قال دبلوماسي كبير في الاتحاد الأوروبي، إن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو يخطط لإجراء حواره الأول في شأن الصين مع نظيره في الاتحاد الأوروبي هذا الشهر، في خطوة من شأنها أن تزعج بكين في الوقت الذي تحاول الأخيرة منع تشكيل جبهة موحدة ضدها عبر المحيط الأطلسي. ومن المتوقع أن تشمل زيارة بومبيو إيطاليا والفاتيكان، وفقاً لوسائل الإعلام الإيطالية، في محاولة لثني إيطاليا عن قبول الاستثمار الصيني في موانئها مع رصد بكين أربعة موانئ إيطالية قد تكون ضمن استثماراتها في إطار "مبادرة الحزام والطريق" الصينية. لكن بعض دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبعض أعضاء الحكومة الإيطالية قلقون من أن مثل هذا الاستثمار يمكن أن يكون "حصان طروادة" لاختراق الاقتصاد الإيطالي.
وكانت المفوضية الأوروبية قد وصفت بكين بأنها "منافس منهجي"، ودعت قادة الاتحاد الأوروبي إلى دعم مقترحاتها للحد من وجود الشركات الصينية المملوكة للدولة في أوروبا.
وتولي الصين اهتماماً غير مسبوق لخلق موطئ قدم لها في الموانئ التاريخية في أوروبا، التي يمكن أن تجلب لها ظروفاً جمركية مواتية، وطرقاً تجارية أسرع إلى قلب القارة الأوروبية، ووصولاً مباشراً إلى خطوط السكك الحديد لنقل بضائعها إلى الاتحاد الأوروبي. وواشنطن، من جانبها، كثفت جهودها في الأشهر القليلة الماضية لوقف الصفقة الإيطالية الصينية المحتملة، فهي ترى في مبادرة الحزام والطريق الصينية تهديداً اقتصادياً وعسكرياً محتملاً.
وسيناقش بومبيو مع الحكومة الإيطالية، بحسب ساوث تشاينا مورننع بوست، خطة الصين لتوسيع ملكيتها في الموانئ الإيطالية ضمن مبادرة الحزام والطريق. وبحسب المصادر، فإن ميناءين في شمال البحر الأدرياتيكي، ترييستي ورافينا، قد يكونان أيضاً جزءاً من مذكرة تفاهم بين إيطاليا والصين ضمن خطة للتنافس مع الموانئ الأوروبية الرئيسية.
الصين وحصص في الموانئ الأوروبية
وقالت الحكومة الإيطالية إن السماح لشركات الدولة الصينية بإدارة أو الاحتفاظ بحصص في الموانئ الإيطالية سيكون مفتاحاً لتوسيع الصادرات، ويخضع ميناء ترييستي الإيطالي تحديداً لاهتمام مكثف من بكين، إذ تدير الشركة الصينية العملاقة تشاينا كوميونيكيشنز كونستركشن، بعض المشاريع التجريبية في ميناء شمال إيطاليا.
يذكر أنه تم فرض عقوبات على خمس شركات تابعة لعملاق البناء الصيني، من جانب الولايات المتحدة، الشهر الماضي، بسبب تورط الشركة في عسكرة بحر الصين الجنوبي.
وذكرت وسائل إعلام إيطالية أن بومبيو سيزور إيطاليا والفاتيكان نهاية سبتمبر (أيلول) الحالي، بعد أسابيع من سفر وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى إيطاليا وأربع دول أوروبية أخرى.
وينُظر إلى رحلة وانغ على نطاق واسع على أنها جولة "للسيطرة على الضرر" نظراً لصورة الصين المتدهورة وسط جائحة فيروس كورونا وفرض قانون الأمن القومي في هونغ كونغ. وزار عضو المكتب السياسي وكبير الدبلوماسيين الصينيين يانغ جيتشي، إسبانيا واليونان بعد ذلك بوقت قصير أثناء وجوده في أثينا، وشدد على اهتمام الصين بمواصلة تطوير ميناء بيرايوس، الذي تديره شركة كوسكو شيبينغ الصينية المملوكة للدولة الصينية.
وستجرى المحادثات في وقت من المتوقع أن يجدد الفاتيكان اتفاقاً مثيراً للجدل مع الصين لتمديد اتفاق في شأن تعيين الأساقفة.
بموجب الاتفاقية، التي تم وضعها للمرة الأولى في عام 2018، يتمتع الكرسي الرسولي بدور حاسم في تعيين جميع الأساقفة في بلد انقسم فيه 12 مليون كاثوليكي بين كنيسة تحت الأرض تقسم الولاء للفاتيكان والكنيسة الكاثوليكية الوطنية الخاضعة لإشراف الدولة.
وكان وزير الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي، والتعاون الإسباني، جوزيف بوريل، قد اقترح فكرة الحوار المشترك في يونيو (حزيران) عندما انضم بومبيو إلى اجتماع افتراضي معه ووزراء الخارجية الـ27.
