ساعات تفصل العالم عن الانتخابات الرئاسية الأميركية وما ستسفر عنه. ففي الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، يتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع، ونتيجة تصويتهم ستوصل الرئيس الحالي دونالد ترمب إلى الفوز بولاية ثانية، أو ستحقق لمنافسه الديمقراطي جو بايدن ما يطمح إليه.
وعلى جدول أعمال الرئيس الأميركي لليوم الأخير من الحملة الانتخابية، خمس تجمّعات في أربع ولايات، هي كارولاينا الشمالية وبنسيلفانيا وميشيغين وويسكنسن، على أن يختتم نهاره في غراند رابيدز بولاية ميشيغان، كما في عام 2016 حين باغت العالم بفوزه بالرئاسة.
وعشية الانتخابات، ندّد ترمب باستطلاعات الرأي "المزوّرة" التي تتوقّع فوز منافسه، مبدياً ثقته بتحقيق انتصار. وقال أمام أنصاره في فايتفيل في ولاية كارولاينا الشمالية، "غداً، سنفوز بأربعة أعوام إضافية في البيت الأبيض".
في المقابل، اعتبر بايدن خلال تجمّع في أوهايو، أن الولايات المتحدة "اكتفت بما شهدته من فوضى" خلال رئاسة ترمب. وقال في اليوم الأخير من الحملة الانتخابية، "شبعنا من الفوضى. شبعنا من التغريدات، من الغضب، من الكراهية، من الفشل وانعدام المسؤولية"، مضيفاً "حان الوقت ليحزم دونالد ترمب حقائبه ويعود إلى منزله".
"اطرد فاوتشي"
وفي وقت سابق الأحد، قال الرئيس أمام حشد كبير من مناصريه في ميشيغين في أول محطة من جولته، "التصويت لي وللحزب الجمهوري هو تصويت للحلم الأميركي"، وهتف المناصرون "نحبك نحبك!".
وفي أجواء من البرد الشديد وضع ترمب قفازات سوداء وقبعة حملته الحمراء، وأدى خطوات راقصة على أنغام أغنية "واي أم سي إيه". وبعد ميشيغين توجه ترمب إلى مدينة دوبيوك في ولاية آيوا، ثم إلى كارولاينا الشمالية وجورجيا قبل أن ينهي جولته في فلوريدا.
وأثناء آخر تجمع انتخابي عقده بـ"أوبا لوكا" بولاية فلوريدا، مساء الأحد، وبينما تخطت حصيلة الوفيات جراء الوباء 230 ألفاً في الولايات المتحدة، ردّد ترمب من جديد أن الديمقراطيين يتحدثون كثيرا عن كوفيد-19.
وعند ذكر اسم خبير الأمراض المعدية أنطوني فاوتشي، الذي أبدى تحفظات حيال استراتيجية الإدارة الأميركية في مكافحة الفيروس، هتف الحشد "اطرد فاوتشي".
فأجاب الرئيس متهكماً، "دعوني أنتظر قليلاً بعد الانتخابات". موحياً أنه سيقيل الباحث الذي يحظى باحترام كبير في الولايات المتحدة والعالم.
وبعد شهر من إصابته بكوفيد-19 ومشاركته في مئات التجمعات مع مناصريه، لا يبدو ترمب البالغ 74 سنة متعباً، بل على العكس، سيشارك الاثنين في خمسة تجمعات في أربع ولايات.
ويبدو أن حملة ترمب تركز جهودها للأسبوع الأخير على ولايات "حزام الصدأ" التي حققت الفوز لترمب عام 2016.
وحزام الصدأ، هي مجموعة من الولايات الشمالية الصناعية تقليدياً، التي عانت من تباطؤ اقتصادي منذ الثمانينيات، وعلى الرغم من عدم وجود تحديد جغرافي رسمي لهذه الولايات، يشار عادة إلى أن حزام الصدأ يمتد من وسط ولاية نيويورك، ويمر غرباً عبر بنسلفانيا وأوهايو وماريلاند وإنديانا.
حفل ليلة الانتخابات في البيت الأبيض
قال مسؤول أميركي إن الرئيس ترمب سيقيم حفل ليلة الانتخابات مساء الثلاثاء في البيت الأبيض. وأوضح أن نحو 400 فرد سيحضرون الحفل بعد الخضوع لفحص فيروس كورونا، وفقاً لما ذكرته وكالة "رويترز".
