كشفت وثائق مسربة تنطوي على معاملات بقيمة 2 تريليون دولار، كيف سمح بعض أكبر البنوك في العالم للمجرمين بنقل الأموال القذرة في جميع أنحاء المعمورة.
وقال التحقيق الذي أجراه موقع "بازفيد نيوز" و"الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية" (آي سي آي جاي) بمشاركة 108 مؤسسات إعلامية من 88 دولة إن "أرباح حروب عصابات المخدرات الدامية والثروات المنهوبة من الدول النامية والمدخرات التي كد أصحابها لجمعها ثم تم السطو عليها بطريقة بونزي الاحتيالية، جميع هذه الأموال سُمح لها بالتدفق من وإلى هذه المؤسسات المصرفية، على الرغم من تحذيرات موظفي هذه المصارف".
ويستند التحقيق إلى آلاف الوثائق المسربة لـ"تقارير الأنشطة المشبوهة" التي قُدمت إلى وكالة مكافحة الجرائم المالية (فنسن FinCEN) في وزارة الخزانة الأميركية.
وتعد الوثائق من أكثر أسرار النظام المصرفي الدولي التي تخضع للحراسة المشددة، وعادة ما تستخدمها البنوك للإبلاغ عن سلوك مشبوه ولكنها ليست دليلاً على ارتكاب مخالفة أو جريمة. والمثير أن الوثائق المسربة تضع بريطانيا، المركز المالي العالمي، في قلب عمليات غسيل الأموال في العالم.
والوثائق المسربة هي الأحدث في سلسلة تسريبات على مدى السنوات الخمس الماضية كشفت عن صفقات سرية وغسيل أموال وجرائم مالية. وكتبت "بازفيد" في مقدمة التحقيق "هذه الوثائق التي جمعتها المصارف وتم تشاركها مع الحكومات، لكنها أبقيت بعيداً عن أنظار العامة، تكشف الفجوات في إجراءات الحماية لدى المصارف وسهولة استغلالها من قبل المجرمين".
وتكشف الوثائق بحسب "بي بي سي"، عن سماح بنك "إتش أس بي سي"، للمحتالين بنقل ملايين الدولارات من الأموال المسروقة في جميع أنحاء العالم، حتى بعد أن علم من المحققين الأميركيين أن المخطط كان عملية احتيال.
وأشارت أيضاً إلى سماح بنك "جي بي مورغان" لشركة ما بنقل أكثر من مليار دولار عبر حساب في لندن من دون معرفة من يملكه. واكتشف البنك لاحقاً أن الشركة قد تكون مملوكة لعصابة مدرجة في قائمة مكتب التحقيقات الفيدرالي العشرة الأكثر طلباً.
وقام دويتشه بنك بنقل الأموال القذرة لغاسلي الأموال للجريمة المنظمة والإرهابيين وتجار المخدرات.
وقدمت الوثائق دليلاً على أن أحد أقرب المقربين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استخدم بنك "باركليز" في لندن لتجنب العقوبات التي كانت تهدف إلى منعه من استخدام الخدمات المالية في الغرب، وتم استخدام بعض النقود في شراء أعمال فنية.
"ولاية قضائية عالية الخطورة"
ويُطلق على المملكة المتحدة "ولاية قضائية عالية الخطورة" مثل قبرص، وفقاً لقسم الاستخبارات في "فنسن" وهذا بسبب عدد الشركات المسجلة في المملكة المتحدة التي تظهر في التقارير، وتمت تسمية أكثر من 3000 شركة بريطانية في تلك الملفات، أكثر من أي دولة أخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لماذا هذه التسريبات مختلفة عما قبلها؟
كان هناك عدد من التسريبات الكبيرة للمعلومات المالية في السنوات الأخيرة، بما في ذلك:
- أوراق الجنة 2017، مجموعة ضخمة من المستندات المسربة كشفت كيف استثمر بعض الأثرياء في العالم أموالهم، وتضم حوالي 13.4 مليون وثيقة، معظمها من شركة رائدة في التمويل الخارجي.
- أوراق بنما لعام 2016، أظهرت وثائق مسربة من شركة المحاماة "موساك فونسيكا" مزيداً حول كيفية استخدام الأثرياء لأنظمة الضرائب الخارجية لصالحهم.
- سويس ليك 2015، أظهرت وثائق من بنك "إتش أس بي سي" السويسري الخاص كيف كان يستخدم قوانين السرية المصرفية في البلاد لمساعدة العملاء على تجنب دفع الضرائب.
- ليوكسل ليكس 2014، احتوت مستندات من شركة "برايس ووتر هاوس كوبر" للمحاسبة تُظهر أن الشركات الكبرى تستخدم صفقات ضريبية في لوكسمبورغ لتقليل المبلغ الذي يتعين عليهم دفعه.
والأهم هو أن وثائق "فنسن" مختلفة، فهي ليست مجرد مستندات من شركة أو شركتين، لكنها مجموعة من البنوك تسلط الضوء على عدد من الأنشطة المشبوهة المحتملة التي تشمل الشركات والأفراد، وتثير أيضاً تساؤلات حول سبب عدم تصرف البنوك التي لاحظت هذا النشاط دائماً بشأن مخاوفهم.
وشدد التحقيق على افتقار السلطات الأميركية للصلاحيات اللازمة لضبط تحويلات الأموال القذرة.
وقالت وكالة مكافحة الجرائم المالية الأميركية "فنسن" في بيان صدر قبل نشر التحقيق، إن "الكشف (من دون ترخيص) عن تقارير الأنشطة المشبوهة يعد جريمة يمكن أن تمس بالأمن القومي للولايات المتحدة". لكنها أعلنت الأسبوع الماضي مقترحات لإصلاح برامج مكافحة غسل الأموال.
وكشفت المملكة المتحدة أيضاً عن خطط لإصلاح سجلها لمعلومات الشركة لتضييق الخناق على الاحتيال وغسل الأموال.
ما هي ملفات "فنسن"؟
"فنسن" هي شبكة التحقيق في الجرائم المالية الأميركية، تتألف من عاملين في وزارة الخزانة الأميركية ممن يكافحون الجرائم المالية، وعادة ما يتم إرسال المخاوف بشأن المعاملات التي تتم بالدولار الأميركي إلى الشبكة، حتى لو تمت تلك المعاملات خارج الولايات المتحدة. هناك أيضاً "سار-SAR" أو تقارير الأنشطة المشبوهة، وهي مثال على كيفية تسجيل هذه المخاوف، حيث يطلب من البنك إعداد تقرير إذا كان يشعر بالقلق من أحد عملائه ويتم إرسال التقرير إلى السلطات للتحقق من العميل.
تتكون ملفات "فنسن" من أكثر من 2500 وثيقة، معظمها كانت ملفات أرسلتها البنوك إلى السلطات الأميركية بين عامي 2000 و 2017 تثير مخاوف بشأن ما قد يفعله عملاؤها. وقام مئات الصحافيين بغربلة الوثائق الفنية الكثيفة، وكشفوا عن بعض الأنشطة التي تفضل البنوك ألا يعرفها الجمهور.
غسل الأموال
هو عملية أخذ الأموال القذرة - عائدات الجرائم مثل الاتجار بالمخدرات أو الفساد - وإيداعها في حساب في بنك محترم وبالتالي غسلها حتى لا تكون مرتبطة بالجريمة. ومن المفترض أن تتأكد البنوك من أنها لا تساعد العملاء في غسل الأموال أو تحريكها بطرق تخالف القواعد.
بموجب القانون، يتعين على البنوك معرفة عملائهم، و لا يكفي تقديم تقارير "سار" والاستمرار في أخذ الأموال القذرة من العملاء، بينما يتوقعون أن تتعامل السلطات مع المشكلة. إذا كان لدى البنوك دليل على نشاط إجرامي، فيجب عليهم التوقف عن نقل الأموال.
وقال فيرغوس شيل من الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين إن الملفات المسربة وفرت نظرة ثاقبة لما تعرفه البنوك عن التدفقات الهائلة للأموال القذرة في جميع أنحاء العالم". وأضاف إن الوثائق سلطت الضوء أيضاً على المبالغ المالية الضخمة بشكل غير عادي.