Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ابتزاز عاطفي في زمن كورونا: سيدة تكشف محاولة "جندي" مزيف الإيقاع بها

تقول الضحية: "بدا الأمر كبارقة أمل بعد طول انتظار. شيء ما أخذ ينعقد. أحدهم أُعجب بي. أحسست بالرضا عن نفسي. اكتشفنا أن هناك أشياء عديدة تجمعنا، وكان ثمّة احتمال للمستقبل والسعادة"

"بدا فعلاً شاباً ظريفاً. قال إنه جندي في الجيش البريطاني ويؤدي خدمته العسكرية في أفغانستان" (جمعية دعم الضحايا)

تعرضت سيدة بريطانية في الـ54 من عمرها، وهي باحثة علمية، لعملية نصب بهدف سرقة مبلغ 20 ألف جنيه إسترليني منها، نفذها رجل أقامت معه علاقة عاصفة قادت إلى ارتباطهما. وتحدثت كيرستي* إلى "الاندبندنت" عن تلك العلاقة قائلة "عندما أتذكرها أشعر كم كنت غبية. بيد أن أولئك الأشخاص هم فعلاً حاذقون في الاستفادة من المعلومات التي تعطيها عن نفسك، وفي نسجها بسياق ما يدور بينكما. إنهم ماهرون في المناورة. قد أصحو كل صباح وفي ذاكرتي شيء مما حصل. ومنذ ذلك الحين أنا لا أكف عن البكاء. قلما يمر يوم من دون بكاء، واستهلاك كميات من المناديل".

"قال إن اسمه كان مارك كمرون،" تقول كيرستي التي التقت المحتال بواسطة منصة تيندر للمواعدة في أبريل (نيسان) الماضي إبان اعتزال كورونا. "بدا فعلاً شاباً ظريفاً. قال إنه جندي في الجيش البريطاني ويؤدي خدمته العسكرية في أفغانستان مشاركاً في عمليات خاصة. وبعد أسبوع وقع هجوم على مستشفى للتوليد في مدينة كابول. في اليوم التالي أعلن الرئيس أنهم سيجعلون الجيش يشن حملة على المهاجمين، وقال لي مارك إن المهمة التي كان يتدرب عليها ستدخل حيز التنفيذ، وإنه سيشارك فيها".

بعدها بيوم تلقت كيرستي، التي تعيش في غرب ساسكس، رسالة من مارك يعلمها فيها أنه عاد من المهمة سالماً. كما زعم في الرسالة أنه اختلف مع قائده لأنه قام خلال المهمة بمخالفة الأوامر كي ينقذ طفلاً أفغانياً، قائلاً إن رصاصة خدشته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 وتابعت كيرستي، أم لثلاثة أبناء، حكايتها قائلة "غمرتني السعادة لخروجه من تلك المهمة سالماً. لم يسبق لي الشعور بالخوف على حياة شخص من قبل. اعتقدت أن هذا هو الحب. ثم تبين أن الطفل كان ربيب شيخ قبيلة، وأن الشيخ منح مارك صندوقاً مليئاً بالمال عربون تقدير لما قام به. وقال مارك إنه من غير الآمن ترك الصندوق هناك، فسألني إن كنت أقبل أن يرسله لي بواسطة البريد".

 كما أخبر مارك كيرستي أنه سيترك الجيش في غضون شهر وسيسافر مباشرة إليها حيث يمكنهما الشروع بحياتهما الجديدة معاً.

 وذكرت كيرستي "طلب مني الزواج بعد يوم واحد من عودته من تلك المهمة. أرسل لي صورة من قرب منشأة عسكرية كبيرة حيث وقف يحمل لافتة كتب عليها "هل تقبلينني زوجاً". وذاك المال، بحسب ما ادعى، سيكون لمستقبلنا. وقال أيضاً إنه سيمنح شيئاً من المال للمساعدة في دعم عائلات الجنود الأفغان الذين قتلوا في المعارك. كما أخطرها بأنه سيرسل المال عبر دبلوماسي في الأمم المتحدة، لكن الأمر يحتاج إلى تكاليف. وأشار إلى أنه لا يمكنه الدخول من حيث هو في أفغانستان إلى حسابه المصرفي عبر الإنترنت، وسألني إن كان بوسعي المساعدة في ذلك. حينها شككت في الموضوع. لكن أمام كل سؤال كنت أطرحه راح يقدم جواباً مقنعاً".

وبادر مارك إلى البرهنة على وجود المال في حوزته من دون أن تطالب كيرستي بذلك. واجتمع الاثنان عبر اتصال "سكايب" سريع، حيث قام مارك بإظهار صندوق فضي كبير مليء برزم مرتبة من أوراق الدولار.

"كان ذلك مشهداً لثوان قليلة،" توضح كيرستي. "رأيت يدين ترتبان النقود الورقية وصندوقاً فضياً. ثمّ انقطع الاتصال. بعدها بعث لي مارك رسالة يخبرني فيها أنه اضطر إلى قطع الاتصال بعد أن شعر بمحاولة شخص ما الاقتحام".

 كما أسر مارك لكيرستي أنه لن يكون بوسع أحد غيرها فتح الصندوق المضمون الذي سيرسله، لكن عليها كي تستلمه أن تسجل لدى خدمات الشحن في الأمم المتحدة اسمها، وعنوانيها البريدي والإلكتروني، ورقم هاتفها، وصورة عن جواز سفرها. حتى أنه أرسل لها صورة عن جواز سفر الدبلوماسي الأممي الذي سيأتي بالصندوق، والتي عادت واكتشفت بأنها صورة مزيفة.

بعد ذلك قال مارك لكيرستي إنه يحتاج مساعدة مالية لتغطية تكاليف بطاقات السفر التي ستكون باهظة الثمن نظراً للقيود المفروضة إثر أزمة فيروس كورونا، وقدّر حجم تلك التكاليف بـ 15 ألف جنيه.

 وذكرت كيرستي أنها "ساءلته في الموضوع، بيد أنه ربط تلك التكاليف المرتفعة بمسائل الفساد وحاجته لتسديد مبالغ مالية لمسؤولين خلال الرحلة".

 وتابعت "بعدها وصل الدبلوماسي إلى الغابون، في أفريقيا الوسطى، واتصل بي ليخبرني أن عليه الانتظار في طوابير تدقيق طويلة جراء الوضع الذي أرساه كوفيد، وأن كل شيء بحوزته سيخضع للكشف عبر الماسحة الضوئية (سكانر). وذكر أنها ماسحة ضوئية بالغة الحساسية، بيد أنني لم أتمكن من العثور على أي معلومات عنها في غوغل. ثم راح يطلب المزيد من المال كي يدفع لمسؤول أمني رفيع هناك في المطار (الغابون)".

 رفضت كيرستي دفع المزيد من المال، وقامت بإرسال صورة مارك لصديق لها سبق أن خدم في الجيش، وقد قال لها الصديق إن ما يرتديه مارك هو بذلة عسكرية من العام 2010. حينها قامت على الفور بالاتصال بالشرطة والمصرف.

وتابعت كيرستي مرويتها قائلة "الأمر هزني فعلاً. إذ قالت الشرطة، وكذلك شرح العامل في مركز "دعم الضحايا" Victim Support، إن هناك فريقاً يتربص أفراده خلف أجهزتهم ويقومون بالاحتيال علي. واشتبهت الشرطة في أن يكون أولئك المحتالون في غانا أو نيجيريا، وأن يكونوا مجموعة من الأشخاص الذين ينفذون عمليات احتيال احترافية".

 وتمكنت كيرستي في النهاية، مطلع أغسطس (آب) الماضي، من استعادة مالها الذي خسرته من مصرف "إتش أس بي سي" HSBC، لكنها ذكرت أن أكثرية ضحايا "الاحتيال العاطفي" ممن التقتهم ضمن مجموعات دعم الضحايا، لم يستعيدوا ما خسروه.

 وتابعت "ظننت في البداية أن جميع الأمور التي أحب ممارستها، كالرقص والسباحة والذهاب إلى النادي الرياضي، سوف تتوقف لأنني لم أعد قادرة على تحمل نفقاتها، وسأقضي حياتي محاولة تعويض ما خسرته من مال. قبل ذلك كنت أمر في مرحلة صعبة. وجاء الأمر كمثل بارقة أمل بعد طول انتظار. شيء ما أخذ ينعقد. أحدهم أُعجب بي. وأحسست بالرضا عن نفسي. اكتشفنا أن هناك أشياء عديدة تجمعنا، وكان ثمة احتمال للمستقبل والسعادة، بيد أن ذلك كله تبدّد".

وكيرستي ليست الوحيدة التي تعرضت للاحتيال. إذ إن عمليات الاحتيال والابتزاز العاطفي شهدت خلال السنوات الماضية طفرة كبيرة، وتصاعدت أكثر إبان إغلاق كورونا. وأشار مركز "دعم الضحايا" Victim Support، الجمعية الخيرية التي تساعد ضحايا الاحتيال في إعادة بناء حياتهم، إلى ارتفاع بنسبة 27 في المئة بمعدلات عمليات الاحتيال العاطفي اليومية عندما خُفف إغلاق كورونا في مايو (أيار) الماضي، مقارنة بالفترة ذاتها قبل الإغلاق.

هذا الأمر، بحسب ما تشير إليه الجمعية، يكشف تصاعداً في عمليات الاحتيال والابتزاز العاطفي خلال الإغلاق. وقال القيّمون على الجمعية المذكورة، التي تدعم الضحايا في أإنجلترا وويلز لـ"الاندبندنت"، إن النساء هن أكثر عرضة من الرجال للوقوع ضحايا للاحتيال العاطفي. وفي هذا السياق شكلت الإناث 58 في المئة من الضحايا في مرحلة ما قبل إغلاق كورونا، ثم ارتفعت النسبة إلى 63 في المئة حين خُففت تدابير الإغلاق.

وذكرت وكالة "مكافحة الاحتيال" Action Fraud، الوكالة الوطنية البريطانية التي تسجل عمليات الاحتيال والابتزاز، أنها تلقت أكثر من 400 تقرير في الشهر الواحد من ضحايا عمليات احتيال وابتزاز عاطفي وقعت في بريطانيا بين أغسطس (آب) 2019 وأغسطس 2020. وبلغ إجمالي الخسائر التي بلغ عنها الضحايا خلال هذه الفترة 66،335،239 جنيهاً إسترلينياً – وذاك يشير إلى أن معدل خسارة الشخص الواحد تزيد قليلاً على 10 آلاف جنيه إسترليني. أما في الفترة الواقعة بين أشهر يونيو (حزيران)، ويوليو (تموز)، وأغسطس (آب) من هذا العام، فقد تلقّت وكالة "مكافحة الاحتيال" أكثر من 600 تقرير في الشهر الواحد، عن عمليات احتيال عاطفي.

وتحدث هذن العمليات في العادة عندما يظن المرء أنه وقع عبر الإنترنت على "شريك مثالي"، بيد أن هذا الأخير يكون مختبئاً خلف حساب مواعدة مزيف كي يوقع بالضحايا ويبتزهم لتحصيل المال منهم.

وفي حديث إلى "الاندبندنت" قالت ليزا ميلز، مديرة عمليات مكافحة الاحتيال في جمعية "دعم الضحايا" Victim Support إن "عمليات الاحتيال العاطفي باتت أكثر شيوعاً اليوم، منذ انطلاق الجمعية قبل أربعة أعوام".

وتابعت "في السنة الماضية شكل معدل عمليات الاحتيال العاطفي نسبة واحد من أصل أربع حالات احتيال تبلغناها. واستطراداً أوضحت ميلز "عندما يلجأ الأشخاص إلى مواقع المواعدة على الإنترنت، فذاك يشير إلى هشاشتهم. المرء على تلك المواقع يقوم بتعريض نفسه للخطر. ومن الواضح أن أكثرية الأشخاص الذين يلجؤون إلى المواقع المذكورة يفعلون ذلك لأسباب تتعلق بحالات طلاق، أو لأنهم يمرون بحضيض ما في حياتهم. وهم يفتقدون للثقة بالنفس. جميعنا نحتاج لشخص ما يُسمعنا كلاماً عذباً ويمدنا بشعور خاص. بيد أن الأمور بالنسبة إلى الأشخاص الذين أقوم بمساعدتهم تسير باتجاهات خاطئة جداً، من دون أن يقترفوا أيّ ذنب.

 تتابع ميلز شارحة "الموضوع لا يتعلق فقط بالجوانب المالية، بل إنّ الأمر المهم أيضاً يتمثل بالعواقب العاطفية والنفسية. فالناس يقبعون في فقاعة الحب هذه. ذاك الشخص يقول لك كلاماً عذباً. الحب هو مخدّر. وإذ ينهار ويتهاوى هذا الحبّ في ما بعد، عندها فقط، يجلس المرء مُسائلاً نفسه؛ هل فعلًا حدث هذا! فأولئك المخادعون ماهرون جداً في المناورة ولديهم جواب لكل سؤال. والناس من دون إرادتهم يغدون إزاءهم مهرّبي أموال، ويقبلون مالاً قذراً في حساباتهم المصرفية".

 كما توضح الآنسة ميلز أنهم في الجمعية قدموا الدعم والمساعدة لضحايا قاموا بإعادة رهن منازلهم، وحصلوا على قروض واستدانوا من أحباء لهم، كي يُقدموا المال لشركاء مزيفين ومحتالين.

ديانا فاوسيت، المديرة التنفيذية لجمعية "دعم الضحايا" (Victims Support) قالت إن "الظروف التي فرضتها جائحة كورونا استخدمت في الحقيقة من قبل المحتالين والمبتزين كـ"خطّافة" لانتزاع المال. إذ قام بعض الأشخاص مثلاً باختلاق أكاذيب عن حاجتهم للعلاجات الطبية، أو لتغطية نفقات سفر طارئ لمغادرة البلاد، أو للحصول على مبالغ تساعدهم في الاستمرار بعد ادّعائهم خسارة وظائفهم بفعل الجائحة".

وتأتي هذه المرويات الملاحظات اليوم تزامناً مع قيام الشرطة البريطانية في جميع أنحاء البلاد، وبالتنسيق مع موقع "ماتش غروب" Match Group الذي يملك منصات مواعدة على الإنترنت مثل "تيندر" Tinder و"ماتش.كوم" Match.com و"أوكي كوبيد" OkCupid، و"هينج" Hinge، و"بلينتي أوف فيش" PlentyOfFish، وغيرها، بإطلاق حملة طوال أكتوبر (تشرين الأول) لتعزيز الوعي في مواجهة عمليات الاحتيال والابتزاز العاطفي. في هذا الإطار قالت الدكتورة إليزابيث كارتر، من جامعة روهامبتون إن "المحتالين والمبتزين العاطفيين سيلجؤون إلى لغة إستغلالية وإقناعية مواربة"، وذاك برأيها يوازي، بطريقة ما، "العنف الأسري وعمليات الإغواء والسيطرة الإكراهية".  

  

© The Independent

المزيد من متابعات