في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول)، فرضت إدارة ترمب الجولة الأخيرة من العقوبات على إيران، التي تشمل عقوبات مصرفية، وتعدّ موجهة بشكل أكبر نحو خلق ظروف صعبة لاستئناف الاتفاق النووي الإيراني، إذ استهدفت حوالى 16 مصرفاً إيرانياً في القطاع المالي الذي يتعرض للعقوبات منذ سنوات والتي أعاد دونالد ترمب فرضها، بالتالي قد يكون التأثير محدوداً في ما يتعلق بأن الاقتصاد الإيراني متضرّر بالفعل. لكن يبدو أن الأمر مرتبط بتعقيد الأمور أكثر بين طهران وواشنطن لمنع استمرار الاتفاق النووي حال تم انتخاب المرشح الرئاسي جو بايدن.
وتأتي العقوبات الجديدة في إطار تحطيم إيران الأرقام القياسية بشأن فيروس كورونا في الشرق الأوسط، حيث أبلغت عن أكبر عدد من الوفيات في 24 ساعة منذ بدء تفشي المرض في مارس (آذار) الماضي وأكبر عدد من الإصابات الجديدة. وبهذا، تدخل إيران في عمق موجة المرض الثالثة، في توقيت أضحت فيه منهكة اقتصادياً وتعاني من تضاؤل الثقة بالحكومة وإضعاف العقوبات للاقتصاد، التي تجمّد أي أصول أميركية لأولئك المدرجين على القائمة السوداء، وتمنع الأميركيين من التعامل معهم، مع تمديد الثانوية منها إلى أولئك الذين يتعاملون معهم، بما يعني أن البنوك الأجنبية تخاطر بعدم الوصول إلى السوق والنظام المالي الأميركيين.
إن خطوة الولايات المتحدة دفعت وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى اتهامها باستهداف قدرة طهران على دفع التكاليف للضروريات الأساسية للتعامل مع فيروس كورونا. وتعدّ الخطوة ضربة إلى الأوروبيين الذين اعتبروا أن العقوبات الأميركية غير موجهة للتضييق على الحاجات والسلع الأساسية والغذائية.
والعقوبات كأداة، ليست منذ عهد ترمب فقط، بل إن تاريخها بين طهران وواشنطن ممتدّ منذ تأسيس النظام بعد قيام الثورة الإيرانية واحتجاز الرهائن الأميركيين في طهران. فعلى الرغم من سعي إدارة الرئيس جيمي كارتر لإشراك النظام الإيراني الجديد الذي كان يضمّ في البداية عدداً من المعتدلين في المناصب العليا، إلا أن هذا التوجه انتهى في الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) 1979، بعد الاستيلاء على السفارة الأميركية في طهران من قبل الراديكاليين المؤيدين للخميني وتحوّل الجمهورية الإسلامية نحو العداء صراحة في ما عرف بـ"أزمة الرهائن"، التي وصلت إلى خواتيمها عام 1981 مع إطلاق سراحهم.
وفي ظل إدارة ريغن، صنّفت إيران بأنها "دولة راعية للإرهاب"، وقد أدى ذلك إلى بذل جهود دبلوماسية لمنع بيعها الأسلحة على نحو أثّر سلباً فيها أثناء حربها مع العراق من عام 1980 إلى 1988. وفي عهد جورج بوش الأب، وضعت الإدارة الأساس للتقارب مع إيران في خطاب تنصيبه في يناير (كانون الثاني) 1989، وساعدت طهران في إطلاق سراح جميع الرهائن الأميركيين المتبقين في لبنان.
ومع ذلك، لم يحدث أي تطبيع للعلاقات بين الطرفين، وتبنّت إدارة كلينتون استراتيجية الاحتواء المزدوج لضبط تصرفات كل من إيران والعراق، بهدف الإبقاء عليهما ضعيفين بدلاً من استمالة أحدهما دون الآخر.
ومنذ ذلك الحين، تفاقمت العقوبات على إيران ما بين الحظر التجاري عام 1995 وعام 1996، وقانون "داماتو" على كل من طهران وليبيا لمنع الاستثمارات في قطاع الطاقة، كما لا يسمح القانون لشركات النفط الدولية ذات المصالح مع الولايات المتحدة الاستثمار في طهران، وذلك ردّاً على تنامي المخاوف بشأن أسلحة الدمار الشامل الإيرانية، كذلك شككت الإدارة في جدوى سياسة الاتحاد الأوروبي للحوار مع النظام، ثم فُرضت عقوبات الأمم المتحدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع إعلان الإدارة الأميركية خلال فترة تولّي جورج بوش الابن الحرب على الإرهاب، جرى التعامل مع إيران باعتبارها الدولة الرئيسة الداعمة للإرهاب. وبعد الغزو الأميركي لأفغانستان والعراق، كانت طهران في مركز اهتمام التحديات الأمنية الأميركية، لا سيما أنها كانت تسعى بنشاط إلى تأكيد تأثيرها في الدول المجاورة، فعمدت الولايات المتحدة إلى تشديد خطابها حيالها، وصنّفتها ضمن "محور الشر". وعام 2006، مع وصول محمود أحمدي نجاد إلى الرئاسة، ووسط المخاوف الأمنية الأميركية حيال تسلّمه زمام الأمور، وضعت وزارة الخارجية، قائمة بالمنظمات التي تدعمها إيران باعتبارها جماعات إرهابية، ومع فشل جولات المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي وطهران في تلك الفترة والمرتبطة بالملف النووي، كان يتم فرض مزيد من العقوبات على النظام.
ومن الجدير بالذكر أنه خلال الفترة من 2003 إلى 2013، تعامل المجتمع الدولي مع إيران بفرض تدابير أكثر حدّة تدريجاً، وأصبحت العقوبات الدولية جزءًا لا يتجزأ من مؤسسية المجتمع الدولي في التعامل مع طهران، حتى في ظل إدارة باراك أوباما، ومن بعده دونالد ترمب، حدث ارتداد على المسار التقاربي مع إيران، إذ انتهج الأخير سياسات تصعيدية، بإلغاء الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية، بغية لجم أنشطتها الإقليمية.
وفي ظل الإدارات السابقة، اقترنت العقوبات على البنوك الإيرانية بأنها ساعدت في تسهيل الإرهاب أو تطوير أسلحة نووية، وعلى الرغم من عدم وضوح النشاط الذي ترتبط به هذا الأخيرة، غير أنه يزيد تعقيدات الوضع الإيراني. لذا، فأهمّ التحديات التي ستواجه طهران مستقبلياً في حال أصبح بايدن رئيساً للولايات المتحدة هو أن تتخيّل صمت الكونغرس أمام أي محاولات تعهّد لإدارته برفع العقوبات المتعلقة بالإرهاب، التي فرضت في عهد ترمب.
فلم تكن غالبية البنوك التي طاولتها العقوبات في إجراء الثامن من أكتوبر مرتبطة بشكل مباشر بالإرهاب أو بتهديدات أسلحة الدمار، لكن تعقيد العلاقات بمزيد من القيود، سيجعل الحوار الأميركي الإيراني أكثر صعوبة بالنسبة إلى بايدن الذي يريد استقرار الوضع مع طهران. ومن هنا، ربما كان على إيران إحداث تغيير في بعض من سياساتها الآن للتفاوض مع ترمب بدلاً من انتظار مجيء بايدن.