Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أول دور سينمائي عربي لمونيكا بيللوتشي في مهرجان البندقية 

"الرجل الذي باع ظهره" فيلم التونسية كوثر بن هنية بين اللجوء السوري وعالم الفن المعاصر

مونيكا بيللوتشي في الفيلم التونسي "الرجل الذي باع ظهره" (موقع الفيلم)

"الرجل الذي باع ظهره"، أحدث أفلام المخرجة التونسية كوثر بن هنية، عُرض في مهرجان البندقية السينمائي في دورته السابعة والسبعين في إطار مسابقة "أوريزونتي". عمل يمزج بين الكوميديا السوداء، الدراما والتراجيديا. 

بعد أفلام عدّة، اقتحمت بن هنية البالغة من العمر 43 عاماً، نادي السينمائيين الذين أعطت لهم "الموسترا" منصّة للوصول إلى العالمية. مجتمع السينما بدأ يسمع باسم بن هنية مع "شلاط تونس" (2013)، فيلمها الطويل الأول الذي تدور أحداثه في العام 2003: رجل مجهول ملقّب بـ"شلاط" يتجوّل بدراجته في شوارع تونس، في يده شفرة يتعدى بها على مؤخرات نساء يمشين على أرصفة المدينة. هذا الرجل صار مع الوقت شخصية غامضة يخشاها الجميع… في فيلمها التالي، "زينب لا تحبّ الثلج" (عُرض في  مهرجان لوكارنو)، رافقت حياة زينب منذ الطفولة حتى المراهقة. عمل إشتغلت عليه سنوات، أما "على كف عفريت" (2017) فاستلهمت قصّته من واقعة حقيقية حدثت في العام 2012، عن تعرض فتاة جامعية للاغتصاب. المعتدون: عناصر الشرطة. أرادت بن هنية من خلال هذا العمل اطلاق العنان لقضية أخلاقية من تلك التي كانت تُطمس أيام بن علي، لكن الثورة التي مرت في تونس غيرت الكثير. الفيلم عرض في مهرجان كانّ داخل قسم "نظرة ما".

عقد وخضوع

في جديدها الذي أثنى عليه عدد من الصحافيين والنقّاد في البندقية، تروي بن هنية التجربة الاستثنائية والمثيرة للجدل للاجئ سوري يوقّع عقداً "فاوستياً" (من فاوست) فيصبح خاضعاً بموجبه للطرف الثاني الذي يود استغلاله. هذا اللاجئ يُدعى سام علي (يحيى مهايني)، وهو أُجبر على مغادرة سوريا بعدما اتُهم زوراً بأنه ثائرعلى نظام الأسد، في حين هو لم يكن يفعل سوى البوح بحبّه لفتاة تُدعى عبير. نتيجة سوء الفهم هذا، لجأ سام إلى بيروت، ولكن ظل يدغدغه حلم الانتقال إلى بروكسيل لملاقاة عبير التي يحبّها والتي ارتبطت برجل آخر في زواج شبه مدبّر. في بيروت، عمل سام في مهن حقيرة، ثم التقى بفنّان معروف يعمل في الوشم يُدعى جفري غودفروا (كون دو بو) ومساعدته ثريا التي تلعب دورها مونيكا بيللوتشي في أول مشاركة لها في فيلم عربي. عن اطلالتها في هذا الفيلم، تقول الناقدة السينمائية نسرين علام: "ثريا، التي كانت تعمل في غاليري بيروتي حلقة الوصل بين سام وجفري، وبداية تعارفه به. أما عن حضورها في ذاته، فيبدو لنا أنها لم تقدّم الكثير درامياً، وربما كان يمكن الاستعانة بممثّلة أخرى من أصول عربية لتؤدي الدور. ربما كان اختيار بيللوتشي خياراً تجارياً في المقام الأول، فوجود نجم مثلها يستميل الجمهور قد يعني إقبالاً جماهيرياً أكبر".

"سأحولك إلى سجّادة طائرة كي تسافر بحرية"، يقول جفري لسام مقترحاً عليه ان يرسم على ظهره وشماً هو عبارة عن فيزا شنغن يخوله الدخول إلى الإتحاد الأوروبي. هذه ستكون بداية تحوّل سام إلى نوع من سلعة للعثور على إنسانيته الموعودة وحريته المشتهاة. أما جفري فهو معروف بجنونه وادعائه بأنه يمكنه تحويل أي شيء لا قيمة له إلى ثروة. فيرضخ له سام ويلتزم بأن يكون عملاً فنّياً متحركاً يعرضه جفري في معارضه، على ان ينال ثلث الإيرادات. وهكذا يرافقه سام في جولات دولية. يقنعه بأن العالم ملكه، وانه سيستمتع بكل ملذاته، من أفخر المأكولات إلى المال والشهرة. ولكن، ألا يوجد شيء أخطر خلف هذا المشروع؟ 

لجوء ورفاهية

الفيلم عن قصّة يصعب تصديقها لكونها تحمل كلّ دلائل انتفائها. هناك من جهة، الحاجة إلى الصمود والبقاء على قيد الحياة عند اللاجئ، ومن جهة، تلك الآمال المعقودة على حياة الرفاهية التي تنطوي على عوامل جذب سطحية. ولكن يجب عدم الاعتقاد أن القصّة مركّبة أو أنها تخرج من مخيلة المخرجة الضحلة، هي التي تخصصت في إخراج أفلام تضرب جذورها في الأرض التي تنبثق منها. في الحقيقة، بن هنية استوحت القصّة من معرض شاهدته في اللوفر للفنّان المعاصر البلجيكي فيم دلفوي الذي لطالما عمل على الجسد.الأخير اقترح على شخص يُدعى تيم ستاينر أن يرسم على ظهره، ثم باعه لجامع تحف ألماني. عند وفاة ستاينر، يؤطر جلده كأي عمل فنّي ويعلّق في المتحف، ولكن في انتظار موته صار ستاينر يجلس في المعارض من وقت إلى آخر عاري الظهر. 

كان هذا الاكتشاف الغريب نقطة انطلاق الفيلم، ولكن كان ينقصه قصّة تدعمه. المعرض كان مجرد إطاراحتاجت بن هنية إلى تغذيته. فخطر في بالها حكاية اللاجئ. من خلال المغامرات التي يعيشها سام، تطرح بن هنية سؤال الهوية وكيفية البحث عنها في عالم مزنز بالعنف والظلم. سام يعي شيئاً فشيئاً أنه وقع في نوع من العبودية، ولكن في الوقت نفسه يستغل هذا الضعف كقوة، جاعلاً منه شكلاً من أشكال السلطة. 

تولى اضاءة الفيلم وتصويره المصوّر اللبناني كريستوفرعون الذي لمع نجمه مع فيلم "كفرناحوم" لنادين لبكي، بحيث يمكن القول انه كان العنصر الأقوى في الفيلم المذكور. هنا، يزج عون الفيلم في مناخ خاص جداً. الفيلم يعتمد كثيراً على الإختزالات الزمنية مع أسلوب بصري يلجأ إلى  المتناقضات (الكونتراستات). هذا كله يعبّر جيداً عن مأساة الشخص ومعركته من أجل ان يمسك بالحرية التي يستحقها. 

"الرجل الذي باع ظهره" الذي تم تصويره في بلجيكا وفرنسا وتونس أكثر أفلام بن هنية طموحاً، لكنها لم تسعَ إلى ذلك، فهي تعترف أنها لا تعمل هكذا. كلّ ما حصل أن كوكبين (اللجوء وعالم الفنّ المعاصر)، التقيا من دون تخطيط مسبق، كأن الأشياء فرضت نفسها. أما على الصعيد الإنتاجي، فتروي بن هنية لمجلة "سكرين دايلي" أن العمل حظي بموازنة أضخم من موازنة أفلامها السابقة، علماً أنه صُنع بمال أقل بكثير ممّا كانت هي في حاجة إليه. توضح قائلاً: “لإنجاز فيلم كهذا يضمن المنتجين بأنهم سيستردون أموالهم، يجب ان تكون قد أثبتت نفسك”. 

لم تسعَ بن هنية إلى الدخول في تفاصيل المأساة السورية وما حلّ بسوريا منذ 2011، وإن كانت تستعين بشخصية لا تأتي من المجهول، بل لها سياقات واضحة ومحددة. فيلمها يقفز فوق المسألة السورية. تقول إن لديها الكثير من الأصدقاء السوريين، ولكن المسألة لا تتعلق بهذا، فهي ترى أن سام علي كان يمكنه أن يأتي من أي بلد. كان يمكن أن يكون غابونياً أو كندياً. صحيح أن هوية سام علي السورية تساعد في ربطه بسياق معين، ولكن هذا السياق ليس في قلب الفيلم. بن هنية تقول إنها لا تنتمي إلى المدرسة التي تعتبر أن على السينمائي أن يروي قصصاً ترتبط بتجربة عائلية خاصة أو بأشخاص يعرفهم جيداً. ففي نظرها أن الطبع هو الذي يميز الشخصية لا البلد الذي تتحدّر منه. الممثّل يحيى مهايني الذي لعب دور سام علي تفادى أن يكون ناطقاً باسم اللاجئين السوريين أو أن يكون عبارة عن بيان سياسي. دخل في الشخصية بحرفية عالية مع كلّ ما تحمله من عيوب.  

المزيد من سينما