Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تصبح إدلب "قطاع غزة" الجديد؟

تعد المدينة آخر معقل للمعارضة الباقية في سوريا

تريد الحكومة السورية الاستمرار في القصف للتأكد من بقاء محافظة إدلب في معظمها خالية من السكان (غيتي)

تقول هدى حسين، 25 سنة، وهي معلمة تعيش في إدلب معقل المتمردين في شمال غربي سوريا، إن "كثيرين من أقربائي كانوا يعيشون في مخيمات بالقرب من الحدود مع تركيا... غير أنهم عادوا الشهر الماضي إلى مناطق سكناهم الأصلية [إلى القرى والبلدات] لأنهم يفضلون الموت بفعل غارة جوية بدلاً من الموت في المخيمات". ونقلت عن قريب لها قوله "كنا نهرب من خطر إلى آخر"، موضحاً أن البؤس الذي يواجهه اللاجئون للبقاء على قيد الحياة في مخيمات مكتظة كان أسوأ بكثير من القصف الذي تستهدفهم به روسيا وقوات الحكومة السورية.

شهد هذا الصيف نقطة تحول لـ 2.6 مليون سوري من المعارضين لرئيس النظام السوري ممن التجأوا إلى إدلب. فقد طبقت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية مدمرة على سوريا، فاقمها تفشي وباء فيروس كورونا، لتتحول الأزمة التي تعيشها البلاد إلى كارثة. ووجهت العقوبات والوباء معاً ضربة موجعة للسكان الذين كانوا يعانون سلفاً من شح الغذاء والمأوى وعدم كفاية الرعاية الطبية. إن سوريا تعاني برمتها، بيد أن هدى تقول "إدلب هي أكثر أجزاء البلاد بؤساً" وهي تواجه أزمة أقسى مما يتعرض له الآخرون في أنحاء سوريا.

ويصف فابريس بالانش، وهو خبير في شؤون شمال سوريا لدى "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" Washington Institute for Near East Policy، (يصف) معقل المعارضة في إدلب بأنه "قطاع غزة المقبل". وتقلص الجيب الذي لحقه الدمار بفعل القصف ونيران المدفعية، حتى بات يساوي ثلث حجمه قبل ثلاثة أعوام بعدما حققت الحكومة السورية سلسلة من المكاسب على حساب المعارضين وتقدمت مرات عدة.

ومعظم من يعيشون في إدلب كانوا قد فروا إلى منطقة صغيرة جداً على طول الحدود مع تركيا للنجاة بحياتهم من القصف والقذائف وكي يكونوا قريبين من نقاط توزيع المعونات الأجنبية. والبعض مثل هدى حسين (وهذا ليس اسمها الحقيقي) ظلوا في مناطق أخرى إلى الجنوب، في مدينة إدلب وضواحيها حيث ظروف الحياة أفضل لكن خطر الحرب أسوأ بكثير.

وفي مقابلة أجرتها معها "اندبندنت"، ترسم هدى صورة مفصلة لليأس السائد في المعقل الأخير للمعارضة، هذا إذا استثنينا المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد في شمال شرقي سوريا. وتذكر كيف أن خالتها قد فرت من مدينة إدلب قبل سنة ونصف السنة لتعيش في مخيم للنازحين، بعدما دمرت غارة جوية بيت جيرانها تدميراً جزئياً. وعادت الخالة حالياً وهي تقول "الموت في ظرف دقيقة واحدة بغارة جوية روسية هو أفضل بكثير من الموت كالكلاب بسبب فيروس كورونا".

درّست هدى لعامين في مخيمات مختلفة، تعتقد أن عددها كان 1200 مخيم، لا يتوافر فيها سوى القليل من الرعاية الصحية ولا متسع فيها لتطبيق قواعد التباعد الاجتماعي. وتقول "لقد رأيت خياماً ينام في كل منها 15 شخصاً مقابل بعضهم بعضاً، بحيث يكون رأس هذا أمام أقدام ذاك وهكذا، كما لو كانوا من نزلاء سجن تَدْمُرْ [سجن حكومي سيء الصيت]". وتعرضت لصدمة أقوى حين علمت بعدد العائلات التي كانت بلا خيم تنام فيها وتأوي إليها. وتشير إلى "أنهم كانوا يستخدمون السجاد والحصير كي يبنوا ملجأ هشاً لهم".

