Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رئيس بيلاروس يسترجع "لغة التهديد" مع انحسار تحركات المعارضة

لوكاشينكو يطالب بـ"قطع كل يد" تعتدي على قوات الأمن ويؤكد تعاهده مع بوتين على الصداقة

رئيس بيلاروس ألكسندر لوكاشينكو (أ ف ب)

لم يأخذ كثيرون على محمل الجد ذلك الإنذار الذي وجهته سفيتلانا تيخانوفسكايا، المرشحة السابقة للرئاسة في بيلاروس، إلى غريمها الرئيس ألكسندر لوكاشينكو، تطالبه فيه بالتنحي من منصبه، والاعتراف لها بأحقية فوزها في الانتخابات الماضية. كما أن أحداً لم يكن يتوقع أن تفلح دعوتها إلى الإضراب العام وشل حركة الاقتصاد والمواصلات، عن نتيجة تذكر. وذلك ما يبدو أنه يظل تفسيراً لعدم الاستجابة "الجماهيرية" لدعوة تيخانوفسكايا، على الرغم من الحشد واسع النطاق والحملات الغربية كاملة العدد والتلويح بالدعم المالي للمشاركين في التظاهرات والإضرابات، والفشل النسبي لما كانت المعارضة السياسية تصبو إليه في بيلاروس اعتباراً من 26 أكتوبر (تشرين الأول) 2020.

اهتمام دولي بملفات أكثر سخونة

لكن ذلك لا يعني أن الأمور دانت للرئيس الحالي لوكاشينكو، وأن المعارضة رفعت الراية البيضاء، نظراً إلى وجود الاحتقان السياسي والاحتجاج الاجتماعي الذي لا يزال قائماً ويدعو إلى ضرورة الاستجابة لمطالب العديد من طوائف المجتمع البيلاروسي، ولما سبق ووعد به لوكاشينكو من إصلاحات. وإذا كان المجتمع الدولي قد انصرف قليلاً عن المتابعة اليومية لما يجري في بيلاروس، بعد أن تحولت النخبة السياسية في الدوائر الأميركية والغربية، إلى الاهتمام أكثر بما هو أشد سخونة في الساحة العالمية، ومنها الانتخابات الأميركية من جانب، وما يجري في فرنسا من أحداث تهدد باحتمالات فتنة ومواجهات دموية ثمة من يريد أن يعزوها إلى أسباب دينية من جانب آخر، فضلاً عما يجري على صعيد النزاع المسلح بين أذربيجان وأرمينيا حول قره باغ جنوب روسيا.

وبعيداً عن أي توقعات أو تصورات بشأن احتمالات تخلي لوكاشينكو عن السلطة، تقول المصادر الرسمية في بيلاروس، إن الدعوة إلى الإضراب العام لم تلقَ الصدى المنتظر، وإن اعترفت بإضراب محدود استجاب إليه البعض في مصانع متفرقة، إلى جانب "نجاح" نسبي في عدد من المدارس والمؤسسات التعليمية. وعلى الرغم من ذلك، تبدو القيادات السياسية والأمنية في بيلاروس أشد تحفزاً لمواجهة الموقف على نحو أكثر تشدداً من ذي قبل. فقد خرج لوكاشينكو إلى شعبه ومرؤوسيه بخطاب يعيد إلى الأذهان ما سبق من مفردات ثمة من تصور أنها اندثرت إلى غير رجعة، على ضوء ما واجهه من مشاكل واحتجاجات في أعقاب الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية، كادت تطيح ما بقي من وقار كرسي الرئاسة.

وفي حين أعلن لوكاشينكو عن وجود معلومات تقول إن هذه التحركات تجري بتعليمات وتمويل مادي من الخارج، ولا سيما من بولندا وليتوانيا، مدعوماً بما كشف عنه سيرغي شويغو وزير الدفاع الروسي من تمويل خارجي لمحاولات الإطاحة بالسلطة في بيلاروس، استهل إجراءاته بعدد من التغييرات التي منها ما طال منصب وزير الداخلية يوري كاراييف، الذي جرى نقله إلى منطقة غرودنو على الحدود المتاخمة لكل من بولندا وليتوانيا لتعزيز الأمن في هذه المنطقة. ووجه لوكاشينكو بإجراءات استثنائية في مواجهة المضربين من العمال، والطلبة الذين قام بفصلهم وتجنيد من ينطبق عليه نظام التجنيد الإجباري بالقوات المسلحة. وكشفت مصادر رسمية بيلاروسية عن أن هناك من الطلبة من يلتحف برداء التعليم تهرباً من التجنيد، في وقت ينتظر فيه الفرصة للسفر إلى الخارج، إلى جانب وقوع عدد كبير منهم تحت تأثير منظمات المجتمع المدني والأجهزة الدعائية الغربية، التي طالما وقفت وراء تدبير فكرة الثورات الملونة وتنفيذها في بلدان الفضاء السوفياتي السابق، على أن ذلك لا يعني انضمام عدد آخر من ممثلي مختلف الطوائف المهنية ومنهم أطباء ومعلمون وموظفون إلى التظاهرات والإضرابات، وإن كان الأمر لم يرقَ بعد إلى مستوى الظاهرة، التي ينطبق عليها "التعميم". ويعزو مراقبون من بيلاروس استمرار التظاهرات ومشاركة عدد لا بأس به في هذه التحركات، تقدر نسبته بما لا تتجاوز عشرة إلى 15 في المئة من إجمالي عدد المشاركين، إلى ما يعتمل في صدورهم من غضب وسخط تجاه أوضاعهم المعيشية وتدني المرتبات، وليس استجابة لنداءات المعارضة حول "الإضراب العام".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتقول المصادر الرسمية في بيلاروس إن السلطة السياسية تتفهم ذلك، لكنها تربأ بهم الانضمام إلى "المتطرفين" ممن يبلغ بهم الأمر حد الصدام مع ممثلي أجهزة الأمن، بل والتجاوز حتى حد اقتحام مساكنهم والاعتداء على أفراد عائلاتهم. وكانت الوكالات الإعلامية المحلية والأجنبية، توقفت بالكثير من الدهشة والإدانة عند ما قاله الرئيس لوكاشينكو في لقائه مع ممثلين من أجهزة القوة، حول أنه يأمرهم "بقطع يد كل من يتطاول على أي من ممثلي الجيش والشرطة".

"الغزل غير المباشر"

وفي محاولة لاحتواء التأثيرات وردود الفعل السلبية تجاه هذه التصريحات، قالت المصادر إن ذلك أمر معمول به في كل بلدان العالم بما فيها الولايات المتحدة والبلدان الغربية، بنص القانون الذي يسمح لرجال الأمن حتى بإطلاق النار ضد كل من يعتدي عليهم أو يرفض الالتزام بتعليماتهم إنفاذاً للقانون، غير أن الأهم والأكثر خطورة في هذا الصدد، يتلخص في ما عاد إليه لوكاشينكو من لغة التهديد والوعيد، من دون أي إشارة إلى ما سبق وقاله في إطار محاولاته تهدئة الرأي العام حول تنفيذ برنامج الإصلاحات السياسية، والإعلان عن تغيير الدستور والانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة، فضلاً عن استمرار ملاحقة كل المعارضين، وسجن الكثيرين منهم بأعداد تثير قلق المراقبين في الداخل والخارج.

وعلى الرغم من "الغزل غير المباشر" مع روسيا وقيادتها السياسية، وتأكيد تمسكه بالاتحاد معها والتعاون مع رئيسها فلاديمير بوتين، عاد لوكاشينكو إلى الحديث عن صحة توجهاته السياسية حول ضرورة التعاون مع كل البلدان والدوائر، شرقية كانت أم غربية، بما فيها الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. وتساءل عن مدى الغرابة في ذلك، مشيراً إلى أن موسكو تتعاون مع الولايات المتحدة ومع الاتحاد الأوروبي والناتو، لكنه تناسى في هذا الصدد أن تعاون دولة كبرى مثل روسيا مع مثل هذه البلدان والمؤسسات العملاقة يقوم في جوهره على أسس مغايرة لتلك التي يمكن أن تكون عليها، في حال تباين أحجام وأوزان الأطراف المشاركة في مثل هذا التعاون. وللتخفيف من وطأة مثل هذه التصريحات والتوجهات، حرص لوكاشينكو على إعلان أنه اتفق بشكل واضح وصريح مع نظيره الروسي على "أن يدعم كل منهما الآخر، ويظل كل منهما بالنسبة للآخر دعماً وضماناً، وصديقاً وفياً صدوقاً"، على حد قوله.

وعلى الرغم من ذلك، لا أحد يقول باحتمالات تراجع روسيا عن تأييدها لبيلاروس وقيادتها السياسية، انطلاقاً من رؤية استراتيجية تهدف ضمناً إلى حماية المصالح القومية للدولة الروسية، لكن هذه الرؤية، وبحسب الكثير من الشواهد، لا تستبعد احتمالات التضحية بلوكاشينكو فور العثور على البدائل المناسبة، وفي إطار الاحتفاظ له بماء الوجه، تحسباً لمستقبل قد تضطر فيه روسيا إلى مواقف مماثلة بالنسبة لآخرين ضمن دائرة الفضاء السوفياتي السابق. كما أنه من الممكن، ومن هذا المنظور أيضاً، تناول الحملات الإعلامية كاملة العدد في روسيا التي تتواصل تأييداً للوكاشينكو في مواجهة "الدسائس الغربية"، وما تواصله المعارضة في بيلاروس من نشاط يميل في معظمه إلى الارتباك وافتقاد البرنامج السياسي الواضح، ناهيك عن غياب القيادات السياسية ذات التأثير الفعال الموجودة على أرض الواقع داخل حدود الوطن. وفي هذا الشأن، يتواصل الحديث في إطار البرامج الحوارية المعروفة بعلاقاتها الوثيقة بالكرملين، التي تسخر من سفيتلانا تيخانوفسكايا التي يسمونها بـ"ربَّة البيت" التي لا تجيد شيئاً أكثر من "فن الطهي". وينقلون عنها ما اعترفت به حول أنها خاضت الانتخابات الرئاسية مضطرة كبديل لزوجها سيرغي تيخانوفسكي الناشط السياسي الذي اعتقله النظام ولا يزال حبيس سجونه.

شعار "ارحل"

ويتهم مراقبون في موسكو تيخانوفسكايا بأنها تفتقد البرنامج السياسي، وليس لديها ما تدعو إليه أكثر من شعار "إرحل"، الذي تلقفته الجماهير لتنادي به في شوارع بيلاروس. غير أن هؤلاء المراقبين لم يغفلوا أيضاً وجود التوجه الذي أعلن "مجلس تنسيق المعارضة" عن تبنيه في الأيام الأولى التي أعقبت الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية في أغسطس (آب) الماضي، بإيعاز من الدوائر الغربية، حول فك الارتباط مع روسيا والمنظمات والتنظيمات الأورو آسيوية التي تجمع عدداً من بلدان الفضاء السوفياتي السابق. وعلى الرغم من أن تيخانوفسكايا عادت لتعلن عن خطأ هذا التوجه، وسحب كل ما تردد بهذا الصدد، فإن الأوساط السياسية المحلية والخارجية تظل على يقين من أن التراجع عن هذه التوجهات ليس سوى خطوة تكتيكية مراعاة للظروف السياسية الراهنة.

ومن هنا، تأتي الدعوة التي توجه بها الرئيس بوتين إلى القوى السياسية من أجل تدارس الطرق والأساليب الرامية إلى الاتفاق حول الإصلاحات السياسية، بعيداً من الاتهامات الجزافية إلى الرئيس لوكاشينكو بمحاولات الخداع والتمويه، مشيراً إلى أن ما يطرحه من اقتراحات حول تغيير عدد من بنود الدستور الحالي أو إقرار دستور جديد، خطوة جادة على طريق الاستجابة لطلبات معارضيه. أما عن إجراء انتخابات رئاسية جديدة في بيلاروس، فقد قال بوتين إن هذا الأمر يقرره شعب بيلاروس، وإنه لا يستطيع التدخل فيه.

المزيد من تحلیل