Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تريد تركيا حربا فعلية مع اليونان؟

أردوغان يدعم الشعبية المنهارة بخطاب مزعوم عن معركة مع أثينا

مناورات عسكرية يونانية في شرق المتوسط  (أ ف ب)

افتتح الرئيس رجب طيب أردوغان مسجد آيا صوفيا الشهر الماضي حتى يرفع نسبة أصوات حزب العدالة والتنمية التي بدأت تذوب تدريجياً، ويجعل الناس ينسون الأزمة التي عاشتها الليرة التركية مقابل الدولار.

وبالفعل، تمكن في البداية من ذلك نوعاً ما، وبالأخص عندما استخدم شعارات نارية مثل "آيا صوفيا هي رمز الفتح"، مما أجج مشاعر فئة من الناخبين، وقد انعكس ذلك على نتائج المسح العام الذي قامت به شركة "Metropoll" والتي أعلنت أن نسبة أصوات حزب العدالة والتنمية زادت بنسبة 3 في المئة بعد افتتاح أيا صوفيا.

ولكن هذا النجاح لم يستمر طويلاً، حيث أعلنت مديرة هذه الشركة نفسها أن الحزب عاد ليخسر تلك الأصوات التي فاز بها بعد افتتاح آيا صوفيا، وأنها لم تحقق زيادة في الأصوات حتى بعد إعلان أردوغان عن العثور على الغاز الطبيعي في البحر الأسود.

ولذلك نلاحظ أن الرئيس أردوغان لم ينجح في منع انهياره وانهيار حزبه. وهذا يعني أنه لا يزال بحاجة ملحة إلى تحريك الشارع ورص الصفوف حوله، خصوصاً بعد ما فشل في الحصول على ما كان يهدف إليه في سوريا، ولم يتمكن من تحقيق هدفه في ليبيا.

ويبدو أن الحل الوحيد أمامه هو خلق أجواء التوتر وإيجاد خطاب حرب مزعوم مع اليونان. ولكن لإلقاء المزيد من الضوء على خلفية الأزمة التركية-اليونانية دعونا نلقِ نظرة على كيفية وصول الأمر إلى هذه المرحلة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ففي اليوم الذي افتُتح فيه مسجد آيا صوفيا، غادرت سفينة الأبحاث التركية (Oruç Reis) ميناء أنطاليا ودخلت المياه الإقليمية اليونانية بالقرب من جزيرة ميس، لتبدأ بالمسح فيها.

وقبل أيام قليلة، أعلنت وزارة الخارجية التركية أن تركيا أرسلت 20 سفينة حربية، و8 غواصات إلى القرب من جزيرة كوس في البحر المتوسط، حيث ستقوم فيها بالمسح السيزمي، بعد ذلك قامت البحرية اليونانية بالتحرك في المنطقة، ثم قامت تركيا بنشر (ناڤ ‌تكس NAVigational TeleX) جديد لتعلن عن أنها ستقوم في 1-2 سبتمبر (أيلول) بعملية تدريب الرماية في شرق البحر الأبيض المتوسط.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأزمات ليست وليدة هذه التواريخ القريبة، فمنذ ما يقرب من مائة عام تتنازع اليونان وتركيا على 18 جزيرة ولم يُبت فيها حتى الآن. وبالتالي فالقضية التي ذكرناها أعلاه تدور أيضاً حول هذه الجزر. كما أن النزاعات العسكرية بين البلدين لها تاريخ طويل. فمنذ أن ضمت الإمبراطورية العثمانية عام 1363 تراقيا الشرقية إلى أراضيها، لا تزال النزاعات العسكرية قائمة بين البلدين، كان آخرها في عام 1996 والتي تعرف بأزمة كراداك التي دفعت بالبلدين إلى حافة الحرب، مما يعني أن حروباً جديدة يمكن أن تكون دائماً على الأبواب بين البلدين، ولا شك أن المشكلة الرئيسة بين البلدين هي الصراع على النفوذ في بحر إيجه، حيث إن اليونان تحاول أن تزيد مساحة مياهها الإقليمية إلى 12 ميلاً، وتسعى من خلال ذلك إلى تقييد التحرك التركي في بحر إيجه.

إضافة إلى ذلك، تقوم اليونان بتسليح الجزر التي ذكرتها أعلاه، مما تعتبره تركيا انتهاكاً للمعاهدات، وفي المقابل تعارض تركيا هذه السياسات اليونانية وتقوم بين الحين والحين بتصعيد الموقف كجزء من سياسة الدولة، ولا ننسى أن مشكلة الهجرة المكثفة في بحر إيجه هي أيضاً مشكلة أخرى تسبب أزمة بين البلدين.

