Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأمم المتحدة "بنك القلق"!

كانوا يريدونها مؤسسة تسهل إدارة العالم والهيمنة عليه

مبنى الأمم المتحدة في مانهاتن (أ ف ب)

تتابع الأمم، منبر الأمم المتحدة بعدم اهتمام مطّرد، وتعتبرها مَكلمة للزعماء أو من ينوب عنهم، ويرونها جمعية أسفلها كل الضعفاء والمغبونين، فيما أعلاها صرح الكبار، أو القوى الكبرى، التي تتصارع على حصة من الهيمنة والسيطرة على أسفلها. حتى باتت مهمة هذه الجمعية، أن تكون مبكى الصغار وفيتو الكبار، وقد شاخت هذه المنظمة يوم ولدت، وتحولت عند موظفيها إلى فرصة للحصول على مرتّب كبير بالدولار، وحصة من الهبات التي تُجمع للدول الفقيرة، ما جعل منها منظمة الفضائح ووسيلة للاستغلال.

ولم تتابع الأمم، المنظمة التي يقال إنها الأمم المتحدة، باهتمام، كما تابعتها يوم طرق منبرها الزعيم السوفياتي "نيكيتا خرتشوف"، بحذائه، من أراد أن يهدد ويتوعد بحذائه، لم يكن يعرف جيداً، أن الاتحاد السوفياتي أيضاً إمبراطورية كلام (أيديولوجيا). وقد تابعت الأمم أيضاً، المشهد الكوميدي الذي قام به "العقيد معمر القذافي"، "قائد الجماهيرية العظمى"، حين مزق ميثاق الأمم المتحدة، ومن على منبرها رمى به على الحائط.         

هذا مؤشر ضئيل أمام المؤشر الأبرز: أن مؤسسي المنظمة كانوا في حقيقة أمرهم، يريدونها مؤسسة تسهل إدارة العالم والهيمنة عليه، ولما كانت القوى الكبرى بطبيعتها قوى متصارعة، فإن ما آلت إليه "عصبة الأمم"، حصل مع وريثتها الأمم المتحدة من دون إعلان، أي أن الوريثة ولدت لـ"تشرعن" إرادة القوي ما كان، الولايات المتحدة، خلال عمر الأمم المتحدة، التي تحتفل بعيد ميلادها الـ75، ويحتفل العالم بها كبنك للقلق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والغريب أن طوال عمر هذه المنظمة الدولية، تحوّل منبرها إلى شكوى ما عُرف بدول العالم الثالث، ما تشتكي الدول الكبرى من شكاويه، فيما القضايا المشتركة جعلت من هذا المنبر كما بنك للقلق على العالم، فيما الدولة الكبرى المؤسسة: الولايات المتحدة قلقلة من مسار المنظمة، ومن أنها تحولت إلى منبر للشتم والتعريض بالولايات المتحدة، أما المنظمات التابعة لها كاليونسكو ومنظمة الصحة، فترى الولايات المتحدة أنها وكر لإعدائها، ولهذا هددت بالانسحاب منها بل وقلّصت دعمها، وكأن الأمم المتحدة، اتحدت لتشكو من تمظهر هذا الاتحاد المنبري.

كل سبتمبر (أيلول)، وبمناسبة الاحتفال بتأسيس هذه المؤسسة الدولية الكبرى، 24 أكتوبر (تشرين الأول) 1945، يتبادل زعماء العالم منبرها، ليبدوا قلقهم من مصير العالم، وليبشروا بأن قلقهم يزداد، ومن خلال المنبر الأممي، يرددون جمعاً لازمة السلم العالمي، على مقام نهاوند أو السمفونية الخامسة لبيتهوفن، لا يهم فالمقام المبكى، واللحظة الحزن والقلق على نهاية العالم القريبة.

هذا العام العالم تحت عاصفة كورونا، في هذه الحرب الفاشلة حتى الآن، التي تخوضها الأمم غير المتحدة، المصاب عظيم: أكثر من 30 مليون مريض ومليون قتيل، ولا تنسى أن الأمم المتحدة أسسها منتصرون في حرب، في حين احتفال هذا العام يجيء والدول المؤسسة مهزومة في حربها ضد فيروس منع الزعماء من اللقاء، ولأول مرة يتبادلون التحايا، ويبدون قلقهم عبر الأثير وعن بعد جداً جداً، في وقت وحّد فيه كورونا فعلاً الأمم المتحدة كمرضى، وإن لم يوحّد إرادة هذه الأمم.

لكن الأغرب، أن منبر الأمم المتحدة مازال محافظاً على حاله، حتى والمصاب عظيم، فالأمم المتحدة حريصة كل الحرص، على أن تكون بنك القلق، ولهذا لا يفتأ الأمين العام للأمم المتحدة من إبداء قلقه، في كل مناسبة أو لا مناسبة، ما بالك ما بعد تحوّل منبر الأمم المتحدة العتيد إلى مجرد برنامج تلفزيوني تحت مسمى "بنك القلق".

والأغرب من الأغرب، أن البشر يعملون ويكدّون، لتأسيس منظمات وجمعيات، لتضمهم وتوحدهم في القلق على حالهم، والشكوى من هذه المنظمات والجمعيات القاصر، والتي يشدون عليها بالنواجذ. وما دمنا في موال "بنك القلق"، فأذكر أن في طفولتنا كانت تجمعنا لعبة "بنك السعادة"، وكأن الكبار استعاروا تلكم اللعبة، لكن باعتبارهم كباراً، فإنهم جعلوا من اللعبة "بنك القلق" على سعادة العالم!.                

اقرأ المزيد

المزيد من آراء