قد يكتسب استبدال البشر بالآلات مزيداً من السرعة في الأشهر المقبلة مع انتقال الشركات من وضع البقاء على قيد الحياة إلى معرفة كيفية العمل أثناء استمرار جائحة كورونا. من التجارة والمصارف إلى صناعة السيارات والتدوير وصولاً بالرعاية الصحية والغذاء والخدمات الحكومية، زاد استخدام الروبوتات بشكل كبير في الأشهر الأخيرة مع تزايد معدلات الإصابة بفيروس كورونا والتي تجاوزت 29 مليون إصابة في العالم حتى الآن، بحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية، ولملء الفراغ الذي خلفه غياب الموظفين بفعل الإغلاق الذي فرضه الوباء.
في هذا الإطار، كان نشر الروبوتات بمثابة استجابة سريعة لتفشي فيروس كورونا، مما دفع دول العالم للاستعانة الفجائية بالروبوتات في عمليات تنظيف الأرضيات في المطارات والموانئ وقياس درجات حرارة الناس للكشف عن الإصابات، واتجهت المستشفيات والجامعات لنشر "سالي" (روبوت لصنع السلطة ابتكرته شركة التكنولوجيا تشوبوتكس)، ليحل محل موظفي قاعة الطعام. خوفاً من العدوى، وأقبلت مراكز التسوق والملاعب على شراء روبوتات الحراسة من نايتسكيب، للقيام بدوريات التفقد في العقارات الخالية؛ تحولت الشركات التي تصنع الإمدادات حسب الطلب مثل أسرة المستشفيات ومسحات القطن إلى موردي الروبوتات الصناعية ياساكاوا، للمساعدة في زيادة الإنتاج، واستبدلت العديد من محلات الوجبات السريعة طباخيها بالآلات، ليتحول العالم في أقل من 9 أشهر لعالم الأتمتة والروبوتات والذكاء الاصطناعي. والسؤال هنا ما مستقبل البشر بعالم الآلة في ظل عدم اليقين الذي يعيشه العالم اليوم مع تراجع أداء الاقتصادي العالمي وإغلاق الشركات وملايين الوظائف المفقودة وشح السيولة، والأهم غياب لقاح لوباء، ما إن تنتهي موجة منه حتى تبدأ أخرى.
في هذا الصدد، يقول دانيال سسكيند، متخصص في الاقتصاد بكلية باليول في جامعة أكسفورد، ومؤلف كتاب "عالم بلا عمل: التكنولوجيا والأتمتة"، لقد أوجد هذا الوباء حافزاً قوياً جداً لأتمتة عمل البشر". وأضاف "الآلات لا تمرض، ولا تحتاج إلى عزل لحماية أقرانها، ولا تحتاج إلى إجازة من العمل، ولا تحتاج إلى راتب".
وهو ما يدفع اليوم ملايين الشركات في العالم لاستبدال الموظفين والعمال بالآلة. في الولايات المتحدة على سبيل المثال، يمكن للروبوتات أن تحل محل ما يصل إلى مليوني عامل في التصنيع وحده بحلول عام 2025، وفقاً لورقة بحثية حديثة أعدها الاقتصاديون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة بوسطن.
42 في المئة من الوظائف المفقودة قد ولت إلى الأبد
بحسب فيتشروم للبحوث التكنولوجية، فإن دراسة حديثة لشركة هوني وييل، وجدت أن أكثر من نصف الشركات الأميركية مستعدة لزيادة استثماراتها في الأتمتة للبقاء على قيد الحياة مع تغيرات السوق التي أحدثها الوباء، ويتوقع أن يصل الإنفاق في أتمتة العمليات الروبوتية إلى 25 مليار دولار بحلول عام 2025 من 3.6 مليار دولار حالياً.
وبحسب مجلة التايم، فإن نحو 400 ألف وظيفة فقدت بسبب الأتمتة في المصانع الأميركية من عام 1990 إلى عام 2007، واليوم وبسبب كورونا يتسارع الدافع لاستبدال البشر بالآلات في وقت تكافح فيه الشركات لتجنب العدوى في أماكن العمل، ولخفض كلفة التشغيل بعد أن رأينا كيف وأد الوباء 40 مليون وظيفة في الولايات المتحدة وحدها، وتقدر مجموعة من الاقتصاديين بحسب مجلة التايم، أن 42 في المئة من الوظائف المفقودة قد ولت إلى الأبد.
ويتفق كثيرون مع سسكيند، على أن إحدى الفوائد الأكثر وضوحاً لتوظيف "الروبوتات" في عدم قدرتهم على الإصابة بالمرض، وبالتالي يمكنهم تولي وظائف محفوفة بالمخاطر من شأنها أن تعرض العمال البشريين للخطر من خلال الاتصال الجسدي المتكرر أو المطول مع الآخرين. لهذا السبب، شكلت جائحة كوفيد-19 الحافز لنقطة انعطاف في نمو تعاون القوى العاملة بين الإنسان والآلة مع إمكانية ميل كفة التعاون لصالح الآلة إذا ما استمر فيروس كورونا في التسبب بموجات إغلاق جديدة في العالم.
80 في المئة من الشركات ستستثمر في روبوتات الدردشة
قبل اندلاع الوباء، كان من المتوقع بحسب أبحاث "فيوتشروم" أن تخطط 80 في المئة من الشركات في العالم للاستثمار بتقنية "روبوتات الدردشة" بنهاية العام الحالي. وقد أثبتت روبوتات الدردشة خلال أزمة كورونا قيمتها، حيث جرت الاستعانة بـ"روبوتات الدردشة" في مراكز خدمة العملاء التي تعاني من نقص الموظفين أو إغلاقها.
فعلى سبيل المثال، قال موقع يوتيوب في إحدى المدونات، إنه "مع وجود عدد أقل من الأشخاص في مكاتبه حول العالم، فإن الأجهزة تقوم بمزيد من الإشراف على المحتوى". وقالت الشركة إنها "ستبدأ مؤقتاً في الاعتماد بشكل أكبر على التكنولوجيا للمساعدة في بعض الأعمال التي يقوم بها المراجعون عادةً"، وهذا يعني أن الأنظمة الآلية ستبدأ في إزالة بعض المحتوى دون مراجعة بشرية.
هناك أيضاً "بي بال- PayPal"، والتي أغلقت مكاتبها وأبقت العديد من موظفيها بعيداً عن العمل وتحولت إلى روبوتات المحادثة، حيث استخدمتها بـ65 في المئة من استفسارات العملاء القائمة على الرسائل في الأسابيع الأخيرة.
وسيلفر كلاود، روبوت المحادثة الخاص بالمصارف، والذي سجل زيادة قدرها 260 ألف طلب عميل- بارتفاع بنسبة 50 في المئة- في الأشهر الأربعة الماضية وحدها. ويمكن لبرامج الدردشة الآلية أيضاً الإجابة عن أسئلة العملاء ومشاركة المعلومات ومساعدة الموظفين على قضاء المزيد من الوقت في المهام عالية القيمة.
الرعاية الصحية وسد ثغرات القوى العاملة
ارتفعت الاستثمارات بمجال الروبوتات في الأشهر الأخيرة مع تفشي مستويات الوباء بالعالم. في بعض المستشفيات بكوريا الجنوبية، على سبيل المثال، تساعد الروبوتات في رعاية المرضى بالأجنحة، حيث توزع الموارد بشكل ضئيل. يمكن لمقدمي الرعاية والروبوتات الطبية أداء مهام قيمة مثل قياس درجات الحرارة وتوزيع معقم اليدين، وتحرير طاقم المستشفى للتعامل مع المرضى الأكثر أهمية والمهام المتخصصة.
الرعاية الصحية ليست الصناعة الوحيدة التي لجأت إلى الروبوتات لسد الثغرات في القوى العاملة. فوول مارت تستخدم أيضاً روبوتات لمسح الأرضيات. على سبيل المثال، شهدت شركة روبوتات مقرها سان دييغو زيادة بنسبة 13 في المئة بطلبات "روبوت تنظيف الأرضيات"، منذ بداية العام.
تستخدم الفنادق أيضاً روبوتات تعقيم مزودة بأضواء قوية للأشعة فوق البنفسجية للقضاء على مسببات الأمراض والحفاظ على سلامة الموظفين والضيوف. شهدت "إيه أم بي روبوتكس"، أيضاً زيادة في طلبات الروبوتات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي.
ربما بدت هذه التغييرات الصغيرة وكأنها حلم بعيد المنال بالنسبة للعديد من الشركات قبل عام، لكن هذه الشركات تدرك اليوم الدور الحيوي الذي يمكن أن تلعبه الروبوتات.
روبوتات إعادة التدوير
إعادة التدوير هي إحدى الصناعات التي قد تتغير بشكل دائم بسبب الوباء. كان العمال في هذه الصناعة قلقين بشأن القدوم إلى العمل أثناء الأزمة، وكانت بعض المدن تكافح لإيجاد معدات واقية كافية لجميع موظفيها العاملين في فرز المواد، مما يجعل التباعد الاجتماعي أمراً صعباً. واليوم يقوم عدد متزايد من المدن في العالم بتعليق خدمات إعادة التدوير جزئياً بسبب الخوف من إصابة العمال بفيروس كورونا، فيما تحولت مدن أخرى إلي الفرز والتدوير الآلي دون الاستعانة بالعنصر البشري.
محلات السوبر ماركت
تعمل الروبوتات على تحرير الموظفين الذين قضوا وقتاً في إجراء الجرد في محلات السوبرماركت والمتاجر للتركيز على تطهير وتعقيم الأسطح ومعالجة عمليات التسليم للحفاظ على الرفوف ممتلئة.
يصر تجار التجزئة على أن الروبوتات تعمل على زيادة عمل الموظفين وليس استبدالهم، ولكن مع انحسار حالة الذعر في الشراء وتراجع المبيعات في فترة الركود، فإن الشركات التي أعادت تعيين العمال خلال الأزمة ربما لم تعد بحاجة إليهم.
أيضاً هناك دور أمين الصندوق والذي يتغير أيضاً. لسنوات عديدة، قدم تجار التجزئة أكشاك الدفع الذاتي. لكن غالباً ما تتطلب هذه الآلات تدخل العمال لمساعدة المتسوقين على التنقل في التكنولوجيا المتقلبة.
ويقول مارك مورو، الزميل في معهد بروكينغز الذي يدرس أسواق العمل، إنه مع تضرر الشركات، يصبح الضغط لاستبدال البشر بآلات أكثر حدة. ويضيف أن العمال البشر أصبحوا أكثر تكلفة مع انخفاض عائدات الشركات. وبالتالي قد تتسبب الأتمتة إلى خفض كبير في إعادة التوظيف، وبالتالي قد نرى عدداً أقل من العمال عندما يأتي التعافي".
الشراكة بين الإنسان والآلة
يتزايد عدد الشركات التي تدرك قيمة نموذج القوى العاملة الهجين الجديد والمتمثل في "الشراكة بين الإنسان والآلة"، فيما يتعلق بمستقبل الإنتاجية ومع هذا، يعتقد كثير من الخبراء أن هذا النموذج سيصبح أكثر شيوعاً وانتشاراً في السنوات المقبلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، يجادل الداعمون لكفة البشر عن الآلة بالقول إنه من الناحية النظرية، يجب أن تحرر الأتمتة والذكاء الاصطناعي البشر من المهام الخطرة أو المملة حتى يتمكنوا من القيام بمهام أكثر تحفيزاً فكرياً، مما يجعل الشركات أكثر إنتاجية ويرفعون أجور العمال. وفي الماضي، نُشرت التكنولوجيا بشكل تدريجي، مما يمنح الموظفين الوقت للانتقال إلى مناصب جديدة. يمكن لأولئك الذين فقدوا وظائفهم السعي لإعادة التدريب، ربما باستخدام تعويضات نهاية الخدمة أو إعانات البطالة للعثور على عمل في مجال آخر. هذه المرة كان التغيير مفاجئاً حيث سارع أصحاب العمل القلقون بشأن كوفيد-19 أو بموجب أوامر الإغلاق المفاجئ، إلى استبدال العمال بآلات أو برامج. لم يكن هناك وقت لإعادة التدريب. كانت الشركات قلقة من تراجع صافي أرباحها أو فقدان عمالها، وترك هؤلاء العمال بمفردهم لإيجاد طرق لإتقان مهارات جديدة ووجدوا القليل من الخيارات.
ولكن هذا لا يعني أن الآلات ستأخذ وظائف الجميع. لعدة قرون، كان البشر من النساجين إلى عمال المطاحن قلقين من أن التقدم التكنولوجي سيخلق عالماً بلا عمل، وهذا لم يثبت صحته عبر السنين، فلم تقلل أجهزة الصراف الآلي على الفور من عدد صرافي البنوك، على العكس خلق ذلك المزيد من وظائف الصرافة، حيث بدأ المستهلكون الذين أغرتهم أجهزة الصراف الآلي بزيارة البنوك في كثير من الأحيان، وفتحت البنوك المزيد من الفروع واستأجرت المزيد من الصرافين للتعامل مع المهام التي تتجاوز قدرة أجهزة الصراف الآلي.
في الماضي، عندما ألغت الأتمتة الوظائف، أنشأت الشركات وظائف جديدة لتلبية احتياجاتها. احتاج المصنعون الذين كانوا قادرين على إنتاج المزيد من السلع باستخدام الآلات إلى كتبة لشحن البضائع والمسوقين للوصول إلى عملاء إضافيين، لم تختف وظائف البشر، ولكن ما حصل أن الآلة احتلت مساحة أكبر.