وكان الحفل مقرراً في فندق ترمب انترناشونال في واشنطن، لكن صحيفة "نيويورك تايمز" ذكرت يوم الجمعة أن الرئيس ألغى خطط الظهور في الفندق، وفضل متابعة النتائج من البيت الأبيض.
بايدن في بنسلفانيا مع عدد من رجال الدين
في المقابل، يركّز بايدن جهوده بشكل أساسي على ولاية بنسيلفانيا المفصلية التي يزورها مع عدد من رجال الدين لتعبئة ناخبيها، آملاً في انتقالها إلى المعسكر الديمقراطي، ما سيفتح له أبواب البيت الأبيض أخيراً في محاولته الثالثة للفوز بالرئاسة.
وكان ترمب قد فاز في بنسلفانيا على المرشحة الديمقراطية آنذاك هيلاري كلينتون بفارق ضئيل، في هذه الولاية الصناعية التي قد تقرر مصير الانتخابات، والتي أجرى فيها السبت أربعة تجمعات.
كما سيتّجه بايدن إلى ولاية أوهايو المجاورة، ليقضي بعض الوقت في اليوم الأخير من حملته في ولاية كانت تعتبر ذات يوم محسومةً لترمب، الذي فاز بها في عام 2016، لكن استطلاعات الرأي فيها تظهر الآن منافسةً متقاربةً.
وفي آخر يوم أحد من الحملة الانتخابية، يسعى بايدن إلى كسب تأييد الكاثوليك الذين صوتوا لصالح ترمب في الانتخابات الماضية. وجاء في تغريدة أطلقها المرشح الديمقراطي "لقد كان إيماني مصدر عزاء لا يضاهى في أوقات الحزن، ومصدر إلهام يومياً في التصدي لإساءة استخدام السلطة بجميع أشكالها".
وسبق أن اقترع ترمب وبايدن ومعهما أكثر من 95 مليون أميركي من أصل أكثر من 230 مليون ناخب، بشكل مبكر.
وقال المرشّح الديمقراطي الأحد في فيلادلفيا، "ما زال هناك يومان! بعد يومين، سنضع حداً لهذه الرئاسة التي قسمت بلادنا". وذكّر بأنه "في المرة الأخيرة (عام 2016)، فاز دونالد ترمب في بنسيلفانيا بفارق 44 ألف صوت فقط (من أصل أكثر من ستة ملايين صوت)"، مؤكداً "لكل صوت أهميته".
ويشارك الرئيس السابق باراك أوباما بشكل نشط في المرحلة الأخيرة من الحملة الانتخابية، إذ يزور الاثنين أتلنتا في جورجيا، وميامي في فلوريدا، دعماً لبايدن الذي كان نائبه على مدى ثماني سنوات. وهو يدعو منذ أسبوعين إلى عدم تكرار أخطاء عام 2016، قائلاً "بقي الكثيرون في منازلهم، تكاسلوا وتساهلوا. لكن ليس هذه المرة! ليس في هذه الانتخابات!".
مناصرو ترمب يلاحقون حافلة لحملة بايدن
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وندّد بادين، الأحد، بإقدام عدد من مناصري منافسه الجمهوري على ملاحقة إحدى حافلات حملته الانتخابية على طريق سريع في تكساس، في حادثة أكّد مكتب التحقيقات الفدرالي "أف بي آي" أنه يحقّق فيها.
وأظهر مقطع فيديو نُشر على "تويتر"، مجموعة سيارات كان يُلوّح مَن بداخلها بأعلام مؤيدة لترمب، أثناء عملها على اعتراض حافلة لبايدن والمرشحة الديمقراطية لمنصب نائبة الرئيس كامالا هاريس، محاولةً إبطاء حركتها.
وقال مسؤولون ديمقراطيون إن الحافلة التي كانت تقلّ المرشحة لعضوية الكونغرس عن ولاية تكساس، ويندي ديفيس، أوقَفت رحلتها وألغت مؤتمراً صحافياً واثنين من الفعاليات الانتخابية التي كان مخططاً لها، على خلفية "مخاوف تتعلّق بالسلامة". وذكرت وسائل إعلام محلية أن الحادثة وقعت على الطريق السريع "آي-35" جنوب غربي أوستن، عاصمة الولاية.
ونشر ترمب في وقت متأخر السبت مقطع فيديو عبر حسابه في "تويتر" يُصوّر تلك الحادثة، وكتب "أنا أحبّ تكساس".
وقال بايدن لمؤيديه في فيلادلفيا، "لم نرَ شيئاً كهذا في السابق. على الأقل لم يكن لدينا رئيس يعتقد أن هذا شيء جيد". وأضاف أن نجل ترمب، جي آر، حضّ مؤيّدي والده على "مواصلة الأمر" والعثور على مكان وجود بايدن وهاريس ومعاملتهما بالطريقة نفسها كما حصل في تكساس. وتابع المرشّح الديمقراطي، "أصدقائي الأعزاء، نحن لسنا هكذا. نحن أفضل بكثير من ذلك".
وأكّد مكتب الـ"إف بي آي" في سان أنطونيو، لوكالة الصحافة الفرنسية الأحد، أنه يحقّق في الحادثة التي تعرّضت لها الحافلة، من دون مزيد من التفاصيل.
وخلال تجمّع حاشد في ميشيغين، قال الرئيس الجمهوري إن المتظاهرين في تكساس حاولوا "حماية" الحافلة الديمقراطية. وأضاف، "أترون كيف حاول أناسنا (..) حماية هذه الحافلة أمس".
اشتباك بين ليدي غاغا وحملة ترمب
وبعدما أعلن المرشّح الديمقراطي أن المغنية الأميركية ليدي غاغا ستشارك معه الاثنين في لقاء انتخابي بولاية بنسلفانيا، نشب اشتباك على موقع "تويتر" الأحد بين فريق حملة ترمب والمغنية، بسبب معارضتها استخدام تقنية التكسير الهيدروليكي في التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي.
وستشارك ليدي غاغا مع بايدن في لقاء انتخابي في بيتسبرغ، سيكون خلاله الجمهور في السيارات على طريقة الـ"درايف إن".
وسارع فريق الرئيس الجمهوري إلى الردّ فوراً، إذ غرّد المسؤول عن التواصل في الحملة، تيم مورتو، قائلاً "لا شيء يفضح ازدراء جو بايدن العمال في بنسلفانيا أكثر من تنظيم حملة مع الناشطة في مكافحة التكسير الهيدروليكي ليدي غاغا".
ورأى مورتو أن ما وصفه بـ"الجهد اليائس لإحياء الحماسة لترشيح (بايدن) الباهت"، يشكّل "صفعةً في وجه 600 ألف من أبناء بنسلفانيا يعملون في صناعة التكسير الهيدروليكي"، مذكّراً بأن بايدن "وعد مراراً وتكراراً نشطاء اليسار" بأنه سينهي التكسير الهيدروليكي في حال انتُخبَ رئيساً.
والتكسير الهيدروليكي هو عبارة عن استخراج النفط والغاز من طبقات الصخور العميقة عن طريق حقنها بالماء والمواد الكيميائية. وأدّت هذه التقنية إلى جَعل الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط والغاز في العالم سنة 2014، لكنّ كلفتها البيئية باهظة.
وكانت لبايدن خلال حملته مواقف قاطعة في شأن توجّهه إلى حظر التكسير الهيدروليكي، لكنه قال أخيراً إنه يعتزم في حال انتخابه حظر أي عمليات تكسير جديدة على الأراضي العامة، متعهداً نقل الولايات المتحدة إلى مصادر الطاقة المتجدّدة، لكنه أوضح أنه لن يحظر التكسير كلياً.
وكان هذا الموضوع إحدى النقاط الساخنة خلال المناظرة الثانية بين المرشّحين للرئاسة.
وما كان من ليدي غاغا المعروف عنها التزامها مكافحة التكسير الهيدروليكي، إلاّ أن ردّت على مورتو وترمب عبر "تويتر" أيضاً، فكتبت "أنا سعيدة بالعيش في رأسيْكما من دون أن أدفع الإيجار". وأرفقت تغريدتها ببيان مورتو وبلصيقات تعبيرية إلكترونية وبعبارة "صوّتوا لبايدن".
وشكر مورتو ليدي غاغا بسخرية على تمكين متابعيها البالغ عددهم 82 مليوناً، من الاطلاع على بيانه الصحافي. وأضاف، "آمل أن يرى الكثير من الناس في ولاية بنسلفانيا هذا البيان".
