Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"جائحة" الاحتيال الإلكتروني في مصر "بنكهة كورونا"

فستان زفاف الأميرة ديانا مصنوع بـ"وكالة البلح" و"السعر إنبوكس"

مواقع التواصل الاجتماعي حافلة بكافة صنوف النصب الإلكتروني  (أ ف ب)

خلف الصناديق المغلقة يحدث الكثير، وفي داخل الغرف المظلمة يخضع البعض للنصب ويتعرض الآخر للاحتيال، ويبقى فريق ثالث دائماً وأبداً قابضاً على جمرة بيع قطعة أرض في صحراء نائية على أنها واحة غنّاء، أو عرض فستان زفاف خاص على أنه صورة طبق الأصل لما ارتدته الأميرة ديانا في زفافها الملكي رغم أنه صنع في وكالة البلح؛ وهي سوق شعبية لبيع الملابس المستعملة والأقمشة درجة ثانية وثالثة في مصر. وتوصيل المطهرات النقية والكمامات الطبية لباب البيت رغم أنها مواد كيماوية لا تصلح للاستخدام وكمامات مصنوعة تحت بئر السلم.

بئر السلم عامر

لكن بئر السلم دائماً عامر بما لذ وطاب من صنوف النصب بأنواعه والاحتيال بدرجاته، وهما النشاطان الأزليان اللذان يشهدان انتعاشاً وابتكاراً وانتشاراً بفضل الفيروس الجائح. وفي أسابيع الحظر والإغلاق الجزئيين والأيام القليلة الماضية من العودة للحياة الطبيعية "الجديدة" بمقاييس الوباء، تفاقمت ظاهرة ما بات يعرف بـ"السعر إنبوكس" لتصبح جائحة تنافس كورونا نفسه في الانتشار والإصابات.

أصيب تامر فوزي، 25 عاماً، بحالة ضحك هستيري تبعتها موجة غضب عارمة ما إن فتح العلبة الأنيقة التي وصلت باب بيته عبر صفحة أنشأها أحدهم على "فيسبوك" لبيع الأدوات الرياضية "الأصلية" بسعر الجملة.

فوزي الذي يعمل من البيت منذ شهر مارس (آذار) الماضي كان دائم التردد على صالة ألعاب رياضية بصفة يومية قبل الوباء. لذلك قرر أن ينشئ "ميني جيم" في البيت بسعر معقول، انضم إلى الصفحة المذكورة، وتصفح ما عليها من أدوات رياضية، واختار "سوستة تمارين شد الصدر" و"عمود صلب لرفع الأثقال" ومعه طارات بأوزان مختلفة.

يقول: "حين استفسرت عن الأسعار، جاءني الرد بأنه تم التواصل عبر (إنبوكس)، وجدتها معقولة، فمضيت قدماً وسددت السعر المطلوب عبر تحويل مالي عبر الإنترنت. وحين وصلت الأدوات فتحتها وفوجئت بـ"سوستة شد الصدر" لا تتحمل شد إصبع وليس صدراً، والعمود "الصلب" أقرب ما يكون إلى إناء الطهي الألومنيوم الردىء، والأحمال أشبه بلعب الأطفال سيئة الصنع".

يشير فوزي إلى أن هستيريا ضحك أصابته في البداية، لكن حين انتهت النوبة، استشاط غضباً. نصحني والدي أن أنسى الأمر قائلاً، إن "القانون لا يحمي المغفلين"، وهو الوصف الذي دفعني لمخاطبة مسؤولي الصفحة الذين توقفوا عن الرد، بل ومنعوني من متابعة الصفحة".

القانون والمغفلون

وإذا كان القانون لا يحمي المغفلين بالفعل، فقد هب "جهاز حماية المستهلك" لنجدة المستهلكين قبل أن يصلوا إلى مرحلة "المغفلين". القائم بأعمال رئيس مجلس إدارة جهاز حماية المستهلك أحمد سمير فرج خرج قبل أيام ليحذر جموع المصريين من فخ "السعر إنبوكس". قال فرج إن أي منتج معروض للبيع، سواء في المحلات التجارية أو على مواقع وتطبيقات الإنترنت، يجب أن يكون مسعراً بشكل واضح، مشيراً إلى أن حيلة "السعر إنبوكس" غالباً تدل على أن الشركة أو التاجر سيحدد سعراً غير مناسب، ومن المرجح أن يجد المستهلك مثيله أو بديله بسعر أرخص في أماكن أو مواقع أخرى.

لكن هناك من يدافع عن منظومة "السعر إنبوكس" لأسباب مختلفة. تقول مسؤولة المبيعات والتسويق في إحدى شركات التطوير العقاري آية طاهر، إنه منذ انتشار فيروس كورونا ووقف الملايين عن الخروج من بيوتهم بشكل طبيعي وممارسة الأعمال من البيت، وقررت الشركة التي تعمل فيها تحويل الجانب الأكبر من عملها الترويجي والتسويقي إلى الإنترنت وتحديداً "فيسبوك" ومجموعات "واتساب".

تقول، "في بعض الأحيان نعرض الوحدات السكينة مصحوبة بالسعر المطلوب، وفي أحيان أخرى نشير إلى أن على المهتمين إرسال رسالة لنا لنتواصل معهم. هنا نقوم بإفادتهم بالسعر على الخاص وليس على الصفحة. وهذا يعود إلى أن البعض من المتصفحين يبدأون في انتقاد السعر، لا سيما حين تكون فيلا مثلاً في الساحل الشمالي أو منطقة التجمع لأن سعرها يبلغ عدة ملايين. هذه الانتقادات تؤثر سلباً في العميل المهتم. وأحياناً تتحول الانتقادات إلى موجات من السخرية وهو ما يهز هيبة الشركة وخدماتها".

"قصر لعظيم"

"قصر لعظيم في منطقة المريوطية يتكون من عشر غرف نوم، وسبع قاعات استقبال، و11 حماماً، وثلاثة مطابخ، وحمام سباحة، وأربع غرف للخدم، وحديقة مثمرة 2000 متر مربع، وجاكوزي، وقاعة عرض سينمائي. السعر 35 مليون جنيه (ما يناهز مليونين وربع مليون دولار)".

مثل هذه الإعلانات تتحول بعد دقائق من تحميلها على الإنترنت إلى ملعب للسخرية، "هل يمكن شراء غرفة خدم؟" "نبغي ثلاثة قصور"، "ممكن نسدد مقدم عشرة آلاف جنيه (643.5 دولار)؟". وغيرها من التعليقات تدفع بعض الشركات إلى اعتناق مبدأ "ابعد عن العام وغني له".

لكن هذا النوع من الغناء معرض للعقوبة التي قد تصل إلى مليوني جنيه مصري (126 ألفاً و891 دولاراً)، حسبما يؤكد أحمد سمير فرج، الذي يقول، إن الجهاز بدأ في رصد الشركات التي تنتهج نهج الإنبوكس، أو تعلن منتجات أو خدمات دون تحديد أسعارها. ويتم إنذار الشركة المخالفة ومنحها 48 ساعة مهلة لتصحيح الوضع. وفي حال عدم الالتزام يتم توقيع عقولة عليها". وتتراوح العقوبات المقررة بين عشرة آلاف (643.5 دولار) إلى مليوني جنيه مصري (126 ألفاً و891 دولاراً) بحسب نوع وحجم المخالفة.

 

 

مخالفات أخرى

مخالفات من نوع آخر تملأ أثير الإنترنت هذه الآونة. تقول نهلة، مدبرة صفحتين "غير تجاريتين" على "فيسبوك" الأولى مخصصة لبيع الأثاث والإكسسوارات المنزلية والثانية لبيع الملابس والأحذية، إن المسألة محكومة إلى حد كبير لمنع حدوث عمليات نصب أو احتيال. "لا يتم قبول الأعضاء إلا إذا كانوا مرشحين من أعضاء قدامى على الصفحة ومعروفين بنزاهتهم وعدم قيامهم بالبيع لتحقيق أرباح تجارية. كما يشترط في عرض أي قطعة أثاث أو ملابس أن تكون مصحوبة بشرح وافٍ لحالتها ومقاساتها وسعرها، وإلا يتم حذف التدوينة فوراً. لكن الحذر لا يمنع النصب أحياناً".

تضيف أن الصحفتين شهدتا زيادة ملحوظة في محاولات البعض بيع قطعة أثاث أو ملابس غير مطابقة لمواصفات الشرح في التدوينة. وترجح أن هؤلاء، وهم نسبة قليلة جداً على حد قولها، ربما استغلوا فرصة أن الوباء منع الغالبية من تفقد المنتج بأنفسهم قبل الشراء للتأكد من حالته، والاكتفاء بالصورة وتوصيله إلى باب البيت.

تقول، "قبل نحو أسبوعين، استنجدت بي إحدى الأعضاء على صفحة بيع الأثاث. أرسلت لي صورة عرض أريكة صالون "فاخرة، قماش مستورد" كالجديدة تماماً" مصحوبة بصورة الأريكة بعد شرائها ووصولها إلى بيتها حيث أريكة متهالكة مليئة ببقع اتضح أنها بول قطط ومهلهلة تماماً من الخلف بفعل سن القطط أظافرها في القماش. صاحبة الأريكة الأصلية رفضت رد قيمتها، وبررت اختلاف الصورتين بأن القطط كثفت عملية التبول وسن الأظافر خلال أسبوع ما قبل إبرام البيع".

عقوبة الطرد

العقوبة الوحيدة التي يمكن تنفيذها على البائعة كان طردها من الصفحة، وذلك لأن الصفحة ليست جهة بيع وشراء رسمية. صحيح أنه في إمكان المشتري أن يلجأ إلى القضاء، إلا أن الغالبية تختصر طريق القضاء الطويل في مثل هذه الحالات وتستعوض الله مع بعض الحسبنة والحوقلة.

الحسبنة والحوقلة على أثير العنكبوت على من نصب واحتال تلقيان الكثير من التعضيد والتأييد، لكنهما يفتحان كذلك أبواب سرد التجارب المشابهة حيث قصص وحكايات يشيب لها الولدان عن الوقوع في براثن الإنبوكس التي لا تترك راغباً في الشراء إلا وقنصته.

قنص من نوع فريد تعرضت له ماجي أحمد، 48 عاماً، وكلفها نحو 50 ألف جنيه مصري ( 3171 دولاراً).

 بدأت القصة حين كتبت على صفحة على فيسبوك متخصصة في تقديم الإرشادات والإجابات وعناوين الفنيين لأعمال السباكة والنجارة والكهرباء وغيرها لتسأل عن نجار شاطر لأنها في مرحلة فرش شاليه في الساحل الشمالي، تزامن ذلك مع بداية انتشار وباء كورونا، لذلك كانت سعيدة جداً حين وجدت في "الإنبوكس" الخاص بها صوراً لغرف نوم وطعام ومطابخ "أروع من الروعة" على حد وصفها وبأسعار جيدة.

تقول، "كنت متخوفة من التوجه إلى المحلات وورش النجارة لانتشار كورونا، لذلك وجدت في التعامل الافتراضي حلاً مريحاً جداً. قدم مرسل الصور لي نفسه بأنه مهندس ديكور ولديه ورشة نجارة، وقال إن ما في الصور من إنتاج ورشته، لذلك أرسلت له المقاسات المطلوبة وعربوناً تحت الحساب. وبعد شهر طلبت منه أن يرسل لي صور لما تم إنجازه، لكنه أخبرني أنه يفضل الانتظار عشرة أيام لأن الغرف ستكون مفاجأة".

تستطرد وهي تبتسم وعيناها مليئتان بدموع الغيظ والغضب، "وفي الموعد المحدد للتسليم سافرت إلى الساحل الشمالي، ووصل المهندس في الوقت المحدد لأفاجأ بأن مهندس الديكور خريج معهد لاسلكي كما هو موضح في هويته الشخصية التي تركها على بوابة الدخول اتباعاً لقواعد الأمن، وأن الغرف التي يجري تسليمها خردة من أردأ أنواع الأخشاب". وحتى يزيد طين الادعاء بلة، اكتشفت أن المدعو لا يملك ورشة ولا يحزنون، أي أنه ليس مسجلاً في أي أوراق رسمية باعتباره صاحب عمل يسدد ضرائب ويلتزم بقواعد، باستثناء قواعد التعامل الافتراضي حيث ما يظهر في الصور والتدوينات أحياناً لا علاقة له من قريب أو بعيد بالحقيقة المرة.

قواعد التسوق لا يقرأها أحد

جهاز حماية المستهلك بح صوته من تكرار قواعد التسوق على الإنترنت. "اعلم مع من تتعامل. تأكد من العنوان الحقيقي للبائع. وكذلك رقم هاتفه. تأكد من المنتج الذي تشترينه ومواصفاته المكتوبة على الموقع أو الصفحة، بما في ذلك الملحوظات المكتوبة بفونط منتهى الصغر أسفل الصفحة. تأكد من قمية الشحن والتسليم لأنه أحياناً تفوق كلفة المنتج. سدد السعر بالبطاقة الائتمانية أو الدفع الآجل لضمان الحماية. تأكد من شروط البيع حيث سياسة الاسترجاع والاستبدال. اطبع سجلات تعاملات الشركة على الإنترنت واحتفظ بها".

 وتتواتر تحذيرات جهاز حماية المستهلك القيمة التي قلما يقرأها أحد باستثناء الخارجين لتوهم من عملية نصب أو احتيال والباحثين عن منجد. "يمكن لأي شخص أن يؤسس متجراً على الإنترنت ويستخدم أي اسم. ولو تلقيت رسالة عبر البريد الإلكتروني من البائع يطلب فيه معلوماتك المالية قبل إتمام علمية الشراء، اعلم أنك على الأرجح تتعامل مع شركة غير حقيقية. الشركات الحقيقية لا تطلب هذه البيانات على البريد الإلكتروني".

"قبل الشراء قارن العروض على طريقة apples to apples. لا ترسل مبالغ نقدية تحت أي ظرف من الظروف" وتمضي التحذيرات قدماً، لكن تمضي كذلك عمليات البيع غير الأمين والشراء غير المضمون والسعر إنبوكس قدماً، حيث تقدم إمكانات التسوق الإلكتروني المتزايدة والمتشابكة فرصاً ذهبية للجميع في زمن كورونا، بغض النظر عن النوايا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

رب ضارة نافعة

وعلى الرغم من الآثار المحمودة للجائحة، التي دفعت 44 في المئة من المصريين المشاركين في استطلاع أجرته شركة "فيزا" للمدفوعات الإلكترونية توقفوا عن التردد على المحلات التجارية وباتوا يعتمدون على التسوق والدفع الإلكتروني خوفاً من الوباء.

ويتوقع العديد من خبراء التسوق الإلكتروني والعاملين فيه بأن يستمر هذا التوجه حتى بعد انتهاء أو تقلص الوباء. وتشير دراسة مبنية على استطلاعات رأي أجرتها شركة "إي ماركتينغ إيجيبت" المتخصصة في مجال التسوق عبر مواقع التواصل الاجتماعي أنه منذ منتصف مارس (آذار) الماضي وهو وقت إعلان منظمة الصحة العالمية فيروس كورونا جائحة عالمية، ومبيعات التسوق الإلكتروني تزيد وتتضاعف. وعللت الدراسة ذلك بمخاوف المصريين من الوباء والبقاء في البيت والتحول السريع جداً نحو التكنولوجيا الذي شهده المجتمع المصري على أصعدة التعليم والعمل والإرشادات الطبية والتسوق بما في ذلك منتجات البقالة والخضراوات والفواكه.

لكن شراء البقالة والخضراوات والفواكه تظل الأقل مخاطرة مقارنة بشراء أريكة مهلهلة بدت في عرض البيع وكأنها خارجة لتوها من مصنع الأرائك، أو "عمود رياضي مصنوع من الصلب لرفع الأثقال" تحول على باب البيت إلى عصا لا تتحمل وزن كتكوت، أو مهندس ديكور متخصص في صناعة الأثاث يتضح أنه خريج معهد لاسلكي. جميعهم يحتمي بـ"الإنبوكس" ويستمد قوته من النصب الافتراضي والاحتيال العنكبوتي مستغلين القانون الذي لا يحمي المغفلين العنكبوتيين.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات