شهدت مدينة بنغازي، عاصمة الشرق الليبي، خروج تظاهرات شعبية، مساء الخميس، في مناطق مختلفة جاب بعضها المدينة في مسيرات حاشدة احتجاجاً على تردي الأوضاع المعيشية، والانقطاع المتواصل للكهرباء وانعدام السيولة النقدية في المصارف، وتفشي الفساد السياسي والاقتصادي، بعد أيام من تظاهرات مشابهة في العاصمة طرابلس وعدد من مدن الغرب الليبي.
واختلفت تظاهرات بنغازي، عن نظيرتها الطرابلسية، في عدم وقوع حالات صدام بين المتظاهرين وقوات الأمن في المدينة التي أفسحت المجال للجموع الغاضبة على الأوضاع المعيشية والخدمية، للاحتجاج السلمي من دون أي تدخل منها، رغم إشعال النيران وحرق الإطارات في بعض الطرقات وتعطيل حركة السير بشكل كامل، كما خرجت في نفس التوقيت تظاهرات أخرى تحمل نفس المطالب، في مدن البيضاء بالجبل الأخضر، شرق البلاد، ومدينة زليتن غربها وجالو بالجنوب الشرقي.
وتُعبر هذه المظاهر الاحتجاجية المتواصلة، والتي باتت تنفجر بكثرة مؤخراً في مدن مختلفة، عن الاحتقان الشعبي، مما وصلت إليه أحوال البلاد، متأثرة بتعقد أزمتها السياسية، رغم الاجتماعات والحوارات بين الطرفين المتنازعين، في أكثر من عاصمة خارج البلاد، والتي لم تأت بجديد ملموس حتى الأن، على الرغم من إشارات التفاؤل، التي تنضح بها بيانات الطرفين في اليومين الماضيين.
سخط على الفقر و"الظلمات"
قال عادل مصطفى، أحد المتظاهرين في بنغازي، لـ"اندبندنت عربية"، إن "خروجه للتظاهر برفقة زملائه، هو للاحتجاج على الأوضاع الاقتصادية المتردية، بسبب انقطاع المرتبات وانعدام السيولة وتردي الخدمات وتفشي الفساد السياسي، بشكل معلن ومخيف جداً".
مضيفاً "كيف يمكن لإنسان، يعيش في الفقر والظلمات، ويعاين المستقبل المجهول، ويعجز عن توفير قوت يومه، أن لا ينفجر غضباً وحنقاً، ليعبر عن سخطه، على الكم الهائل من الفساد الذي يحيط به، وكيف يمكن السكوت على وضع المواطن الفقير، في بلد من المفترض أن يكون بين الأغنى، في المنطقة على الأقل".
وأشار إلى توافق رؤية المتظاهرين في بنغازي، مع حراك طرابلس، حول الخروج من عنق الزجاجة الحالي قائلاً، "نحن نضم صوتنا لصوت حراك العاصمة، في ضرورة تجميد الحياة السياسية، وإنهاء الأجسام السياسية الحالية، وعزل رؤوس الفساد، التي تدير المؤسسات الاقتصادية، وإنهاء المهزلة التي تسمى حواراً، بقيادة البعثة الأممية في ليبيا، وتسليم السلطة فوراً للمحكمة الدستورية، التي تكلف حكومة أزمة مصغرة، لإدارة شؤون البلاد، والذهاب في أقرب وقت، إلى انتخابات برلمانية ورئاسية".
وبعد أقل من ساعتين، من خروج التظاهرات الشعبية في شوارع بنغازي، لقيت الاحتجاجات تجاوباً سريعاً من رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، الذي دعا رئيس الحكومة الليبية ومحافظ مصرف ليبيا المركزي ومدير شركة البريقة للنفط، ورؤساء اللجان النوعية في مجلس النواب، للاجتماع بمقر مجلس الوزراء بمنطقة قرنادة لتلبية مطالب المحتجين
ارتدادات طبيعية للأزمة الخانقة
موجات الغضب الشعبي، هي ارتدادات طبيعية للهزات السياسية والاقتصادية، التي تئن منها ليبيا منذ سنوات، وشكلت مؤخراً عبئاً لايحتمل على المواطن، وهذه الموجات ستتواصل وتزداد قوة وعنفاً إذا لم تتحسن الأوضاع في وقت قريب، بحسب ما قال الكاتب الصحافي الليبي علي الفايدي في حديث لـ"اندبندنت عربية".
وتابع "وأنا أقف بين المتظاهرين اليوم، أرى في عيونهم، ألماً وسخطاً وحاجة، وخوفاً من المستقبل المجهول، تسبب بكل ذلك الانقسام السياسي الحاد، والفساد الذي يلتهم الأخضر واليابس، بلا رقيب ولاحسيب، وليس غريباً في هذه الظروف أن ينتفض الشارع، بل الغريب ألا يفعل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووجه الفايدي رسالة إلى الشخصيات السياسية، في شرق البلاد وغربها "انتبهوا من غضب الشارع، وتذكروا دائماً كلمة معمر القذافي التي كان حين قالها، وكأنه يقرأ مستقبله البائس ونهايته المفجعة، والتي كتبها بيده قبل سنوات (أنا لا اخشى طغيان الفرد ولكني أخشى طغيان الجموع) وعليكم أيها الساسة أن تخشوا طغيان الجموع، وغضبها الذي لايرحم".
حراك طرابلس يتضامن مع بنغازي
من جانبه، عبّر منسق الحراك الشعبي، في طرابلس، عبد الوهاب همة، عن "تضامن الحراك مع مطالب المحتجين في بنغازي"، داعياً باقي المدن لـ "الانتفاض على الأوضاع الراهنة، وحالة الانقسام السياسي، التي قادت البلاد إلى الهاوية".
وقال إن "خروج مظاهرات في جميع المدن الليبية، بمطالب واحدة، يؤكد أن الشعب يمتلك صوتاً واحداً وإرادة موحدة، وسبب الانقسام في البلاد، هي الأجسام السياسية وعليها أن ترحل ".
وأشاد همة بمظاهرات بنغازي والبيضاء والتعامل الأمني معهما، عكس ما حدث في طرابلس، بقوله "نشيد بهذه التظاهرات، التي عبرت عن رفضها لاستمرار مجلس النواب والرئاسة ومجلس الدولة والحكومة المؤقتة، ونشيد بالتعامل الأمني معها، بتوفير الحماية لها ومنح المتظاهرين حقهم بممارسة التعبير الحر، بالاحتجاج السلمي عن أرائهم ومطالبهم".
حوارات في عدة عواصم
سياسياً، تواصلت جولات الحوار الليبي، المتعددة الأسماء والأماكن، والتي تصب في اتجاه البحث عن مخرج سلمي توافقي، ينهي أزمة البلاد، خاصةً مع تنامي الغضب الشعبي، مما آلت إليه الأوضاع العامة، نتيجة الانقسام السياسي والصراع المسلح الذي تعيشه البلاد منذ سنوات والذي شكل ضغطاً واضحاُ على الأطراف السياسية أدى إلى تحركات ملموسة للإصلاح على مستويات عدة.
في المغرب، أعلن وفد مجلس النواب، الممثل السياسي للشرق الليبي، والمجلس الأعلى للدولة، ممثل العاصمة طرابلس، الخميس، في البيان الختامي للحوار عن "توصلهما لاتفاق شامل حول تولي المناصب السيادية" بعد توقفه ليوم واحد، بسبب ما وصفته مصادر ليبية بخلافات حول المصرف المركزي، تسببت في تمديد أيام المشاورات، إلى الخميس، بدلاً من اختتامها الاثنين، كما كان مجدولاً لها.
وبحسب البيان اتفق الوفدان على "المعايير والآليات الشفافة والموضوعية لتولي المناصب السيادية، و على مواصلة الحوار واستئناف اللقاءات نهاية الشهر الجاري، لاستكمال الإجراءات اللازمة من المجلسين، لتنفيذ وتفعيل الاتفاق".
كما دعا الجانبان، الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، لـ" دعم جهود المملكة المغربية، الرامية إلى توفير الظروف الملائمة وخلق المناخ المناسب، للوصول إلى تسوية سياسية شاملة في ليبيا".
ولقي البيان الختامي ونتائج المشاورات الليبية في المغرب، ترحيباً واسعاً من عدة منظمات دولية ودول كبرى، يتقدمها الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية، حيث اعتبرتاه خطوة إيجابية، في اتجاه الحل السياسي الشامل للأزمة الليبية.
أما في القاهرة، فتواصلت المشاورات التي يجريها وفد يمثل كل الأجسام السياسية في طرابلس، مع مسؤولين كبار في الحكومة المصرية، والتي تدور حول مقترحات للحل مقدمة من العاصمة الليبية، تعالج كافة النقاط العالقة، التي تشكل محور الخلافات الدائرة بين معسكري النزاع، في شرق ليبيا وغربها، منذ سنوات.
وعلى الرغم من شح المعلومات الواردة، من العاصمة المصرية، إلا أن بعض المؤشرات الإيجابية، بدأت تظهر في تصريحات بعض المشاركين فيها، حيث صرح، بلقاسم قزيط، الممثل لمجلس الدولة في طرابلس بهذه الحوارات، إن "اجتماعات القاهرة رافد لمسارات الحل، والموقف المصري والتركي بشأن ليبيا، يشهد تطوراً إيجابياً حالياً"، بحسب وصفه.