من المحتمل أن تواجه أوروبا أزمة لاجئين جديدة إذا لم يتحسّن وضع الاقتصاد اللبناني الذي ينازع، على نحو ما نبّه رئيس جمهورية البلاد.
لجأ أكثر من 1.5 مليون سوري حالياً إلى لبنان، وصار موطن أعلى عدد من اللاجئين في العالم قياساً إلى عدد سكّانه.
وأعلن الرئيس اللبناني ميشال عون يوم الثلثاء أنّ "موجات" من اللاجئين قد تتوجّه إلى أوروبا في وقتٍ قريب. وأوردت وكالة الأنباء الروسية (تاس) أنّ الرئيس عون صرّح يوم الثلثاء خلال زيارة رسمية له إلى موسكو لمناقشة أزمة اللاجئين أنّ "أوروبا معنية في شكلٍ مباشر بتسوية الوضع في هذا المجال، إذ إن اللاجئين السوريين المقيمين في لبنان يعبّرون عن استيائهم من الوضع الاقتصادي في البلاد، الأمر الذي سيؤدي إلى موجة جديدة من الهجرة إلى أوروبا".
وأسهم وجود اللاجئين السوريين في بروز شقاق عميق في البلاد خلال الأعوام الثمانية الماضية، وكان مرآة الانقسام السياسي في البلاد حول الحرب الأهلية السورية.
ويخشى كثيرون من أنّ يؤدّي أي توطين طويل الأمد لهذا العدد الضخم من السوريين إلى زعزعة التوازن الطائفي الدقيق في البلاد حيث تتشارك السلطة مذاهب دينية كثيرة.
غير أنّ التأثير الاقتصادي لأزمة اللاجئين صار مسألة ضاغطة وملحّة مع تدهور الوضع المالي للبلاد.
فخلال السنوات القليلة الماضية، تفاقمت المشاكل الاقتصادية التي تعود إلى ما قبل الأزمة السورية - ومنها بطالة الشباب والتضخّم وبلوغ الدين العام أعلى المستويات في العالم قياساً إلى الناتج المحلي الإجمالي. وكانت وكالة موديز خفّضت التصنيف الائتماني للبنان في يناير (كانون الثاني)، وصار في مصاف واحد مع كلّ من الغابون وزامبيا والعراق وأوكرانيا.
وأعاق الركود السياسي الراسخ إحراز أيّ تقدّم في حل هذه المسائل، ولكن يعتبر البعض أنّ السياسيين استخدموا اللاجئين السوريين كبش فداء وألقيت عليهم لائمة العلل التي تضرب البلاد.
وجاءت تصريحات الرئيس عون في وقتٍ تضغط الحكومة اللبنانية على اللاجئين السوريين للعودة إلى بلادهم على الرغم من إعلان الأمم المتحدة أنّ سوريا ليست آمنة بعد. وفي السنوات الأخيرة، صعبت الحكومة على السوريين العمل في شكلٍ قانوني إلى حد الاستحالة تقريباً، وزادت رسوم تجديد أوراق إقاماتهم. ويعيش أكثر من نصف اللاجئين السوريين في لبنان في فقرٍ مدقع، وثمة عائلات تعيش بأقلّ من 3 دولارات في اليوم.
عاد حوالي 170 ألف لاجىء سوري من لبنان إلى وطنهم منذ ديسمبر (كانون الأول) في العام 2017 وفق السلطات اللبنانية. غير أنّ الناشطين قالوا إن الحكومة السورية اعتقلت المئات لدى عودتهم واختفوا في دهاليز نظام سجونها المهلكة.
وتوجّه عدد أصغر من اللاجئين إلى الجهة الأخرى من العالم، نحو أوروبا. وأعادت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة توطين 37.079 لاجئاً سورياً في البلدان الأوروبية منذ العام 2011. وفي السنة الماضية، حاولت مجموعات صغيرة من اللاجئين بلوغ أوروبا في شكلٍ غير قانوني على متن قوارب. وفي سبتمبر (أيلول) العام 2018، غرق زورق كان يتوجه إلى قبرص ويقلّ 40 لاجئاً قبالة الشاطئ اللبناني، ولقي الطفل الفلسطيني خالد نجمة حتفه في الحادثة.
ولكن، ليس هناك حتّى اليوم أيّ مؤشر إلى قدرة السوريين على المغادرة الجماعية إلى أوروبا أو إلى رغبتهم في ذلك.
وأبلغ مدير لجنة الإنقاذ الدولية في لبنان، ماتياس ماير، موقع "الاندبندنت" "على الرغم من الفقر المدقع الذي يواجه اللاجئين السوريين، يُرجّح أن تبقى الغالبيّة الساحقة في لبنان وأن تواجه مزيداً من المشقّات في المستقبل المنظور". وأضاف "يدرك اللاجئون السوريون في لبنان جيداً أنّ محاولة العبور إلى أوروبا صارت اليوم أكثر صعوبة وأشدّ خطورة، ووفق الأمم المتحدة، يعتقد 5 في المئة من اللاجئين فقط أنهم سيعودون إلى سوريا خلال العام المقبل".
وتقدر الأمم المتحدة أن حوالي 250 ألف سوريّ قد يعودون من مختلف أنحاء المنطقة إلى ديارهم خلال العام الحالي، في وقت أوقفت الدول الغربية دعمها هذه الخطوة قبل التوصّل إلى حلّ دبلوماسي شامل للصراع. وقد ترمي تصريحات الرئيس عون إلى الضغط على الدول الأوروبية لإعادة النظر في هذا الموقف.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال عون في حديثه أمام البرلمان الأوروبي في سبتمبر الماضي، إنّ المجتمع الدولي "لم يتحمّل مسؤولياته في دعم لبنان للتخفيف من تأثير هذا النزوح انطلاقاً من مبدأ تقاسم الأعباء والمسؤوليات بين الدول". وأعلن أنّ "لبنان يسعى إلى تأمين عودة كريمة وآمنة للنازحين إلى ديارهم، ويرفض أي مماطلة في هذا الشأن" مضيفاً أنّ لبنان "يرفض ربطها (العودة) بحل سياسي طويل الأمد".
ترى الأستاذة المساعدة في قسم العلوم الإدارية في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتورة، كارمن جحا، أنّ الرئيس كان "يذكّر العالم بأنّ لبنان يتحمل عبئاً كبيراً، وهو كذلك فعلاً. وهذه إستراتيجية تعيد لبنان مجدداً إلى الخريطة (الدولية)". وأضافت قائلةً: "المسألة برمّتها مسيّسة للغاية، فمختلف الأحزاب يستخدمونها لغاياتٍ مختلفة. تبرز مسألة إذا كان علينا تطبيع العلاقة مع (الرئيس السوري) بشار الأسد، ووجوب ضلوعه في إعادة الإعمار. في الوقت نفسه، هؤلاء الأشخاص عالقون في شدّ الحبال هذا".
على الرغم من الضغط من أجل حملهم على العودة، تواصل مجموعات حقوق الإنسان الحثّ على التزام الحذر.
وأبلغت الناشطة الإقليمية في سوريا لدى منظمة العفو الدولية، "أمنستي"، لين هاشم موقع "الاندبندنت" بأنّ "الظروف ليست بالتأكيد مواتية للعودة. فالنزاع لم ينتهِ بعد في بعض الأجزاء من سوريا وشهدت البنى التحتية مستويات هائلة من الدمار. كما تواصل الحكومة وجماعات المعارضة المسلحة انتهاك حقوق الإنسان - وخصوصاً انتهاك النظام هذه الحقوق من طريق الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري".
© The Independent