كان الحرمان في إدلب حاداً قبل ذلك، حيث أنه بعد 9 سنوات من الحرب الأهلية باتت المنطقة تغصّ بمليون و300 ألف نازح سوري إضافة إلى سكانها الأصليين، وقد حُشِرَ الجميع في منطقة آخذة بالتقلص على الدوام. كان من الصعب أن يتصور الإنسان كيف يمكن أن تصبح الحياة أكثر سوءاً، لكن حدثين اثنين شهدهما الصيف الحالي، جعلا هذه المنطقة فعلاً أشد سوءاً مما كانت عليه. الحدث الأول هو العقوبات الأميركية الجديدة التي أُطْلِقَ عليها "قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا"، حيث وقع عليه الرئيس ترمب ليدخل حيز التطبيق في 17 يونيو (حزيران) الماضي. وإذا كان القصد منه كما هو مفترض ردع الأسد عن قمع السوريين العاديين، فقد فرض قانون "قيصر" عقوبات شديدة على أي جهة أجنبية تتعامل مع سوريا سواء تعلق الأمر بالأفراد أو الشركات.

وهكذا حولت هذه الإجراءات جميع السوريين، سواء كانوا من المؤيدين أو المعارضين لرئيس النظام السوري بشار الأسد، إلى أشخاص منبوذين من الناحية الاقتصادية، خاضعين لحصار اقتصادي خانق، الأمر الذي أدى إلى انهيار العملة السورية وارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية الأساسية، وصل معه ثمن القمح والأرز والبرغل إلى ثلاثة أضعاف قيمتها سابقاً. واللافت أن هذا هو ما حصل في بلاد قال عنها "برنامج الغذاء العالمي" World Food Programme في يونيو الماضي إن" المجاعة يمكن أن تكون وشيكة فيها".

أُضفي طابع إنساني على قانون "قيصر" من خلاله تسميته بالاسم المستعار لمصور كان يعمل لدى الحكومة والتقط صوراً لجثامين عشرات الآلاف من السوريين الذين قتلوا على يد النظام السوري (ينفي المسؤولون السوريون هذه التهمة). والواقع أن ثمة دافعاً أكثر ترجيحاً وأقل إيثاراً، ربما يكون وراء القانون، وهو رغبة واشنطن أن تمنع روسيا وإيران والأسد من إحراز انتصار كامل في سوريا، وذلك للحيلولة دون تعافي البلاد من الدمار الذي تشهده حالياً، حتى ولو بقي الأسد متمسكاً بزمام الأمور.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكما كانت حال عقوبات الأمم المتحدة ضد صدام حسين قبل ثلاثين عاماً، فمن المرجح ألا يلحق ضرر حقيقي بالقيادة السورية بسبب العقوبات المشددة، لا سيما أن العبء سيقع على عاتق الفقراء والضعفاء. عن هذا تقول "مجموعة الأزمات الدولية" International Crisis Group التي تتخذ من بروكسل مقراً لها، "تكون عادة النخب السياسية في موقع يسمح لها بتفادي وطأة العقوبات، وحتى أنه قد يوفر لها الاستفادة من الشح الذي تخلقه (تلك العقوبات)، فيما يكون الأذى الحقيقي من نصيب الغالبية الساحقة من السكان".

هذا ما يحصل بالتأكيد في سوريا، حيث تعتبر إدلب التي مزقتها الحرب، الأكثر تضرراً في البلاد. ومع انهيار الليرة السورية، قامت حكومة الإنقاذ المحلية (التي تهيمن عليها هيئة تحرير الشام المتشددة) بتبديلها بالليرة التركية، غير أن مستوى المعيشة الذي كان سلفاً غير لائق، شهد مزيداً من التردي. وتقول هدى "هبط راتبي من 160 إلى 100 دولار أميركي في الشهر". وتضيف "بينما نزل الأجر اليومي لشقيقي، وهو عامل بناء، من 6 إلى 3 دولارات أميركسة في اليوم". وقد ارتفعت الأسعار بشكل صاروخي بحيث صارت تعبئة خزان مياه الشرب في المنزل تكلف مبلغاً باهظاً. وتؤكد روايتها النتيجة التي خلصت إليها "مجموعة الأزمات الدولية" والقائلة أن العقوبات التي تهدف إلى حماية المدنيين السوريين من النظام "قد تؤدي في نهاية المطاف إلى إيذائهم بدلاً من ذلك".   