ومما زاد في زيادة التصعيد - إضافة إلى الأزمة في بحر إيجه - الجهود التركية الرامية إلى العثور على النفط والغاز في المناطق المتنازع عليها في شرق البحر الأبيض المتوسط، إضافة إلى توقيع تركيا اتفاقية المنطقة الاقتصادية الخالصة مع ليبيا، كما أن مصادقة البرلمان اليوناني على الاتفاقية الموقعة مع مصر بشأن شرق البحر المتوسط شكلت ​​بعداً آخر للأزمة.

وبالنسبة لدور السياسيين في إدارة الأزمة، فمن الواضح أن كلا الجانبين يحاول استغلال مثل هذه المناطق الرمادية التي تؤدي إلى التوترات، لتوظيفها في السياسة الداخلية خصوصاً في حالة تدني شعبيتهم، أو طموحهم إلى كسب مزيد من التأييد في ظروف الانتخابات، وبالأخص إذا كان واحد من السياسيين اليونانيين يطمح إلى أن يصبح رئيساً للوزراء، فإن أول ما يلجأ إليه هو القيام بتصريح ناري ضد تركيا، وبطبيعة الحال يستفيد أردوغان هو أيضاً من فرض هذه الأجواء المتوترة. ولذلك نلاحظ أن وزيري الدفاع من كلا الطرفين يقومان بتصريحات مشحونة بالتوتر كأسلوب في السياسة الشعبوية على حساب مصلحة البلدين.

وعلى الرغم من تصريح الرئيس أردوغان الذي قال فيه إنها "حملة صليبية"، وتصريحِ وزير الدفاع اليوناني نيكوس باناجيوتوبولوس القائل "نحن مستعدون للقتال مع تركيا"، فإني لا أعتقد أن الأزمة ستتخطى حدود الشجار والمناوشة حول بعض الجزر الصغيرة في بحر إيجه، فإن ما يريده أردوغان في الواقع ليس الحرب الفعلية بل "خطاب الحرب". من ناحية أخرى، لن تسمح الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أبداً بتحول مثل هذا التوتر بين عضوين مهمين في الناتو إلى حرب.

ولهذا التوتر وجهة روسية لا ينبغي إغفالها. حيث يعلم الجميع أن التوتر بين أثينا وموسكو مستمر منذ عامين، على خلفية الخلاف بين اليونان ومقدونيا. وكما هو معروف، فإن الخلاف كان قائماً بين اليونان ومقدونيا على اسم "مقدونيا"، حيث كان اليونانيون يرون أن هذا الاسم يوناني يخصهم دون غيرهم، وكانت دولة اليونان بسبب ذلك تلوح باستخدام حق الفيتو ضد انضمام مقدونيا إلى الناتو. ولكن عندما غيرت "مقدونيا" اسمها إلى "مقدونيا الشمالية" انتهى الخلاف اليوناني- المقدوني، وانضمت مقدونيا إلى حلف الناتو، على الرغم من الدبلوماسية الروسية المكثفة، التي كانت تحاول أن يستمر الخلاف بين البلدين قائماً، حتى لا يتوسع الحلف الأطلسي.

لقد خذلت اليونان روسيا من خلال تنحية مشكلتها مع مقدونيا جانباً. وفي نهاية المطاف انضمت مقدونيا إلى الناتو بدعم من اليونان في مارس (آذار) 2020 تحت اسم "مقدونيا الشمالية"، وبالتالي فليس من المستبعد في هذا السياق السياسي والتاريخي أن تكون روسيا متحمسة لنشوب صراع عسكري بين دولتين أطلسيتين (تركيا واليونان)، خصوصاً وأن هناك كوادر فاعلة في الدولة تتسم بالتعاطف مع روسيا وتطمح إلى إبعاد تركيا من الحلف قدر الإمكان، ولسنا متأكدين من نوع الديناميكيات التي يمكن أن تشعل حرباً من هذا القبيل، وعلى فرض أن تكون تركيا هي البادئة بالهجوم، فمن المحتمل أن يأتي الرد سريعاً من اليونان.

نعم إن أردوغان يقرع طبول الحرب، ولكنه إذا خاضها بالفعل فسيخسر سياسياً. صحيح أن اليونان أضعف بكثير من حيث القوة العسكرية والمعدات التقنية بشكل لا يمكن المقارنة خلاله بين البلدين، ولكن يجب ألا ننسى أن الساحة اليونانية لا تشبه سوريا ولا ليبيا، فلن يتخلى عنها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وتتركها تحت رحمة تركيا، إذا فشلت الوساطات الرامية إلى تهدئة الوضع.

ولكن هناك شيئاً واحداً مؤكداً، وهو أن المستفيد الرئيس من مثل هذا الصراع هم حلفاء روسيا وشركاؤها في تركيا. أقول مرة أخرى إن أردوغان لا يريد القتال، لأنه يعلم أن التكاليف ستكون باهظة، لكنه يريد زيادة خطاب الحرب لأنه يحتاج كثيراً إلى ذلك في السياسة الداخلية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل