Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نهاية الولاية الخاصة لحقوق الإنسان هل تعيد السودان إلى الأسرة الدولية؟

القرار يعكس دعم الأسرة دعماً لجهود الحكومة الانتقالية لتحقيق السلام والاستقرار

مبنى وزارة الخارجية في السودان (اندبندنت عربية - حسن حامد)

في تطور لافت، أنهى مجلس حقوق الإنسان في جنيف، منتصف الأسبوع الماضي فى دورته الـ 45، وبالإجماع، ولاية الخبير المستقل المعني بحالة حقوق الإنسان فى السودان بعد ولاية استمرت منذ عام 1993، ولمدة 27 سنة من التفويض الأُممي، لمقررين خاصين وخبراء مستقلين، ظلوا يقدمون إلى المجلس تقارير دورية مع النصح والمشورة، ضمن نظام الإجراءات الخاصة، التي كانت تعتبر السودان ضمن البلدان الأكثر انتهاكاً لحقوق الإنسان.

ونقلت وزارة الخارجية السودانية في تصريح مكتوب عن مندوب السودان الدائم في الأمم المتحدة علي بن أبي طالب عبد الرحمن الجندي، أن القرار يعكس ترحيب المجتمع الدولي بالتطورات الإيجابية التي حدثت في السودان، في ما يتعلق باحترام حقوق الإنسان وتعزيزها، مجددة التزام الحكومة التعاون مع آليات حقوق الإنسان كافة بما فيها مكتب المفوضية السامية.

واعتبر كثير من القانونيين وأساتذة القانون الدولي والمختصين والناشطين، ممن تحدثوا لـ"اندبندنت عربية"، أن إنهاء ولاية الخبير المستقل يمثل تشجيعاً وحافزاً للحكومة الانتقالية فى السودان، بدعم خطواتها وتعزيزها في اتجاه احترام حقوق الإنسان وترسيخها، معتبرين أن القرار يرفع عن كاهل السودان عبئاً قانونياً ثقيلاً، ويهيئ لعودته مجدداً إلى حضن الأسرة الدولية، بعد أن ظل طوال أكثر من ربع قرن من الزمان، رهيناً للإجراءات الأممية الخاصة، من دون الإقرار بأنه حقق تحسناً حقيقياً في أوضاع حقوق الإنسان.

مؤشر العودة إلى الحضن الدولي

في السياق، تحدث عدد من القانونيين والخبراء لـ"اندبندنت عربية" عن التطور الجديد، فرأى أستاذ القانون الدولي في الجامعات السودانية ياسر عبد الله، أن إنهاء ولاية المقرر الخاص يمثل مؤشراً قوياً على بداية عودة السودان إلى الأسرة الدولية، وتحسن أوضاع حقوق الإنسان في السودان واستمرار تقدمها نحو الأفضل، كما يشكل إقراراً بوجود إرادة محلية موثوق بها لتحقيق مزيد من التقدم في هذا الشأن، خصوصاً بعد التعديلات التي طالت القانون الجنائي والقوانين المقيدة للحريات أخيراً، وتوقيع اتفاق جوبا للسلام.

وعن مغزى استبدال مهمة المقرر الخاص في المكتب الدائم للمفوض السامي لحقوق الإنسان، يقول "لا غضاضة في وجود المكتب الدائم، فالأمم المتحدة طورت في الفترة الأخيرة آلياتها، بحيث أصبح دور المقرر مدرجاً تحت ما بات يُعرف آلية الاستعراض الدولي الشاملة، التي تُعبِر عنها البعثة السياسية الأُممية لدعم السلام، بناء على طلب السودان، ما يعني أن وجود المكتب لا يعني بالضرورة سوء حالة حقوق الإنسان أو استمرار الوضعية الرقابية، لكن من أجل تقديم الدعم الفني اللازم، ورفع القدرات الوطنية في هذا المجال".

ويضيف عبدالله "لا أقول إن الحاجة إلى متابعة حقوق الإنسان انتفت نهائياً، أو إنها أصبحت متسقة تماماً مع المواثيق الدولية، لكنها تدرجت وفقاً للآليات الأممية التعاقدية وغير التعاقدية لحقوق الإنسان، من مرحلة الرقابة الصارمة إلى مرحلة الدعم الفني وتعزيز القدرات، وتؤكد أن المجتمع الدولي لم تعد تساوره المخاوف والشكوك كما كان في السابق، فضلاً عن كون القرار يتيح فرصة طيبة ومحفزاً لتشجيع الحكومة الانتقالية للمضي قدماً في مسيرة الانفتاح".

خطوة مشجعة بتحدياتها

 على الصعيد ذاته، أوضح المستشار القانوني في وزارة العدل معاوية أبوقرون، أن إنهاء ولاية الخبير المستقل لحقوق الإنسان سيشكل علامة فارقة ومضيئة في تاريخ هذا الملف في السودان، بعد فترة طويلة من خضوعه لشكل من الرقابة، وظل المقررون الخاصون يوافون مجلس حقوق الإنسان بتقارير طوال تلك الفترة عن الأوضاع في السودان، كانت كلها توصي بالإبقاء على هذا البلاد تحت الرقابة.

واعتبر أبوقرون أن تلك الخطوة تمثل تعزيزاً وتشجيعاً لحكومة الفترة الانتقالية لعدم الرجوع إلى مربع الانتهاكات مرة أخرى، لكنها في الوقت نفسه تضع السودان أمام تحدي رفع قدرات الكوادر والمؤسسات المعنية، ببعث متطلبات بسط حقوق الإنسان، خصوصاً بعد نزع فتيل النزاعات والحروب وتوقيع السلام، ما كان يشكل المعضلة الأساس لمعظم التجاوزات في ملف حقوق الإنسان، مشيراً إلى أن التطورات والتغييرات السياسية التي أطاحت بحكم البشير، قد مهدت الطريق نحو إنهاء ولاية الخبير المستقل والإجراءات والترتيبات الخاصة التي كان السودان محتبساً فيها.

وأضاف "من التحديات التي تنتظر الحكومة الانتقالية، ضرورة إحداث ترميمات على جدار حقوق الإنسان، بتنزيل شعارات الثورة في الحرية والسلام والعدالة إلى أرض الواقع، من خلال ابتكار تشريعات جديدة تتسق معه، وتأهيل المؤسسات والآليات والكوادر العاملة في هذا الملف".

تغيير صورة السودان الخارجية

وفي السياق، امتدح الناشط في مجال حقوق الإنسان فيصل الباقر قرار مجلس حقوق الإنسان الذي يسهم إلى حد بعيد في تغيير صورة السودان في الخارج، والذي صدر بعد 27 عاماً من الاتهامات والإدانات، ويؤكد أن المجتمع الدولي اطمأن إلى أن هناك تقدماً ملموساً، ما سيعزز موقف البلاد لدى كثير من الدول والمنظمات التي تأثرت علاقاتها بتلك الإجراءات، الأمر الذي يُنتظر أن يتبعه قدر من الانفراج في علاقات السودان الدولية.

ودعا الباقر حركة "حقوق الإنسان السودانية" وحكومة "ثورة ديسمبر الانتقالية"، الى أخذ العبرة والدروس المُستفادة منها، ودراستها بعمق، وإخضاعها للتحليل والمُدارسة، والعمل على الاستفادة منها في مسعى لضمان عدم تكرار الانتهاكات التي قادت لذلك الوضع الاستثنائي المُعيب، بفتح الطريق لإجراء إصلاحات حقيقية تتسم بالشمول والاستدامة في جميع مجالات حقوق الإنسان فى السودان، المدنية والثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

وأضاف "السودان تحرر من ولاية المقرر الخاص بعد رحلة طويلة وشاقة من الانتهاكات الفظيعة والممنهجة، التي جعلته يرزح تحت بند الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان، وتحت ولاية المقررين الخاصين والخبراء المستقلين منذ عام 1993. ولا بد من العمل لعدم تكرار ذلك مستقبلاً، ما يرتب تحديات كبيرة تنتظر الدولة ومؤسساتها المعنية بحقوق الإنسان، بمزيد من العمل الشاق والدؤوب، ومن المجتمع المدني لحماية تلك الحقوق".

رأي آخر يرى الأسوأ 

في المقابل، بدا أحمد المفتي مؤسس ومدير مركز الخرطوم الدولي لحقوق الإنسان، غير متفائل بالخطوة التي تمت، معتبراً أنها لم تحمل جديداً، وأن إنهاء ولاية المقرر الخاص لحقوق الإنسان، واستبداله بمكتب دائم تم تثبيته بالفعل، يعني الانحدار نحو وضع أسوأ من حيث الرقابة اللصيقة لحقوق الإنسان، باعتباره يمثل المرحلة الرابعة والأخيرة. معلقاً بالقول "إذا كان الخبير يزور الجهة المعنية مرتين في العام، فإن المكتب الدائم يعني استمرار الرقابة واستدامتها".

ودعا المفتي الحكومة إلى ضرورة الاستعداد بالقدر الكافي من حيث الكوادر، والتهيؤ للاستفادة برفع القدرات الفنية لها، لأن الواقع يشي بأزمة في الكوادر القانونية في مجال حقوق الإنسان، لأن العبرة في هذا الأمر ليست في المسميات، لكنها بالدرجة الأولى في مدى الاستعداد للاستفادة من وجودها، ووصف المكتب الدائم بأنه مثل المدية الحادة التي تقتضي التعامل معها بحرص ودقة ومعرفة ودراية تامة، وهو بذلك سلاح ذو حدين قد يشكل خطراً حال عدم الحذر والمعرفة، ربما يكون مفيداً أكثر في تلقي شكاوى الجمهور أكثر منه للحكومة.

ويصنف مدير مكتب الخرطوم لحقوق الإنسان، ولاية حقوق الإنسان الخاصة، بأنها نوعان، أحدهما يتصل بالدعم الفني وما يتصل به من التدريب والتوعية والتثقيف، بينما يتعلق الآخر بالشكاوى، مبيناً أن السودان سبق وتلقى دعماً فنياً في النصف الأول من التسعينيات، استمر لمدة عام، واشتمل على حزمة تدريبية للكوادر في مجال حقوق الإنسان.

وأشار إلى أنه سبق وأعد دراسة لصالح المفوضية الوطنية لحقوق الإنسان، حول ولاية المكتب القطري، بعد توقيع رئيس الوزراء عبدالله حمدوك على الاتفاق الخاص بالمكتب القطري في نيويورك، وأنه لاحظ عدم الاهتمام بالجوانب الفنية التي تعد هامة وحاسمة في التعامل مع المكتب الدائم، الذي يتطلب استعداداً جدياً للتعامل معه.

وحول حيثيات بقاء السودان تحت ولاية المقررالخاص لكل هذه المدة الطويلة، أوضح المفتي "أن السبب يرتبط بالرؤية الكلية للنظام السابق الذي لم تكن له قناعات راسخة بقضية حقوق الإنسان، وتعد الاتهامات بالانتهاكات في هذا المجال ضرباً من التقديرات والاتهامات السياسية لاغير، وأنها تحت ضغوط دولية ومحلية، رضخت في عام 1992، وقبلت بتشكيل ما عُرف باللجنة التنسيقية لحقوق الإنسان، التي تطورت لاحقاً إلى المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، الذي لم يكن مدعوماً بسلوك موات من جانب الحكومة". 

وكان أول خبير مستقل في الولاية الخاصة على السودان هو كاسبر بيرو في (1993 – 1998)، تلاه ليوناردوا فرانكو في (1898 – 2000)، ثم جيرهارد باوم في (2000- 2004)، وإيمانويل أكوى أدو لمدة عام واحد في (2004) ثم سيما سمر في (2005- 2009)، ومحمد شاندي عثمان في (2009-2012)، ومشهود أديبايو بدريين في (2012- 2014)، وأخيراً أريستيد نونوسي من 2014 وحتى أُكتوبر (تشرين الأول) 2020، حين انتهت الولاية الخاصة.

المزيد من تقارير