كل مدينة لديها معالم مختلفة تميزها عن المدن الأخرى، فهناك أفكار عن بلد معين غالباً ما تكون أقوى من الحقائق المجردة، فعند ذكرنا الولايات المتحدة الأميركية، تتبادر إلى أذهاننا مباشرة الحرية والتنوع والشمول، وعند ذكرنا إنجلترا تتبادر إلى أذهاننا الثقافة الواسعة والدولة الأم لعديد من العباقرة على مر الزمان، مثل شكسبير وغيره، أما إيطاليا عاصمة الموضة والجمال، فلا يجوز ذكرها من دون تذكر الأكل الإيطالي الشهير، وعند ذكر ألمانيا يتبادر إلى أذهاننا "صنع في ألمانيا" وسمة مميزة تدل على الجودة العالية وقوة التحمل والتكنولوجيا المتطورة .
فكل دولة لها "علامة تجارية" تميزها عن بقية الدول، مثل أن تطلق على نفسها مدينة الثقافة، أو مدينة الموضة، أو الموسيقى، أو المدينة الذكية، أو المدينة الصناعية والتجارية، أو المدينة ذات الطبيعة الخلابة، أو المدينة التي لا تنام، كل ذلك من أجل التسويق للمدينة، ما يعود بالنفع الكبير على اقتصادها ويسهم في رفع جودة الحياة للشرائح المستهدفة.
وفي اليوم العالمي للمدن، هل فكرت يوماً ما هو المشروع الفريد الذي يمكن أن تفتخر به مدينتك بين بقية دول العالم، والذي من شأنه أن يحدث فرقاً حقيقياً في حياة سكان المدن الأخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يقول المختص في تسويق الدول طلال المغربي، "الدول حول العالم تسعى لتسويق نفسها، بوضع صورة ذهنية وعلامة وطنية لها لتعزيز مكانتها بين الدول، وتعزيز قوتها الاقتصادية وقدرتها على التأثير، فمع تطور قطاع الطيران والسفر والسياحة، أصبح لدى الناس حول العالم القدرة والسهولة والبدائل للسفر إلى الدول المختلفة، ما ساعد في تسارع نمو وتطور قطاع السياحة لجذب المسافرين والعمل على نمو الشريحة التسوقية، وهو ما ساعد على تقسيم السوق السياحية لفئات متنوعة من المسافرين، حسب تصنيف هيئه السياحة العالمية. أصبح هناك تنوع في اهتمامات المسافرين، هناك المسافرون المهتمون بقطاع الأعمال، وهناك سياحه المعارض والمؤتمرات والسياحة الصحية والتعليمية والرياضية والترفيه والتسوق وغيرها".
وذكر المغربي أن تسويق المدن يمر بخطوات التسويق التجاري نفسها، "فهو عالم تسويقي. وليست الدعاية والترويج للمدن والدول، كما هو في عالم التجارة والأعمال. بل يجب أن نصنع حاجز التميز بين المدن ومنافسيها لتكون دوماً في الطليعة، ولا بد أن نعرف رؤية وأهداف المدينة، ومواردها ومقوماتها، وأهم الكيانات فيها ونجري الأبحاث والدراسات اللازمة لمعرفه نقاط القوة والضعف والفرص، وتحديد ما أسميته خارطة الأبعاد الحضارية، التي تشمل التعليم والأبحاث، والعادات والتقاليد، والصناعات، والسمات الشخصية، والموارد الطبيعية، والثقافات وتنوعها، والتاريخ، والاقتصاد، والبعد الجغرافي للمدن، والفنون وغيرها من الأبعاد، التي يمكن أن نضيفها لكل مدينة، والتي تساعد في رسم الإستراتيجية المناسبة في خلق المنتجات والخدمات والمناسبات لتلك المدينة، وتحديد آلية الترويج لها والفئة المستهدفة، وهكذا يكون تسويق المدن عنصراً يسهم في التنمية المستدامة لكل مدينة".
تسويق المدن ليس حملات ترويج إعلامية، فالشركات التجارية تضع الميزانيات، وتنفق كثيراً على الأبحاث والتطوير "R&D" لاستمرار خدماتها ومنتجاتها، وتحتاج الدول إلى وضع الميزانيات لذلك، للاستمرار في جذب السياح من كل الفئات.
لذلك لا بد من معرفه أنواع السياحة العالمية، والعمل على معرفة نقاط القوة لكل مدينة، ومن ثم وضع الخطط لجذب الفئات السياحية المستهدفة، بالتعاون مع مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وإمارات المناطق أو اللجان الخاصة المركزية في كل مدينة لمعرفة خطط المدن والبرامج والمناسبات وتناغمها وعدم تعارضها مع برامج أخرى.
ونوه المغربي أيضاً إلى أن "المدن كما هي الدول تحتاج إلى تكوين صورة ذهنية قوية، تساعدها في تحقيق أهدافها. والدول والمدن التي لديها سمعة قوية وتأثير، تستطيع تصدير منتجاتها بسهولة، ليتقبلها المستهلك، بل قد يدفع المستهلك أكثر لمنتجعات تحمل اسم دول ذات سمعة وعلامة وطنية قوية "Brand Equity" تزيد من مصداقية جودة المنتجات والخدمات.
أضاف المغربي، "تتسابق الدول في العمل بذكاء على تسويق مدنها واستغلال مواردها المختلفة وتحريك وتدوير الاقتصاد المحلي بين المدن، وهو ما يساعد على تنميه المدن وتطورها، لتكون قادرة على جذب المسافرين والمهتمين بكل أنواع السياحة وجذب انتباههم لقدرات الدول، وتنوع حضارتها وثقافتها وموارد مدنها المختلفة، ليس فقط العواصم والمدن الكبيرة".
دور الدراما في تسويق المدن
أصبحت الأفلام السينمائية والموسيقى شكلاً جديداً من أنواع السياحة، وباتت قادرة على التأثير في قرار ووجهات السائح، وقال سعيد العمودي المتخصص في المدن الإبداعية، "تأثير الإنتاج الفني بكل أنواعه، مثل فيلم "سيد الخواتم" حفز السياح لزيارة نيوزلندا. أيضاً إسكتلندا ازدهرت سياحياً بعد تصوير فيلم "القلب الشجاع" في أراضيها، والمغرب والأردن ودبي وإيطاليا وغيرها نماذج من المدن التي أصبحت مدناً جاذبة لمنتجي الأفلام والسياح".
وذكر العمودي أن زيارات المشاهير الممنهجة لمدن بعينها لها تأثير كبير جداً، خصوصاً عندما يستخدمون حساباتهم الشخصية في وسائل التواصل الاجتماعي، لتوثيق الزيارات عبر المعالم المختلفة، فمثلاً ويل سميث وشاروخان، وكريستيان رنالدو في زياراتهم المتفرقة لدبي، نُقلت للعالم بتأثير كبير بسبب الفعاليات المختلفة التي صاحبتها.
تجارب عالمية
يقول المختص في تسويق الدول طلال المغربي، "الأغلب، يتذكر تجربة مدينة نيويورك، وتغير الصورة الذهنية عنها، من مدينة تغلب عليها الجرائم والمخدرات، إلى مدينة حيوية حية طوال اليوم، ومدينة للمال والأعمال، وبرزت العلامة الشهيرة التي تنتشر على التيشيرتات والهدايا وهي "أنا أحب نيويورك".
واعتمدت لندن على تعدد الثقافات، والاندماج والتاريخ والعراقة والمال والأعمال والابتكار وريادة الأعمال، والمدينة حيوية جاذبة لكل الأعمار.
ولأفريقيا تجربة كذلك، فمدينة جوهانسبيرغ، التي نجحت بعد فوز ملفها باستضافة كأس العالم 2010، جعل دولة جنوب أفريقيا تنشئ لجنة لتسويق الدولة، لتغير الصورة الذهنية عنها، من وجود حرب أهلية وجرائم عنصرية لدوله متعددة الأعراق والأديان والثقافات، بالتالي جذبت الاستثمارات التنموية، وبناء البنى التحتية لاستكمال مرافق كأس العالم، ما أسهم في حضور الملايين تلك المناسبة العالمية، واستمرت في جذب السياح وتغيير الصورة الذهنية عنها.
كما أن مدينة هلسنكي عاصمة فنلندا، تسوق لنفسها بأنها مدينة البساطة وتقديم الحلول والابتكارات التقنية في مجالات الصحة والتعليم والطاقة وغيرها.
وتجربة سيدني في أستراليا بناء على الدراسات، وجدت قواها في التنوع الثقافي، وبنت إستراتيجيتها حول التعدد الثقافي لنسيج مجتمعها.
كما نجحت الهيئة الملكية لمحافظة العلا السعودية في تسويق العلا لأنها بدأت فيها من الصفر، وعملت عليها الدراسات اللازمة لمدينة فيها المقومات التاريخية اللازمة، بالتالي نجحت في بناء مطار وبنية تحتية بشكل سريع، جذبت من خلالها السياحة الداخلية والخارجية وإقامة المناسبات الموسمية فيها.
وذكر طلال المغربي أن "تعميم التجربة نفسها على باقي المدن ممكن، ويساعد في أن تكون لكل مدينة دبلوماسيتها الناعمة، تبدأ بعمل الدراسات الدورية والعمل على تعزيز الصورة الذهنية وتغيير أي صورة نمطية غير صحيحه عن المدينة، وإضافة الدراسات والأبحاث في مجال تسويق الدول والمدن، سوف توجهنا إلى معرفة الصور الذهنية بطرق علمية، بالتالي لا نترك للآخرين أن يقوموا بدورنا ويصنعوا صورة ذهنية يريدونها عنا وعن مدننا ودولتنا تخدم توجهاتهم، ولاتحقق وتخدم أهداف المملكة ورؤيتها".
فيمكن لنا أن نجعل مدينة الطائف مدينة تهتم بالسياحة الصحية والنفسية، ونجعل مدينة تبوك مركزاً يجذب الشركات التقنية والناشئة حول العالم، لتكون ضمن الاقتصاد المحلي، وتخدم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق أوروبا، ومدينة الرياض عاصمة القرار السياسي ومركز للمال والأعمال، وجازان مدينة الزراعة وسياحة الرياضات البحرية، وأبها للسياحة ورياضات المخاطرة ومركز لمعسكرات ألعاب القوى. هذه أفكار، لكن الأهم عمل الدراسات لمعرفة مقومات كل مدينة نبني لها إستراتيجية تسويق.
دور الفرد في تسويق المدن
وتحدث المغربي أيضاً عن أن الفرد جزء من النسيج المجتمعي لكل مدينة، الذي يمثله كل مواطن ومقيم، وهؤلاء الأفراد، بمختلف أطيافهم وأعراقهم وثقافاتهم، هم القوة المحركة لتسويق المدن ومرآة حضارتها وثقافتها، وضمان نمو واستمرار توهجها، بالتالي إشراك الفرد في معرفه إستراتيجية المدينة وخطتها وأهدافها المستقبلية يساعد في جعله جزءاً منها، يعمل على تحقيق رؤيتها ويعكس الصورة الذهنية للمدينة وحضارتها وثقافتها ومستقبلها داخلياً ودولياً.
فنحن عندما نسافر لأي دولة، نسعى للخروج من المدن الكبيرة والعواصم والذهاب إلى المدن الصغيرة والأرياف، لمعرفه تاريخها وأهم منتجاتها، وغالباً في المدن الصغيرة نكون أقرب إلى سكانها ومعرفة طباعهم وعاداتهم التي ترسخ في ذاكرتنا. والفرد هو الذي سوف يصنع ويعزز تجربة السائح والزائر، التي هي من أهم عناصر التسويق، وكلما كان الفرد على معرفة برؤية مدينته ودراية في البعد الحضاري لها، ساعد ذلك في نقل الصورة الذهنية للزائر.
اليوم العالمي للمدن
وأقيم اليوم العالمي للمدن 2020 في كينيا، في مدينة ناكورو، بمراسم افتتاح افتراضية تحت شعار "مدينة أفضل، حياة أفضل"، ويتمثل الهدف من هذا اليوم في تركيز اهتمام المجتمع الدولي على التوسع الحضري، باعتباره قضية مركزية للتنمية، وتشجيع التعاون بين البلدان في تلبية الفرص ومعالجة التحديات الحضرية نحو التنمية المستدامة.
وكل عام يتم اختيار موضوع فرعي مختلف، إما لتعزيز نجاحات التحضر، أو لمواجهة تحديات معينة ناتجة عن التحضر، والموضوع الفرعي لهذا العام هو تقييم مجتمعاتنا ومدننا.