وأظهرت الاستطلاعات قبل يومين من الاستحقاق الانتخابي أن بايدن يتقدّم ترمب بـ 4.3 نقاط من نسبة المؤيدين في بنسلفانيا.
"أربع سنوات إضافية"
صرح أحد مناصري ترمب لوكالة الصحافة الفرنسية أن الملياردير الأميركي "حقق لهذا البلد أكثر مما حقق أي رئيس آخر. لقد وفى بوعوده".
ووسط بحر من القبعات الحمر التي يهتف معتمروها "أربع سنوات إضافية"، يقلل ترمب من مدى خطورة الجائحة، على الرغم من تسجيل الولايات المتحدة حصيلة قياسية من الإصابات.
في المقابل، يتقيد بايدن بدقة بالقيود المفروضة والتدابير الوقائية، إلى حد دفع فريق ترمب الذي يشكك في قدراته الجسدية والذهنية، إلى اتهامه بأنه "يختبئ في قبوه".
وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة "واشنطن بوست" انتقد مدير المعهد الأميركي للأمراض المعدية، عضو خلية مكافحة فيروس كورونا أنطوني فاوتشي، إستراتيجية الإدارة الأميركية في التصدي لتسارع وتيرة تفشي الوباء، ما استدعى رداً قاسياً من البيت الأبيض الذي اتهمه بالسعي إلى إضعاف الرئيس المرشح لولاية رئاسية ثانية.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة نيويورك تايمز بالاشتراك مع كلية سيينا نُشر الأحد، تقدم المرشح الديمقراطي على ترمب في أربع ولايات مفصلية كان قد فاز فيها الملياردير الجمهوري في العام 2016 هي بنسلفانيا وأريزونا وفلوريدا وويسكونسن.
لكن المراقبين يشددون مراراً على ضرورة توخي الحذر في ما يتعلق بالاستطلاعات، خصوصاً بعد الانتخابات الأخيرة التي فاز فيها ترمب على هيلاري كلينتون خلافاً للتوقعات مفجراً إحدى أكبر المفاجآت السياسية في تاريخ الولايات المتحدة.
توتر مع قرب موعد الاستحقاق
في مؤشر إلى التوتر السائد في كافة أنحاء البلاد مع قرب موعد الاستحقاق، تحصنت متاجر عدة في مدن أميركية مختلفة من بينها نيويورك والعاصمة واشنطن، تحسباً لأي أعمال شغب.
وفي حال كانت النتائج شديدة التقارب وتأخر إعلانها، يخشى البعض تظاهرات في الشارع قد تؤدي إلى فوضى.
وسُئل ترمب عن التكهّنات المنتشرة في وسائل الإعلام حول احتمال أن يعلن فوزه مساء الثلاثاء إذا لم ترد نتائج واضحة ليلة الانتخابات، فنفى ذلك نفياً قاطعاً قائلاً لدى نزوله من الطائرة الرئاسية في كارولاينا الشمالية، "لا، إنها معلومات خاطئة". لكنه أضاف، "فور انتهاء الانتخابات، سيكون محامونا جاهزين"، ملمحاً إلى احتمال خوض معركة قضائية طويلة.
بايدن قال من جانبه، "ردي هو أن الرئيس لن يسرق هذه الانتخابات".
وكان ترمب توقّع السبت أن "تشهد البلاد فوضى"، وهو رفض مراراً الإعلان صراحة التزامه انتقالاً سلمياً للحكم في حال خسر في الانتخابات.
وأعلنت حملة بايدن أنه سيوجه كلمة "إلى الأمة" ليل الثلاثاء الثالث من نوفمبر، وهو ما لم تفعله كلينتون بعد خسارتها. والسبت تلقى بايدن دعماً إضافياً من الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، الذي شارك معه في حملة انتخابية في ميشيغين.
وكشفت قناة "سي أن أن" السبت أن عدداً من المسؤولين في البيت الأبيض يتعاونون منذ أشهر، وفق للتقاليد المتبعة، مع فريق المرشح الخصم للتحضير لاحتمال انتقال الحكم.
الاختبار الأخير في حياة بايدن السياسية
في الاستحقاق الانتخابي الثلاثاء، يواجه بايدن الحكم الأخير والأهم في حياته السياسية الطويلة. وخسارته ستشكّل ضربةً قاضيةً لمسيرة وطنية باشرها في سن الـ29، وشهدت في بدايتها انتقالاً مفاجئاً من الانتصار إلى الألم.
ففي نوفمبر (تشرين الثاني) 1972، احتفل السناتور الشاب المنتخب عن ولاية ديلاوير محاطاً بأسرته الرائعة بفوزه في الانتخابات. وبعد شهر توفيت زوجته وابنته في حادث سير وأصيب نجلاه بجروح. نمّت هذه المأساة التي تبعها فقدان ابنه الأكبر بمرض السرطان عام 2015، مشاعر التعاطف التي يكنّها الناخبون له، وجعل بايدن من التعاطف أحد سمات مسيرته السياسية البارزة.
ومع أن البعض اعتبره متقدماً جداً في السن ووسطياً كثيراً، تمكّن بايدن من الفوز بغالبية كبرى في كارولاينا الجنوبية بفضل أصوات الأميركيين السود، حجر الزاوية لكل ديمقراطي مرشّح إلى البيت الأبيض. متسلحاً بهذا الانتصار، حشد بسرعة تأييد معتدلين آخرين ثم هزم منافسه الرئيسي بيرني ساندرز. وخلافاً للمعركة المريرة والطويلة في عام 2016 بين هذا الاشتراكي وهيلاري كلينتون، تمكّن بايدن سريعاً من جمع التيار اليساري في الحزب مركزاً على هدف واحد يتمثل بإلحاق الهزيمة بترمب. وكانت المحاولة الثالثة هي الصائبة له، بعد فشل محاولتين للترشّح للانتخابات التمهيدية للديمقراطيين في عامي 1988 و2008.
شغل منصب عضو مجلس شيوخ على مدى أكثر من 35 عاماً (1973-2009)، ثم نائب الرئيس من 2009 إلى 2017، وتخلّلت حياته السياسية الطويلة فصول مثيرة للجدل، فضلاً عن نجاحات يبرزها اليوم.
يحظى المرشّح الديمقراطي بشعبية كبرى في صفوف الأميركيين السود، وغالباً ما يروي كيف أسّست تجربته كمنقذ بحري في حي تقطنه غالبية من السود، لعمله السياسي.
لكن، ثمة فصول أخرى تلقي بثقلها على حملته الرئاسية، مثل تصويته لصالح الحرب في العراق عام 2003 أو جلسة الاستماع العاصفة في مجلس الشيوخ عام 1991، برئاسته، إلى أنيتا هيل التي كانت تتّهم المرشح للمحكمة العليا كلارنس توماس بالتحرش الجنسي.
يُضاف إلى ذلك تأييده القوي لـ"قانون الجريمة" عام 1994، الذي اعتبر مسؤولاً عن ارتفاع كبير لعدد السجناء وبينهم نسبة كبيرة من الأميركيين السود. ويعترف بايدن اليوم بأنه كان "خطأً"، مشدداً على شق آخر من هذا الإصلاح الواسع النطاق يتعلّق بقانون مكافحة العنف بحق النساء، والذي يشكّل "أكبر مصدر فخر" بالنسبة له.
ويؤكّد بايدن باستمرار على أصوله المتواضعة. فقد ولد جوزف روبينيت بايدن الابن في 20 نوفمبر 1942 في مدينة سكرانتون في بنسلفانيا، وكان والده بائع سيارات. وفي الخمسينيات، انتقل والده للعمل في ولاية ديلاوير المجاورة، حيث اتخذ بايدن من ويلمنغتون معقلاً له.
ندّدت نساء عدة بسلوكيات بايدن التي تستند إلى اللمس واعتبرن أنها غير مناسبة. ووعد بالانتباه من الآن وصاعداً "للمساحة الشخصية" للآخرين، واعتذر في أبريل 2019. واتهمته امرأة تدعى تارا ريد بالاعتداء عليها عليها في التسعينيات، الأمر الذي نفاه المرشح الديمقراطي بشكل قاطع. ولم تعلّق زوجته جيل بايدن على هذا الاتهام. هي معلمة تشكّل إحدى الأوراق الرابحة في حملته، تزوّجا عام 1977 ولهما ابنة تدعى آشلي.
