمال بسبب كوفيد قد يتعثر. وبما أن الحكومة هي الضامنة لهذه القروض فإننا (كدافعي الضرائب) قد نتجه إلى إنقاذ ضمني للمصارف بعشرات مليارات الجنيهات. وبعيداً عن أي إمكانية الانتعاش، فإنه سيُثقل كاهل مؤسسات كثيرة غير قادرة على تسديد ديونها، الأمر الذي يؤدي بها إلى الغرق، بينما ستحظى المصارف برعاية (الحكومة) ستُعوض من المال العام، تماماً كما حصل عام 2008.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقد يعود السبب في أن الأمر لم يثر مزيداً من الغضب في أوساط الناس، بمن فيهم سياسيون، إلى الافتراض خطأً بأن المصارف تقدم هذه القروض من مدخراتنا، ما سيعرض هذه المدخرات إلى خطر في حال لم تتمكن الشركات من تسديد تلك القروض.

لكن في الواقع تخلق المصارف مالاً جديداً من العدم حين تقدم قروضاً كهذه. صحيح أن هذه القروض يجب تمويلها من التزامات مطابقة، سواء من الودائع أو التمويل بالجملة، لكن المصارف تستطيع الحصول الآن على هذه الأموال مقابل فائدة قريبة من الصفر، ما يعطيها نطاقاً جيداً في ما يخص القروض التي وافقت الحكومة على تغطية خسائرها.

وهذا لا يعني أن المصارف ليس عليها أن تكون حذرة. فبسبب طبيعة النظام حيث لا تستمد القروض من مجموعات موجودة من الودائع، تبقى المصارف مدينة بمستويات عالية. ومن شأن انخفاض صغير في أسعار الأصول أن يكفي لإيقاع المصارف البريطانية في عدم الملاءة، وهذا فعلاً رأي المسؤول التنظيمي السابق في بنك إنجلترا، دين باكنر، والأستاذ كيفن دود.

لكن لو كانت المصارف تخشى لهذا الحد، مخاطر الإقراض حالياً، فلماذا تضغط في الوقت نفسه من أجل تبذير رؤوس أموال ثمينة على مدفوعات الأرباح المخصصة للمساهمين فيها؟

في مارس (آذار)، قام بنك إنجلترا بتدخل غير مسبوق، حين أمر المصارف بوقف دفع الأرباح إلى المساهمين والانهماك في إعادة شراء الأسهم وتوزيع العلاوات حتى نهاية عام 2020، بعد ما رفضت المصارف وقف العمل بهذه الخطط طوعاً. لكن يقال الآن، إن المصارف "تساوم" على اتفاقية مع المصرف المركزي قد تسمح لها باستئناف المدفوعات إلى المساهمين.

ومع تفاقم أزمة كوفيد، واستمرار شعور شركات وأسر كثيرة بالمعاناة، يجب أن تحافظ المصارف على رأس المال لدعم الإقراض، لا أن تضيعه على أرباح الأسهم. ويجب أن تكون مكافأة المساهمين في أسفل سلم الأولويات الخاص بالمصارف حالياً، ونحتاج إلى وقوف بنك إنجلترا بوجهها في هذا الشأن.

من المنصف القول، إن سلوك المصارف خلال هذه الجائحة لا يستحق المكافأة حتى الآن. فالمصارف لم تكتف بإقراض الشركات الصغيرة على مضض وفي شكل متأخر، بل حاولت حتى إجبار المقترضين على تقديم ضمانات شخصية مقابل الحصول على قروض مدعومة من الحكومة.

وعلى الرغم من خفض بنك إنجلترا معدل الفائدة الأساسية إلى مستوى منخفض قياسي بلغ 0.1 في المئة خلال مارس (آذار)، لم تمكن المصارف الرئيسة عملاءها من الاستفادة من هذا الخفض. فمعدلات الفائدة الثابتة لسنتين على الرهون العقارية ارتفع في الواقع بالمعدل الأكثر حدة في عقد من الزمن. ورفعت المصارف أيضاً معدلات الفائدة على القروض الشخصية، ومضت في تطبيق خطط تقضي برفع المعدلات على السحب الزائد من الحسابات بأكثر من الضعف إلى مستوى مذهل بلغ 40 في المئة، في وقت كان فيه السحب الزائد ضرورياً جداً لكي تتمكن الأسر من الوفاء بالتزاماتها.

ويعد "نات وست" ("رويال بنك أوف سكوتلاند" سابقاً) مذنباً بالإقفال غير المبرر لحسابات العملاء من دون إنذار، ما ترك كثراً فجأة من دون وسائل لدفع المتوجبات الأساسية خلال هذه الأوقات العصيبة. والآن ترفض أغلبية المصارف السماح للشركات بفتح حسابات جديدة، وهذا لا يبشر بالخير إزاء أي تعاف.

لقد بينت المصارف أنها غير جديرة بالثقة في ما يخص وضع المصلحة العامة فوق مصلحة المساهمين، حتى خلال حالة طوارئ وطنية تتعلق بالصحة العامة.

وعلى خطة "إعادة البناء بشكل أفضل" أن تتضمن بناء نظام مصرفي مستعد وراغب في دعم المجتمعات الصغيرة في الأوقات الطبيعية والعصيبة معاً. والمحزن أن المصارف المساهمة الكبرى في بريطانيا لا تستطيع فعل أي من الأمرين، وما لم نتمكن من تجاوز اعتمادنا عليها، فإننا نخاطر بالفشل في تحقيق تعاف منصف حقاً.

(سايمون يوئيل رئيس السياسات والمناصرة في مجموعة "المال الإيجابي" للبحوث والحملات)

© The Independent

المزيد من اقتصاد