وقال بوريل في ذلك الوقت "هناك قضايا نواجهها معاً في العلاقة مع الصين، وحيث يكون تعاوننا الوثيق مهماً للغاية لمعالجتها بشكل مشترك". وهذا يشمل بالتأكيد الوضع في هونغ كونغ. ولم يذكر متحدث باسم الاتحاد الأوروبي إذا ما كانت محادثات بوريل مع بومبيو ستجرى شخصياً أو عن بُعد.
إذاً، تأكد اتفاق الاتحاد الأوروبي على إجراء محادثات مع واشنطن في شأن الصين، فسيأتي بعد أسبوع فقط من رئاسة الرئيس شي جين بينغ قمته الأولى مع اثنين من كبار قادة الاتحاد الأوروبي، رئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين.
وقال دبلوماسي أوروبي اشترط على "ساوث تشاينا مورننغ بوست"، عدم الكشف عن هويته، "هذا يرسل إشارة قوية إلى بكين بأن الاتحاد الأوروبي سعيد في أن يناقش مع الولايات المتحدة المخاوف المتزايدة التي نشاركها في شأن الصين، حتى مع وجود إدارة دونالد ترمب، التي ليس من المعروف أنها صديقة للاتحاد الأوروبي". وأضاف أن الحوار بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في شأن الصين سيعقد بانتظام، مضيفاً أنه من المتوقع أن يبدأ هذا الشهر.
تحفظ فرنسي- ألماني
واشنطن ليست الوحيدة التي تخشى المحاولات الصينية الهادفة إلى توسيع نفوذها في الموانئ الأوروبية، إذ أعرب أعضاء آخرون في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك فرنسا وألمانيا، عن تحفظاتهم في شأن الصفقة الإيطالية المحتملة مع الصين. ويجادل المؤيدون للصفقة في إيطاليا أنه لا يوجد ما يدعو إلى القلق وأن النقاد مستاؤون من ترييستي- والموانئ الإيطالية الأخرى فحسب، مثل جنوة وباليرمو- التي ستقطع أعمالهم. إنهم يرفضون المقارنات بميناء بيرايوس في اليونان، الذي اشترته الصين أساساً، ويقولون إن القانون الإيطالي يجعل مثل هذا الاستحواذ أو وضع مصائد الديون الصينية أمراً مستحيلاً.
وقالت ميشيل جيراسي، وزيرة التنمية الاقتصادية الإيطالية التي تدير المفاوضات مع بكين، في مقابلة، إن "السفن الصينية التي تحمل سلعاً صينية أو شبكة مصالحها الواسعة في أفريقيا تمر عبر قناة السويس تحتاج ببساطة إلى نقل سلعها إلى أسواق أوروبا الوسطى في أسرع وقت ممكن- وميناء ترييستي تفي بهذا المطلب بسرعة".
الصفقة الصينية وصُنع في إيطاليا
ويقول المسؤولون الإيطاليون إن نظراءهم الأميركيين أظهروا في البداية عدم اهتمامهم بالاتفاق. ولكن، بعد الزيارات المكوكية لنائب رئيس الوزراء الإيطالي لويجي دي مايو، زعيم حركة الخمس نجوم الشعبوية، إلى الصين في الأشهر الماضية، واقترابه من توقيع اتفاقية خاصة بالموانئ مع الصين خلال زيارته إلى بكين في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، دفعت الدبلوماسيين الأميركيين إلى التحرك على عجل لطرح قضيتهم، على رغم تأكيدات الإيطاليين أن الصفقة لم تكن على الرادار خلال اجتماعات الرفيعة المستوى في واشنطن.
في حال إتمام الصفقة، يقول المؤيدون لها إنها ستخلق تعاوناً كبيراً بين الشركات الصينية ونظيراتها الإيطالية، وتوظف عمالاً محليين لتجميع البضائع المستوردة قبل وضعها في القطارات إلى بقية أوروبا أو على متن سفن عائدة إلى الصين. إذا كان حجم العمل والمكونات المستخدمة يتوافق مع المتطلبات الجمركية، فيمكن تسمية هذه المنتجات بعلامة "صنع في إيطاليا". في حين يبرر المعارضون للصفقة من قادة الأعمال أن تبني مبادرة الحزام والطريق بالكامل من شأنه أن يجلب مخاطر ويمكن أن يعقّد الجهود لجلب استثمارات أخرى إلى الموانئ الإيطالية.
الصينيون جلبوا الأتراك
وقال روبرتو ديبيازا، عمدة مدينة ترييستي لصحيفة "نيويورك تايمز"، إن الولايات المتحدة يمكن أن تفسد الصفقة إذا ما أرادت ذلك حقاً. وأضاف أن لدى مدينته الساحلية ترييستي كثيراً لتكسبه من العلاقات الوثيقة مع الصين، لكن الصينيين يمكنهم الاستفادة أكثر من الأحواض العميقة في مينائه، والمزايا الجمركية، وساحات السكك الحديدية.
أضاف "سنجد نقطة اتفاق بين الصين والولايات المتحدة"، مستعرضاً غطاء "اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" الذي وقعه الرئيس ترمب. وأشار إلى أن إيطاليا عالقة "في المنتصف".
يعتقد بعض اللاعبين السياسيين الأكثر رسوخاً في ترييستي أن إيطاليا معرضة للخطر جراء الطموحات الصينية. وقال جوليو كامبر، وهو مُشرّع مخضرم اعتبره كثيرون الرئيس السياسي لمدينة ترييستي، إنه لم يعد لديه أي مصالح في الميناء، وإن معارضته الصفقة كانت مدفوعة بعدم ثقته في ما وصفه بالديكتاتورية الشيوعية في الصين.
وأوضح كامبر أن الصينيين كانوا وراء العديد من الشركات التركية التي تُصدر البضائع إلى الميناء. وقال إن بكين ستتغذى على الإيطاليين كما فعلوا مع اليونانيين من قبلهم، مضيفاً أن البحر المتوسط "هو الأضعف". ورفض كامبر التأكيدات المحلية والوطنية في شأن التوسع الصيني، قائلاً إن بكين ستتفوق بسهولة على المسؤولين في روما.
أضاف، "الأمر أشبه ببطل العالم في الشطرنج يلعب مع اثنين من اللاعبين الذين يلعبون من أجل المتعة، بالتالي لا يمكنك أن تتخيل ما الذي سيفعله أفضل لاعب شطرنج في العالم".
التوسع الصيني في الموانئ الأوروبية
في أوروبا وحدها، بدأت شركة كوسكو شيبنغ بورتس، الصينية المملوكة للدولة، تشغيل ميناء حاويات في بيرايوس في اليونان في عام 2008. ومذذاك، توسعت الشركات الصينية في أكبر ثلاثة موانئ في أوروبا، إذ حصلت على حصة 35 في المئة في يوروماكس في روتردام وحصة 20 في المئة في أنتويرب في بلجيكا، وتخطط لبناء محطة في هامبورغ.
وعلى الرغم من أن الصين لم تتحدث رسمياً عن أي اتفاق، فقد وافقت الحكومة الإيطالية على صفقة بين هيئة الموانئ في جنوة وشركة الشحن الصينية "تشاينا كوميونيكيشنز كونستركشن كومباني". وقال باولو إميليو سينيوريني، رئيس هيئة نظام الموانئ في غرب بحر ليغوريا، التي تسيطر على ميناء جنوة الإيطالي الكبير على البحر المتوسط لوسائل الإعلام الإيطالية: "نحن نعمل على إنشاء شركة بالشراكة مع تشاينا كوميونيكيشنز كونستركشن كومباني، التي ستساعدنا في مراحل الشراء لبعض الأعمال الرئيسية المتعلقة بميناء جنوة". أضاف "سنتوصل إلى اتفاقية تعاون مع الشركة الصينية، للاستفادة من خبرتها في الإعداد للمناقصات المتعلقة بترسية الأعمال الكبرى". وقال سينيوريني إن المجموعة الصينية "لن تقوم بأي بناء بشكل مباشر"، مضيفاً "الكلمة الأخيرة متروكة للحكومة".
وعلى الرغم من أهمية جنوة الميناء القديم بالنسبة إلى الصين، فإن لدى ميناء ترييستي إمكانيات أكبر للصين، وفقاً لمصادر الحكومة الإيطالية. وتعتبر ترييستي مهمة من الناحية الاستراتيجية بالنسبة إلى بكين لأنها ستربط البحر الأبيض المتوسط بالدول غير الساحلية، مثل النمسا والمجر وجمهورية التشيك وسلوفاكيا وصربيا، وكلها أسواق تأمل الصين الوصول إليها من خلال برنامج الحزام والطريق.
وقال ميشيل جيراسي، وكيل الوزارة الإيطالي للتنمية الاقتصادية والمدافع الرئيسي عن المشاركة الإيطالية في الحزام والطريق، إن "لدى ترييستي فرصة عظيمة لتصبح واحدة من أهم المحطات، وربما أهمها في أوروبا على طريق الحرير". وأضاف "الميناء يجب أن يكون مفتوحاً أمام الاستثمارات الصينية".
من جانبه، رفض زينو داجوستينو، رئيس هيئة موانئ ترييستي، مزاعم وسائل الإعلام الإيطالية بأن ترييستي "تُباع" للصين، قائلاً "الصينيون ببساطة مهتمون بحركة الحاويات لأنهم يدركون أن ترييستي هي بوابة مميزة لأوروبا".
وكشف رئيس هيئة موانئ ترييستي عن أن "تشاينا ميرشانتس"، وهي شركة مملوكة للدولة مقرها هونغ كونغ، تجري محادثات لإنشاء مشروع مشترك لمحطة في ترييستي.
لكن الاقتراح يعارضه البعض. فقد رفض حاكم فينيتو، المنطقة المجاورة لترييستي التي تدير البندقية، الصفقة الإيطالية- الصينية باعتبارها "شكلاً جديداً من أشكال الاستعمار".
وقال لوكا زايا "لقد غزا الصينيون أفريقيا ويستعدون للقيام بذلك أيضاً مع أوروبا، مع موانئنا". وأضاف "أمن الموانئ يمثل تحدياً كبيراً".