وبايدن كاثوليكي فخور بأصوله الأيرلندية ويذهب كل يوم أحد تقريباً إلى كنيسة القديس يوسف الصغيرة في برانديواين في الحي الراقي الذي يسكنه في ويلمنغتون. ففي مقبرة هذه الكنيسة، يرقد والداه وزوجته الأولى نيليا وابنتهما ناومي وكذلك ابنه بو، تحت شاهد قبر مزين بأعلام أميركية.
ترمب في الرئاسة
كتب ترمب من خلال الاستفزازات والإهانات والتغريدات الساخرة، فصلاً استثنائياً بالكامل من تاريخ الولايات المتحدة، هو الذي يقول عن نفسه "يعتقد البعض أنني عبقري حقيقي".
انتُخب ترمب مستنداً إلى مشاعر الغضب لدى الأميركيين وانقسامات البلاد التي أجّجها طوال فترة ولايته. على مدى أربعة أعوام، شهد الأميركيون بحماسة وذهول أو خوف أحياناً، عرضاً غير مسبوق لرئيس وصل إلى السلطة بطريقة مدوية ولم يضع لنفسه أي رادع.
ويخوض الانتخابات الرئاسية لتولي ولاية ثانية، كما لو أنها استفتاء فعلي على شخصه وعلى أسلوب رئاسته غير المسبوق تماماً. حتى في ذروة انتشار وباء كوفيد-19، رفض بعناد انتهاج سلوك رئاسي. فقد سخر من وضع الكمامات كما هاجم الطبيب أنطوني فاوتشي، مدير المعهد الأميركي للأمراض المعدية وعضو خلية مكافحة فيروس كورونا.
النزعة الاستبدادية أو الانهيار الاقتصادي اللذان توقّعهما البعض في 8 نوفمبر 2016، يوم انتخابه المفاجئ، لم يحصلا. فقد أثبتت المؤسسات صلابتها، فيما بدا عدد من المؤشرات وفي مقدّمها أرقام التوظيف، في وضع جيّد قبل أن تظهر الآثار المدمّرة لانتشار فيروس كورونا.
وشهدت رئاسة ترمب تناقضات وسوابق. فقد هاجم قضاة وموظفين رسميين وأعضاء منتخبين وأجّج التوترات العرقية في البلاد، كما أبدى إعجابه بقادة سلطويين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، وأوقف بشكل مفاجئ جهود مكافحة التغيّر المناخي. وواجه الرئيس الـ45 للولايات المتحدة أيضاً إجراءات إقالة في الكونغرس، ستبقى وصمة على رئاسته.
ونجح الملياردير الأميركي الذي يقوم بأداء رائع على منصات الحملات الانتخابية، في تنصيب نفسه ناطقاً باسم أميركا "المنسيين" او "الجديرين بالشفقة"، بحسب تعبير منافسته الديمقراطية عام 2016 هيلاري كلينتون.
ركّز ترمب على مخاوف أميركيين، غالبيتهم من البيض والمتقدمين في السن، كانوا يشعرون بأنهم "محتقرون" من قبل "النخب" على ساحل الولايات المتحدة الشرقي ونجوم هوليوود على الساحل الغربي. واعتمد الرجل المحب للـ"هامبرغر والدايت كوك"، والذي عرفه الأميركيون أساساً من خلال برنامج تلفزيون الواقع "ذي أبرينتس"، قاعدةً بسيطةً طبّقها على الدوام، وهي أن يشغل الساحة بأي ثمن.
عند إعلان ترشّحه في عام 2015، لوّح ترمب بشبح المهاجرين غير الشرعيين، واصفاً إياهم "بالمغتصبين"، ونصّب نفسه في حملة 2020 الضامن الوحيد "للقانون والأمن" في مواجهة تهديد "اليسار الراديكالي". وهاجم بعنف وسائل الإعلام التي يصفها بأنها "كاذبة" و"فاسدة" و"عدوة الشعب".
وفيما يبقى ترمب الرئيس الوحيد في التاريخ الذي لم تصل شعبيته إلى نسبة 50 في المئة خلال توليه مهامه، يتفق مؤيدوه ومعارضوه على نقطة واحدة، وهي أنه وفى بجزء وعوده الانتخابية.
فكما أعلن سابقاً، انسحب من معاهدات أو اتفاقات تم التفاوض بشأنها مطولاً، في مقدّمتها اتفاق باريس حول المناخ والاتفاق النووي مع إيران. أمّا خطته الكبرى للسلام في الشرق الأوسط، التي أوكلها إلى صهره ومستشاره جاريد كوشنر، فلم تؤدِ إلى نتائج بعد، لكنه تمكّن من تحريك الخطوط في المنطقة عبر رعايته اتفاقات سلام بين إسرائيل وثلاث دول عربية، هي الإمارات والبحرين والسودان. ويبقى مقتل زعيم تنظيم "داعش"، أبو بكر البغدادي، في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، خلال عملية أميركية في سوريا، المحطة الأقوى في رئاسته.
لكن تحرّكه الأكثر جرأة والذي فاجأ فيه العالم وخوّله أن يحلم بنيل جائزة نوبل للسلام، لم يأتِ بالنتائج المرجوة. فقد انتهت القمتان مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون وزيارة ترمب التاريخية إلى المنطقة المنزوعة السلاح بين الكوريتين و"الرسائل الرائعة" بينهما، من دون تحقيق أي نتيجة ملموسة. فالنظام الكوري الشمالي لم يقدّم أي تنازل بشأن مسألة نزع الأسلحة النووية.
ولد ترمب في كوينز في نيويورك وتلقّى تعليمه في مدرسة عسكرية وانضمّ إلى شركة العائلة بعد دراسة الأعمال. وهو ليس "رجلاً عصامياً"، خلافاً للصورة التي يريد عكسها عن نفسه. فبعد الحرب العالمية الثانية، كان والده فريد ترمب، المتحدر من مهاجر ألماني، قد بنى امبراطورية في مدينة نيويورك من خلال تشييد مباني للطبقة الوسطى في الأحياء الشعبية.
لم يتوقف ترمب، وهو أب لخمسة أبناء ولدوا لثلاث زوجات مختلفات، وله عشرة أحفاد، عن الإشادة علناً بزوجته ميلانيا، عارضة الأزياء السابقة التي أصبحت "السيدة الأولى الرائعة". لكن الكشف عن علاقاته المفترضة خارج إطار الزواج واتهامه باعتداءات جنسية، لا تتناسب تماماً مع مدحه المتكرّر للقيم العائلية في كل لقاء مع المسيحيين الإنجيليين.
خيارات ترمب إذا غادر البيت الأبيض
وإذا ما اضطرّ ترمب لمغادرة البيت الأبيض، قد يقع في إغراء العودة إلى عالم التلفزيون الذي كان أحد أعلامه في الولايات المتحدة. وقد يواجه تحقيقين في نيويورك من الممكن أن يؤديا إلى ملاحقته قانونياً.
تحقيق أوّل جنائي أطلقه مدعي عام مانهاتن سايرس فانس، حول مزاعم بشأن تزوير ضريبي وعمليات احتيال على شركات التأمين وتلاعب بالسجلات المحاسبية، والثاني تحقيق مدني أطلقته المدعية العامة في ولاية نيويورك ليتيسيا جيمس، يتناول شبهات بشأن كذب مؤسّسة ترمب في ما يتعلّق بحجم أصولها للحصول على قروض وامتيازات ضريبية.
وتحدّث الرئيس الأميركي في الأشهر الماضية عن "مسارات" عدة قد يسلكها. ففي يونيو (حزيران)، تطرّق مازحاً إلى إمكان قيامه برحلات برية مع زوجته ميلانيا. وقال، "ربما سأذهب إلى نيويورك للمرة الأولى بالبر مع السيدة الأولى. أظن أني سأشتري سيارة تخييم وأسافر مع السيدة الأولى".
وخلال زيارة إلى "ذي فيلدجز"، أكبر مجتمع للمتقاعدين في فلوريدا، تحدّث ترمب عن فرضية تعكس ميلاً أكبر للهدوء. وقال، "سأنتقل للعيش في ذي فيلدجز. الفكرة ليست سيئة لا بل أنها تروق لي كثيراً".
وتبقى فرضية راديكالية أكثر، تتمثل في احتمال الهجرة. فقد قال الرئيس قبل أسابيع، "لن أكون في وضع جيد" في حال الخسارة أمام بايدن "النائم"، مضيفاً "قد أضطر لمغادرة البلاد".
لا شيء يمنع نظرياً ترمب من الترشّح مجدداً للرئاسة الأميركية في الانتخابات المقبلة سنة 2024، في حال أخفق في استحقاق هذا العام.