Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أسواق حلب تنهض من بين ركام الحرب

ثلث المدينة دُمر بالكامل وعمليات ترميم واسعة سعياً لإعادتها إلى حلتها القديمة

ليس غريباً أن تحظى مدينة كحلب في شمال سوريا، عاصمة اقتصاد البلاد، بهذه المكانة المرموقة ليس لموقعها بين البحر الأبيض المتوسط وطريق الحرير إلى الشرق فحسب، بل لما تمتلكه من إرث حضاري جعلها تحجز مكانها بين أشهر مدن العالم.

ندب الحرب على المدينة

سحرت هذه المدينة القديمة كل من زارها من باحثين ورحالة، وظلت مُحافظةً على تفوقها ومركزها التجاري على الرغم من الحرب الأخيرة التي تدور رحاها إلى اليوم، على الرغم من الدمار الهائل الذي لحق بعمارتها، والآثار التي تركتها الحرب على مساحة واسعة من أحياء المدينة الثانية بالترتيب بعد العاصمة دمشق، وألحقت الضرر مُجهزةً على ما تبقى من مدنها الصناعية بعد تعرضها للنهب والسرقة.

وأوردت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في تقرير لها حجم الأضرار في مواقع حلب الأثرية، مبينة أن ثلث المدينة دُمر بالكامل خلال سنوات الحرب، و60 في المئة من المدينة القديمة قد تضرر بشكل كبير، بينما 30 في المئة تم تدميره كلياً. 

عبق الماضي لا يُعوّض

ليس كل زوار أسواق المدينة يأتون للتسوق فحسب، بل إن النزهة بين جدرانها لها وقع في النفوس، فكل سوق منها يختص بحرفة أو صنعة معينة، فهناك سوق "الزرب" الذي يعمل على إنتاج العباءات، وسوق "النسوان" و"الذهب" و"الحبال"، وغيرها الكثير، وكلها مترابطة مع بعضها البعض.

ويظن أحد التجار في سوق "الزرب"، محمد فرواتي أنه من الصعوبة عودة الحياة كما كانت عليه، وإن عادت الحجارة إلى مكانها "إلا أننا نتشوق إلى الحياة القديمة في أجمل الأسواق بالعالم".

 

من جهته، يعبر أحد التجار العاملين في الاستيراد والتصدير مع دول أوروبية وعربية أن لديه الرغبة الجامحة بامتلاك أحد المحال في سوق المدينة، ويقول "لم أشهد أجمل من أسواق حلب. تجولت في أسواق العالم شرقاً وغرباً، ولم أجد أجمل منها".

ليس تعصباً أو تحيزاً حين يعبّر أبناء المدينة عن عشقهم لهذه المحال التجارية، بل كما يقول الباحث في التراث الحلبي، محمد قجة "تمثل أسواق المدينة القديمة روح أبناء المدينة خلال آلاف السنين".

ويعلق في حديثه عن ترميم المدينة القديمة وأسواقها قائلاً "أجدر أعمال الترميم حالياً التي تحدث في حلب هي في الجامع الأموي الذي يقع بالقرب من الأسواق".

الحياة تعود جزئياً 

هنا، وعلى مسافة ليست ببعيدة عن قلعة حلب الشهيرة، تتموضع أطول الأسواق المسقوفة في العالم حسب تصنيف منظمة اليونسكو، والبالغ عمرها ألف عام. ويتداول أهل حلب تسمية شائعة لعموم الأسواق بـ"سوق المدينة" التي لم تعرف السكون قبل حرب عام 2010، وكانت تعج قبل ذلك بالحياة والحركة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قبل الحرب كان يتقاطر إليها الكثير من المستهلكين والتجار من حلب وخارجها منذ الصباح للتبضُّع من أسواقها إلى أن تغلق أبوابها في توقيت واحد مساءً.

وفي محيط قلعتها بدأ الناس من سكان وتجار بالعودة ما بين الحزن والأمل لرفع أنقاض بيوتهم ومتاجرهم المهدمة ونفض غبار الحرب عنها.

الترميم وذكريات الماضي

بعد توقف الاقتتال قبل عامين ماضيين عادت الحياة جزئياً إلى أكثر المواقع الأثرية شغفاً ومحبة بالنسبة لأهالي "الشهباء"، وتعمل المجالس المحلية بالتعاون مع منظمات أهلية ومجتمعية لإعادة هذه الأسواق قدر المستطاع إلى حُلّتها القديمة بعد تعرضها للهدم والحرق.

وعلى الرغم من صعوبات العمل ونقص المستلزمات والخبرات الكافية فإن أعمال الترميم والتأهيل نجحت في عدد من الأسواق مثل "خان الحرير والسقطية وسوق الخابية".

ويقسّم مدير مدينة حلب القديمة، المهندس أحمد الشهابي، هذه الأعمال إلى شقين؛ أولهما أعمال تجري بمشاركة عديد من الفعاليات والمنظمات، وتأهيل يصنعه أصحاب المحال للعودة إلى أسواقهم، كما يشارك كل من الأمانة السورية للتنمية، ومجلس المدينة والمديرية العامة للآثار والمتاحف، وكذلك مؤسسة الأغا خان باتفاقيات مشتركة سعياً للاستفادة من الخبرات، في حين افتتح أصحاب المحال في "خان الجمرك، وسوق الزهراوي، وسوق السقطية، وسوق النسوان، وسوق المحمص، وسوق الشام، وغيرها"، بجهودهم الذاتية محالهم طلباً للرزق، ومنهم من تريث لأسباب اقتصادية ومالية، والبعض الآخر ينتظر الانفراج في الواقع السوري الحالي.

في غضون ذلك، ينكبُّ المتخصصون على العمل سعياً لإعادة رونق السوق، ولو أنهم نجحوا في عدة مفاصل منه، وافتتحت من جديد متاجر متفرقة كان أبرزها سوق "السقطية".

ولم تعد الحركة التجارية إلى سابق عهدها، على الرغم من أن المدينة تحاول أن تنهض من ركام الحرب جاهدة. ويعتقد الباحث قجة أن "أعمال الترميم للأسواق نشطة إلا أنها تبقى متواضعة قياساً بحجم الدمار".

ويتحدث التجار عن وجود ضعف في الأداء التجاري على الرغم من كل العروض والإعلانات التجارية والتسويقية التي يعلنون عنها، لكن من دون جدوى، ويعزون ذلك إلى واقع البلاد السياسي والاقتصادي وإلى الحصار المطبق على سوريا.

ويتباهى أحد التجار إلى عقده صفقات مع الصين، وأخرى مع دول أوروبية، قبل الحرب، لكن اليوم ليست لديه المساحة الكافية بسبب الظروف الراهنة حتى لعقد صفقات مع نظراء له داخل البلاد بعد أن شارفت مستودعاته على النضوب، ومع تذبذب سعر الدولار ارتفاعاً وهبوطاً.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير