Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنان وإسرائيل لا يشمل مزارع شبعا

نجاح التفاوض يطمئن واشنطن إلى أمن منشآت تل أبيب النفطية من صواريخ "حزب الله"

لقاء سابق بين عون وبري في قصر بعبدا في 19 أغسطس الماضي (دالاتي ونهرا)

في مُوازاة مأزقه الاقتصادي المالي السياسي المفتوح على احتمالات شتى ينتظر أن يُقدم لبنان على استحقاق فائق الأهمية قد يساعد في معالجة صعوباته المالية غير المسبوقة، وهو المتعلق بقرب بدء مفاوضات ترسيم الحدود البرية والبحرية بينه وبين إسرائيل بوساطة أميركية ورعاية الأمم المتحدة، خلال مدة قريبة يتوقع بعض مصادر المعلومات والإعلام الإسرائيلي أن تكون في النصف الثاني من شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

كان رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري قد أعلن في 6 أغسطس (آب) الماضي، أن "المحادثات مع الأميركيين في ملف ترسيم الحدود الجنوبية أصبحت في خواتيمها"، ما دفع بعض وسائل الإعلام إلى استنتاج خاطئ بأن المفاوضات حول ترسيم الحدود اقتربت من نهايتها، في وقت كان ما يلمح إليه بري في حينه هو المحادثات التي كانت جارية منذ عام 2018 مع الجانب الأميركي حول آلية التفاوض مع إسرائيل التي ترسم إطار وشروط هذا التفاوض، أي شكله ومنهجيته ودور الفريقين الأميركي والدولي وشروط إنجاحه؛ الأمر الذي تطلب الكثير من الجولات المكوكية لموفدين أميركيين في إدارات عدة منذ عام 2011، خصوصاً أنه مر بفترات جمود ثم بحالات تنشيط، وفقاً للظروف التي تحيط بحساسية هذا الملف، إن بالنسبة إلى لبنان أو لإسرائيل أو للدول الكبرى، وفي طليعتها أميركا ومصالحها في المنطقة. 

الآلية تُعلن قريباً

رجّح مصدر مقرب من بري لـ"اندبندت عربية" أن يعلن قريباً عن الاتفاق على آلية التفاوض وشكله، مؤكداً أن تاريخ بدئه لم يحدد بعد على الرغم من أن وسائل الإعلام الإسرائيلية تحدثت عن منتصف الشهر المقبل. وذكر المصدر إياه الذي فضل عدم الكشف عن اسمه أن اللمسات الأخيرة توضع على نص آلية التفاوض، الذي سيجري في مقر قيادة قوات الأمم المتحدة في بلدة الناقورة في جنوب لبنان، في شكل غير مباشر بين ضباط اختصاصيين من الجانبين اللبناني والإسرائيلي، على أن يكون الجانب الأميركي وسيطاً بينهما. ويكون مندوب الأمم المتحدة مضيفاً للمتفاوضين، يسجل تفاصيل الجلسات والنتائج، خصوصاً أن أي اتفاق نهائي يجب تسجيله في الأمم المتحدة، من قبل الفريقين إذا خلصا إلى النتائج التي تُرضي كلاً منهما.

شينكر في بيروت 

في وقت كانت مصادر سياسية استبعدت الزيارة المرتقبة لمساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر التي كان وعد بإتمامها أواخر الشهر الحالي بعد الفشل في تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة، أبلغ المصدر المقرب من بري "اندبندت عربية" أن شينكر سيزور بيروت بعد أسبوعين.

وينتظر أن تتشكل لجنتان للتفاوض، واحدة ثلاثية تتعلق بالحدود البرية تضم الجانبين اللبناني والإسرائيلي مع الأمم المتحدة، والثانية للحدود البحرية رباعية، تضم إلى محللين من الجانبين والأمم المتحدة، الجانب الأميركي.

وكان الخلاف على الآلية مدار أخذ ورد منذ السنة الماضية حين كان السفير ديفيد ساترفيلد سلف شينكر في الخارجية، الذي أقنع الجانب الإسرائيلي بالقبول بأن تكون المفاوضات برعاية الأمم المتحدة وضيافتها، بعدما كان رفض ذلك جرياً على موقفه المبدئي برفض تدخل المنظمة الدولية في الاتفاقات مع دول الجوار وتفضيله الاتفاقات الثنائية، لكن إسرائيل رفضت أن يرفع ممثل الأمم المتحدة الذي يرجح أن يكون قائد القوات الدولية الجنرال ستيفانو ديل كول، أي محاضر إلى المنظمة الدولية حول المداولات. 

 

موافقة إسرائيل على الربط بين البر والبحر

في حينها، أصر بري على نقطتين تطلبت معالجتهما وقتاً. الأولى تتعلق بمدة المفاوضات، إذ اقترح الجانب الإسرائيلي مهلة 6 أشهر، فيما طالب بري بعدم تقييدها بمهلة حتى لا يقوم الجانب الإسرائيلي بالمماطلة ثم يعلن فشل التفاوض. وتمكن ساترفيلد من حل هذه النقطة بالموافقة على المهلة المفتوحة. أما النقطة الثانية فهي النص على التزام الجانبين بترابط المفاوضات على الحدود البرية والبحرية، بحيث إذا فشلت إحداها يصبح الاتفاق على الثانية باطلاً حتى لو أنجز، لكن الجانب الإسرائيلي ظل رافضاً ذلك إلى أن قدم الجانب الأميركي صيغةً ترضي الفريقين، اعتبر بري أنها تحقق شرطه بأن يكون لبنان في حل من الاتفاق على الترسيم في أحد المجالين (البر أو البحر) إذا جرى الاتفاق عليه وتعذر الاتفاق على الترسيم في المجال الآخر.

ويعود هذا الربط إلى أن بري وفريقه يعتبران أن رسم خط الحدود البحري مرهون بالطريقة القانونية والتوبوغرافية لربط رسم الخط البحري بآخر نقطة للحدود البرية في منطقة الناقورة القريبة من الشاطئ، والتي يدور خلاف جوهري حولها بين الجانبين. فعلى طريقة انطلاق الخط من الشاطئ يتوقف تحديد ما يعود للبنان في البحر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكان الباحث في "معهد واشنطن" إهود يعاري (وهو معلق في التلفزيون الإسرائيلي أيضاً) قد أشار في تقرير نشره مع اثنين من زملائه على موقع المعهد، إلى أن الولايات المتحدة بعثت برسالتين تحملان ضمانات لكل من البلدين حول بعض مطالبهما. إلا أن المصدر المقرب من بري نفى لـ"اندبندت عربية" أن يكون قد تلقى رسالة ضمانات من واشنطن، موحياً بأن إسرائيل قد تكون تلقت رسالة من هذا النوع من الإدارة الأميركية.

وأرجع الجانب اللبناني تأخر الموفدين الأميركيين في نقل جواب الجانب الإسرائيلي حسبما تبلغ من وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل خلال زيارته بيروت في 13 أغسطس (آب) الماضي، إلى ارتباك القادة الإسرائيليين في مرحلة تشكيل الحكومة الائتلافية وما بعدها.

البُعد الاستراتيجي لترسيم الحدود البحرية: الثروة الغازية

يكتسب بدء هذه المفاوضات التي يمكن أن تتطلب شهوراً إذا بوشرت في النصف الثاني من أكتوبر الماضي، لا سيما أن احتمالي تعثرها أو نجاحها متساويان، أهمية قصوى من زاويتين استراتيجيتين:

الأولى متعلقة باستغلال الثروة الغازية والنفطية لكل من لبنان وإسرائيل في عرض البحر المتوسط، وأنها تمهد لحسم الخلاف مع إسرائيل في شأن المنطقة المتنازع عليها في المنطقة الاقتصادية الخالصة الخاصة بلبنان والتي تبلغ مساحتها 864 كيلو متراً مربعاً في البلوك رقم 9 (يقع في أقصى جنوب الشاطئ اللبناني) من البلوكات التي أعلنت الحكومة اللبنانية عن دورة تراخيص الحفر فيها قبل أشهر، والتي تأجلت مرات عدة منذ أبريل (نيسان) الماضي لأسباب عدة. ومع أن الحفر في البلوك الرقم 9 جرى تلزيمه لتحالف شركات "توتال" الفرنسية، و"إيني" الإيطالية و"نوفاتيك" الروسية فإنه لم يبدأ بعد؛ نظراً إلى عدم حسم النزاع مع إسرائيل على الجزء الذي تدعي إسرائيل ملكيتها له. فالحفر في البلوك رقم 4 الذي يقع شمال العاصمة بيروت لم تجد فيه شركة "توتال" كمية تجارية كافية لاستثماره، لكن حسم الخلاف حول الحدود البحرية، فضلاً عن أنه يطلق الحفر في البلوكات اللبنانية، يسمح بتحديد موقع لبنان في خريطة الدول الغنية بالغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط، والتي حولتها إلى منطقة تنازع دولي على النفوذ بين القوى الإقليمية والدولية المؤثرة، نشهد فصولها السياسية والعسكرية، لا سيما بين تركيا واليونان انطلاقاً من الشواطئ القبرصية، وصولاً إلى تحويل "منتدى غاز شرق المتوسط" الذي تأسس السنة الماضية، إلى منظمة إقليمية الأسبوع الماضي. وهي تضم كلاً من مصر، الأردن، إسرائيل، قبرص اليونانية، اليونان، وإيطاليا، ويفترض أن يضم السلطة الفلسطينية أيضاً. ويشكل ذلك تحالفاً حول الطاقة ذا أبعاد جيو سياسية في العلاقة مع أوروبا، وسيكون مطروحاً على لبنان خيار الانضمام إليه من عدمه في مرحلة لاحقة وسط تحفظات مبكرة من قبل بعض قواه السياسية، لا سيما "حزب الله"، الذي ترفض أدبياته تحالفاً من هذا النوع يضم إسرائيل.

واشنطن تأمل نزع ذريعة "حزب الله"

أما الزاوية الاستراتيجية الثانية لأهمية مباشرة التفاوض فهي المتعلقة بالحدود البرية، التي تأمل واشنطن أن يؤدي ترسيمها إلى نزع ذريعة "حزب الله" للاحتفاظ بسلاحه وصواريخه في لبنان بحجة أن إسرائيل تحتل أراضي لبنانية وتخرق الحدود الدولية، فضلاً عن تعديها على حقوق لبنان في الثروة الغازية والنفطية في البحر. ويتجنب إطار التفاوض البت بمسألة مزارع شبعا المحتلة وتلال كفر شوبا التي تقع عند الحدود الشرقية ومثلث تلاقي الحدود اللبنانية – الإسرائيلية - السورية، بين منطقة الجليل الأعلى في فلسطين المحتلة، والجولان السوري المحتل، ومنطقة العرقوب الجنوبية في لبنان. وهي أراضٍ احتلتها إسرائيل في عام 1967 عند احتلالها الجولان وكانت القوات السورية موجودة فيها، بينما يملك أراضيها لبنانيون، ورفضت دمشق تقديم تنازل رسمي عنها للبنان بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوبه في عام 2000، فجرى ترسيم الخط الأزرق للانسحاب من قبل الأمم المتحدة من دون احتسابها على أنها أرض لبنانية، إلا أن "حزب الله" أصر على أنها لبنانية، وبالتالي تبرر استمرار "المقاومة" لتحريرها، فيما يعتبر فرقاء لبنانيون كثر أن "الحزب" ومعه النظام السوري الحليف له، يتذرع بها كغطاء من أجل مواصلة تسلحه لأهداف تتعلق بإبقاء نفوذ طهران في لبنان وفي سوريا، في مواجهة أميركا وإسرائيل، وأنه يستخدم لبنان كإحدى منصات الضغط الإقليمي وفقاً لمشروع إيران التوسعي.

وتذهب أوساط إلى القول إن واشنطن تهتم بنجاح هذه المفاوضات، لأنها تنهي بذلك تهديد "حزب الله" بقصف منصات حفر آبار الغاز الإسرائيلية (لم تبدأ إسرائيل بعد الحفر في المنطقة القريبة من الرقعة المتنازع عليها)، التي سبق لأمينه العام حسن نصر الله أن هدد باستهدافها، بحجة الخلاف عليها. وترى هذه الأوساط أنه في حال نجاح المفاوضات لن تعود الإدارة الأميركية قلقة على أمن إسرائيل، حتى لو بقيت صواريخ "حزب الله" في حوزته وتأخر نزعها. 
مزارع شبعا معلقة ومواكبة للتفاوض مع إيران؟

يشير تقرير "معهد واشنطن" إلى أن رسائل الضمانات الأميركية التي أعطيت لإسرائيل، لا تتعلق بمنطقة مزارع شبعا.

ورأى مراقبون أن نجاح التفاوض على الحدود في الأشهر المقبلة قد يكون إشارة إلى تقدم في مفاوضات يتردد أنها تجري تحت الطاولة بين طهران وواشنطن حول عدد من الميادين في المنطقة، أو أن إطلاقها قريباً قد يكون تم من أجل مواكبة تفاوض محتمل بينهما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، على ما تشير إليه معظم التوقعات.

وسيتم تصحيح الحدود وفق الآلية التي وضعت في مفاوضات مكوكية تولاها مسؤولون أميركيون تعاقبوا على هذا الملف، استناداً إلى الخط الأزرق الذي كانت رسمته الأمم المتحدة في عام 2000، معتبرةً أن مزارع شبعا تتبع القرار الدولي الرقم 242 المتعلق بالأراضي العربية المحتلة عام 67، ولا تندرج تحت بنود القرار الدولي الرقم 425 المتعلق بالاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان في عام 1978، والذي أعلنت المنظمة الدولية تنفيذه بانسحاب إسرائيل من جنوب لبنان في عام 2000.

ويشكل إبقاء التفاوض على الترسيم في مزارع شبعا معلقاً، إشارة تنازل من جانب لبنان في آلية التفاوض، التي تولى بري مناقشتها مع الجانب الأميركي منذ اتخذت بيروت قرار طلب وساطة واشنطن والأمم المتحدة، من أجل إطلاق المفاوضات. فتكليف بري التفاوض تقرر في عام 2018 خلال اجتماع عقده رئيس الجمهورية العماد ميشال عون معه ومع رئيس الحكومة اللبنانية آنذاك سعد الحريري، بناءً على إصرار من "حزب الله" على تولي رئيس البرلمان هذه المهمة.

المزيد من الشرق الأوسط