وفي غضون أسابيع قليلة من صدور قانون "قيصر"، تعرض أهل إدلب لكارثة ثانية. فقد وصل وباء فيروس كورونا متأخراً إلى هناك بسبب العزلة التي يعيشها جيب المعارضة هذا. ويعتقد السكان المحليون أن الأطباء والممرضين الأتراك هم الذين حملوا الفيروس إلى إدلب (غير أن هذا مستبعد باعتبار أن الفيروس كان قد بدأ بالانتشار في بقية مناطق سوريا في ذلك الوقت).

وقبل شهر واحد، أُصيب شقيق هدى بالفيروس مما اضطره للبقاء في المنزل لثلاثة أيام. وتقول "لم يكن لديه أدوية سوى بعض أقراص باراسيتامول لتسكين الألم والسماح له بالنوم". وقال له طبيب في مكالمة هاتفية أجراها معه إن عليه أن يحجر نفسه لأسبوعين، غير أن شقيقها قرر العودة إلى العمل، موضحاً لعائلته أن "الحرب يشنها البشر، بيد أن فيروس كورونا أتى من عند الله ولا يستطيع أحد إيقافه". وتأمل هدى أن يسترجع شقيقها عافيته باعتباره عامل بناء، يتمتع بالقوة الجسدية الكافية للنجاة.

وحتى لو كان قد احتاج لمزيد من المساعدة الطبية، فلم يكن ليتوفر له منها سوى النزر اليسير. وعلمت هدى من صديقة لها تعمل في هيئة الصحة في إدلب أن الجيب برمته لا يضم سوى حوالى 3 آلاف سرير مستشفى لقرابة 3 ملايين شخص. وقد دمرت الغارات والقصف المدفعي اللذان قام بهما الروس والقوات الحكومية السورية العديد من المستشفيات أو ألحقت بها الضرر. وتلفت هدى إلى أن الناس حاولوا في البداية أن يعزلوا أنفسهم، لكن الاكتظاظ الشديد جعل ذلك مستحيلاً حتى بعدما علم الأشخاص بأنهم قد أصيبوا بالفيروس. لقد انتهت الحرب في معظم أجزاء سوريا وتوقف التراشق بالنيران بعدما استعادت قوات الأسد مراكز المعارضة، غير أن القتال ما زال مستمراً في إدلب وفي شمال محافظة حلب الذي تحتله  قوات تركية.

تريد الحكومة السورية الاستمرار في القصف للتأكد من بقاء مدن وبلدات محافظة إدلب في معظمها خالية من السكان، بحيث لا يمكنها أن تتحول مرة أخرى إلى مراكز حيوية للمعارضة. وهكذا تمكنت الهجمات التي شنتها القوات الحكومية منذ 2017 من تقليص الجيب إلى ثلث مساحته الأصلية التي كانت تبلغ 3 آلاف كلم مربع. وحتى هذه الرقعة الصغيرة غير مأهولة بصورة متساوية مع وجود 2 مليون إنسان في المخيم الذي أُقيم على طول الجانب السوري من الحدود مع تركيا، ويقع خارج مرمى المدفعية ونادراً ما تصيبه القذائف.

وقد عاد بعض أقارب هدى إلى مناطق سكناهم الأصلية الواقعة بعيداً إلى جنوب الحدود، إلا أن معظم الناس لا يثقون كثيراً بأن وقف إطلاق النار الذي اتفقت روسيا وتركيا في 5 مارس (آذار) على تطبيقه سيبقى سارياً. كل ما في الأمر هو أن استئناف قوات الحكومة السورية لهجومها الواسع النطاق في المنطقة، قرين بالقرارات التي تم التوصل إليها في موسكو وأنقرة.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من الشرق الأوسط