Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أحلام مستغانمي: كيف تتشكل نجمة؟

تحولت إلى أسطورة يتابعها نحو 12 مليون معجب

جاءت أحلام بكتاباتها لتحرر اللغة العربية في الجزائر من صورة الفقيه وتعطيها صورة الشاعر (موقع الكاتبة الرسمي)

من القناة الأولى للإذاعة الجزائرية، منتصف السبعينيات، ببرنامج يذاع آخر الليل بعنوان "همسات"، بدأت أحلام مستغانمي تتشكل في المخيال السمعي الجزائري كصوت شعري أنثوي متميز، لغة مختلفة متحررة من الجمل الجاهزة الباردة وجرأة في المعنى.

موازاة مع ذلك، كانت أحلام مستغانمي تمثل صورة الفتاة المتمردة في نصوصها بالعربية في زمن كانت فيه مدينة الجزائر العاصمة مكة الثوار.

في مقهى اللوتس بمدينة الجزائر العاصمة، حيث كانت تلتقي النخب العربية الهاربة من أنظمة بلدانها محتمية بمكة الثوار، كانت أحلام تجلس شاعرة شابة وكاتبة مقال في جريدة الشعب الأسبوعي، بين الجميع لتسمع الجميع صوتها المتميز الجريء في الأدب والحياة.

منذ البداية نجحت أحلام لأنها، في الوقت الذي كان فيه الجميع يكرس خطاباته الأدبية والإعلامية والسياسية على "المجموعة"، كانت هي تخاطب "الفرد"، تخاطب الذات التي ينسفها صوت الجماعة، تخاطب الحرية الفردية التي يبحث عنها الإنسان، لا وطن حر من دون مواطن فرد حر، الوطن هو الواحد مكرر بالملايين.

الأنوثة والثورة والخطاب المختلف

كانت الجزائر بعد الاستقلال وحتى السبعينيات تخرج أدبياً بالعربية من عباءة جمعية العلماء المسلمين المحافظة، فجاءت أحلام مستغانمي لتزرع خطاباً جديداً بالعربية، قريباً من نبرة خطاب الكتابات الأدبية بالفرنسية التي كانت تتكئ على تقاليد كبيرة وعلى أسماء مكرسة في باريس وفي أوروبا وفي الجزائر أيضاً من أمثال مالك حداد الذي شغفت به أحلام مستغانمي وبدا ظاهراً كشخصية روايتها "ذاكرة الجسد"، أو ما يحيل عليه في كثير من الملامح والمواقف، ومحمد ديب وكاتب ياسين ومولود معمري ومولود فرعون ومالك واري وجان سيناك وجمال عمراني وغيرهم.

جاءت أحلام بكتاباتها لتحرر اللغة العربية في الجزائر من صورة الفقيه وتعطيها صورة الشاعر، في بلد كانت مظاهرها الثقافية والحياتية مفرنسة إلى حد كبير.

جاءت أحلام مستغانمي لتغير من صورة الكاتبة الأديبة باللغة العربية في المخيال الجزائري أولاً، وهو الذي كان يرى فيها المرأة المحافظة التقليدية السلبية الخنوعة، وبأن صورة التحرر مرتبطة فقط بالكاتبات باللغة الفرنسية من أمثال آسيا جبار، ونادية قندوز، ومريم بان، وأنا غريكي، وصفية كتو، وفضيلة مرابط وغيرهن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أن تجيء كاتبة تكتب بالعربية، شابة جميلة وذكية وجريئة، فتقود بشكل رمزي معركة ضد صورة التخلف المرتبطة بالمرأة المعربة، كان الأمر يبدو غير عادي ولا معتاد في فضاء ثقافي وإعلامي وأدبي في جزائر السبعينيات حيث غلبة التيار المفرنس في الثقافة والإدارة والحياة العامة.

لم تولد أحلام مستغانمي في "النفاق الاجتماعي" ولا في "شد العصا من الوسط"، منذ انطلقت بمجموعتها الشعرية الأولى "على مرفأ الأيام" 1973، ثم "الكتابة في لحظة عري" 1976 وهي تكتب ما تؤمن به وبالطريقة الأدبية الأسلوبية التي تروق لها بعيداً عن الرقيب السياسي والاجتماعي، تقرأ ما يعجبها، تذيع في برنامجها "همسات" نصوصاً تؤمن بها، نصوصاً لها وأخرى لغيرها.

لو أن الأدب الجزائري باللغة العربية نحا منحى كتابات أحلام مستغانمي لكان قد تخلص من عباءة الفقيه مبكراً، على مستوى الأسلوب والأفكار، وهي التي جمعت ما بين التمرد الاجتماعي وحب اللغة العربية، وأن العربية لا يمكنها أن تكون جميلة إلا إذا خلقت جسراً مع النصوص الأدبية العالمية الكبرى بقيمها الإنسانية ودفاعها عن الجمال والحرية والعدالة، إلا أن التفريخ الأيديولوجي الذي مارسته الجامعة الجزائرية انطلاقاً من نهاية السبعينيات، سيغرق الأدب والإعلام والسياسة في حضن أيديولوجيا الإخوان المسلمين بشكل واضح، خصوصاً بعد أن بدأت التجربة السياسية والاقتصادية لنظام الرئيس هواري بومدين المبنية على الشعبوية القائمة على ما سمي الثورة الزراعية الثقافية الصناعية، تعرف تراجعاً شعبياً وانهياراً اقتصادياً واضحاً.

في هذه اللحظة التاريخية التي بدأت الجماعات الإسلامية تحاصر البلد سياسياً وإعلامياً ومؤسساتياً، تغادر أحلام مستغانمي الجزائر إلى بيروت مع زوجها الإعلامي الأستاذ جورج الراسي لتقيم فيها وتستقر بها حتى الآن، تغادر الجزائر وهي رمز للتحدي الاجتماعي وللتمرد في الكتابة بالعربية.

إذا كانت المؤسسات الثقافية والأدبية الجزائرية لم تستطع أن تُصدر بذكاء اسم أحلام مستغانمي بكل موهبتها وتميزها إلى العالم العربي، فستتولى بيروت هذه المهمة، وهي عاصمة الكتاب بامتياز ولها تجربة كبيرة في ذلك.

في بيروت، وبعد انسحاب لأسباب عائلية وأكاديمية لبضع سنوات، تعود أحلام مستغانمي لتكتسح الساحة الأدبية المشرقية وبسرعة، وستكون روايتها "ذاكرة الجسد" مفتاحها للتكريس نجوميتها العربية والمغاربية.

الثقفوت الذكوري العربي ضد أحلام مستغانمي:

ليس سهلاً أن تكون الكاتبة المرأة نجماً في بلاد الثقفوت الذكوري العربي، وبالفعل عانت أحلام مستغانمي من هذا الثقفوت كثيراً، بل وما زالت تعاني منه حتى الآن، فبمجرد أن بدأ اسمها يتكرس على المستوى العربي، حيث أخذت تحل محل غادة السمان، حتى بدأ الرصاص يطلق عليها من كل الجهات وبوقاحة وكراهية، فهذا يتهمها بأن زوجها هو من يكتب لها أو يصنع لها منصات الدعاية وكأنها الأديبة الوحيدة التي تزوجت بإعلامي، وهذه تهمة "الذكر العربي المخصي" لكل امرأة فحلة ناجحة ومتميزة، وهذا آخر يطلق عليها  تهمة أخرى وهو أن "نزار قباني" هو من يكتب لها، مستغلين تلك الصداقة التي جمعتها بهذا الشاعر الكبير والإشكالي، والكلمة التي صدر بها روايتها "ذاكرة الجسد"، ثم صوت ناعق آخر من جوقة "الثقفوت الذكوري" يقول إن سعدي يوسف هو من كتب لها رواية "ذاكرة الجسد"، وبعضهم من النقاد الصغار من "نادي النحو والصرف والإملاء" محاولاً تحطيم معنوياتها يعدد الهفوات اللغوية الواردة في الرواية وكأنما اكتشف يد اللص في جيب الضحية! وتوالت الاتهامات المرضية ولكن ابنة قسنطينة، صحيح كانت تتألم ما في ذلك شك، لكنها استطاعت أن تحول ألمها إلى طاقة إيجابية، لترد على الجميع بكتابات أخرى أكثر جمالاً وأكثر جرأة ولتجعلها أكثر شهرة، وكأنها كانت تقول للثقفوت الذكوري العربي "من كتب لي فليكتب لنفسه أولاً ويتربع على عرش النجومية الأدبية".

استطاعت أحلام مستغانمي أن تعيد للأدب جمهوره من كل الأجيال وفي العالم العربي وشمال أفريقيا، وأن تغير من صورة الأديب البئيس إلى صورة الأديب النجم الجميل الذي توازن نجوميته نجومية الفنانين والرياضيين.

النجومية في الأدب هي نص أولاً ولكن أيضاً ذكاء في تسيير هذا النص أو ذاك، وقد تحولت أخلام مستغانمي إلى نموذج أصبح كثير من "الذكور الكتاب" الذين هاجموها بعنف ولا يزالون يكتبون على منوالها، وبشكل رديء، علهم يحظون بقليل من شهرتها ونجوميتها، فظهر في الأدب العربي والمغاربي بالعربية تيار "مستغانمي"، جيل يسير على خطى أسلوب كتاباتها، يكتبون على طريقتها وينتقدونها ويكنون لها كراهية مرضية.

لقد فرخت أحلام مستغانمي كثيراً مما أطلق عليهم اسم "الأحلامات" و"الأحلامون" النساء والذكور!!  لم أعرف كاتبة يحبها الجمهور مثل أحلام مستغانمي من مسقط إلى طنجة، وفي المقابل لم أعرف كاتبة يكرهها زملاؤها وزميلاتها من الكتاب والكاتبات مثل أحلام مستغانمي. فالمجتمع الأدبي في العالم العربي وشمال أفريقيا تعشش فيه باطولوجيا ثقافية غريبة الفيروس.

على مستوى سوسيولوجيا القراءة الأدبية السردية، لقد صالحت أحلام مستغانمي بين القارئ العربي والمغاربي والنص السردي الروائي، فلم يحظ أي كاتب أو كاتبة بالاستقبال من قبل القراء من الخليج وحتى شمال أفريقيا مثلما حظيت به روايات أحلام مستغانمي. فقد شكلت بالفعل منعطفاً في القراءة الأدبية، وحضورها في المعارض وجلسات توقيعها تشكل حالة استثنائية لم يسبق أن عرفها عالم الأدب العربي منذ قرون، فهي إلى حد ما تشبه باولو كويلو من ناحية البعد الجماهيري لكتاباتها، ورواياتها من أكثر الروايات دراسة في الجامعات العربية مع أن كثيراً من الأساتذة الجامعيين يمنعون طلبتهم وطالباتهم من الاشتغال على نصوصها لحاجة في نفس يعقوب.

وإذا كانت أحلام مستغانمي لم تحصل على أي جائزة كبيرة في العالم العربي باستثناء جائزة نجيب محفوظ، فإنني أعتقد أن القارئ هو جائزتها الكبرى التي لم يحصل عليها أي كاتب شبع جوائز بالشيكات. ولم تتعرض كتب للقرصنة مثلما تعرضت له كتب أحلام مستغانمي.

وإذا كانت أحلام مستغانمي قد تحولت على مستوى الكتاب والواقع إلى نجمة، فإن هذا الأثر انتقل أيضاً إلى وسائط التواصل الاجتماعي الذي فيه ومن خلاله تحولت إلى أسطورة يتابعها نحو 12 مليون معجب، ويكفيها فخراً أن يكون من بين هذا "الشعب" مليونان من القراء فقط!

اقرأ المزيد

المزيد من آراء