تبدأ قريباً الدورة التالية من المفاوضات التقنية حول اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي في إطار بريكست. لكن خلافاً للشعار الشهير القائل "إنه الاقتصاد يا غبي"، فإن بريكست يتعلّق حصراً بشعار مفاده بـ"إنها السياسة يا غبي".
سينتهي العام بقرار سياسي يتّخذه في شكل رئيس وحصري بوريس جونسون. فمجلس الوزراء غير موجود. ودور مجلس العموم لا صلة له بالأمر. وما يحصل داخل رأس رئيس الوزراء سيحدّد نوع بريكست الذي سيكون من نصيبنا هذا العام.
وإليكم 10 أنواع لبريكست سياسي سيكون على جونسون النظر فيها قبل اتّخاذه قراره النهائي.
1. بريكست المحافظين. أخيراً، فاز المحافظون بغالبية كبيرة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي للمرة الأولى منذ عام 1987. ويدين النواب المحافظون جميعاً بمقاعدهم لجونسون. وآمن معظمهم بالدعاية التي صدرت خلال السنوات الـ15 الماضية حول الاتحاد الأوروبي. لكن جذور حزب المحافظين ضاربة في الرأسمالية الإنجليزية والزراعة والتجارة والحي المالي اللندني. وإذا حقّق جونسون نهاية الشراكة البريطانية في معاهدة الاتحاد الأوروبي، فما هو عدد النواب المحافظين الذين سيرغبون في بريكست شامل على غرار ذلك الذي يطالب به أبناء الجيل المحافظ المعادي لأوروبا، مِمَّن تجاوزا السبعين من أمثال جون ردوود وبيل كاش وديفيد ديفيس؟ وإذا قال جونسون إنّ ما يأتي به هو بريكست جيد، فهل سيتمرّد النواب المحافظون عليه؟
2. بريكست العمال. تتلخّص السياسة التي يعتمدها السير كير ستارمر في ما يلي: "لا تذكر بريكست، لا ترى بريكست، لا تسمع بريكست". ويأمل حزب العمال في أن يرى بريكست صلباً، من دون اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي، أو بريكست وفق شروط "منظمة التجارة الدولية" سيؤدي إلى تشكّل أرتال هائلة في دوفر أو كاليه مع وصول 10 آلاف شاحنة يومياً محمّلة بالمواد الغذائية الطازجة ومعظم البضائع التي تستوردها بريطانيا واصطفافها بانتظار الإذن بالعبور، ما سيتسبب بصور سلبية على التلفزيون ونقص في البضائع أو الأدوية ويعطي الانطباع بأن بريكست يساوي الفوضى. فهل سيقدّم جونسون إلى السير كير ستارمر هذه الهدية السياسية التي هي عبارة عن بريكست فوضوي ومعطِّل؟
3. بريكست الأعمال. منذ عام 2016، دأب كل من "اتحاد الصناعات البريطانية" أو الاتحادات المؤسسية والتجارية الأخرى أو الحي المالي في لندن، على إخفاء موقفها الحقيقي من بريكست، رافضةً أن تشكّك فيه. لكن في حين تواجه شركات النقل البري و"الاتحاد الوطني للمزارعين" والمستوردون مشكلات بيروقراطية جديدة ضخمة، ويخسر الحي المالي اللندني عدداً متزايداً من الشركات، وفي وقت يقلّص وضع بريطانيا كبلد ثالث تجارتها المربحة مع 27 بلداً في الاتحاد الأوروبي، هل ستقول الرأسمالية البريطانية رأيها أخيراً؟
4. بريكست إسكتلندا. يشعر الإسكتلنديون بالغضب لأن نخبة جنوبية من الطبقة السياسية الإنجليزية تنكر عليهم حقّهم بأن يكونوا أوروبيين. فهل يرغب جونسون في أن يرى دعماً شعبياً أكبر للقوميين الإسكتلنديين في انتخابات البرلمان الإسكتلندي في مايو (أيار) المقبل واستفتاء يليها على الاستقلال يهدّد بإنهاء المملكة المتحدة؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
5. بريكست أيرلندا. اعترف جونسون بالفعل بأن المقاطعات البريطانية الست في شمال أيرلندا ستكون لها قواعد تجارية مختلفة تسمح بتجارة طبيعية مع جمهورية أيرلندا. وسيعزّز بريكست صلب الطلاق بين أيرلندا الكاملة، الجمهورية والمقاطعات الست، وإنجلترا.
6. بريكست ديفيد فروست. في ورقة كُتبت عام 2015، قال كبير المفاوضين البريطانيين حول بريكست، وهو الآن اللورد فروست، إنّ "الشرطين الأساسيين لمفاوضات ناجحة" هما أوّلاً "وجود حلفاء" وثانياً "إضفاء المرء على ما يريده شكلاً طبيعياً". وقال أيضاً إنّ أي مفاوضات حول بريكست يجب أن يشارك فيها الحزبان الرئيسان. ولم يعد أمام رئيس الوزراء ما يكفي من الوقت لتلبية هذين الشرطين.
7. بريكست جو بايدن. شهد عام 2016 ولادة التوأم السيامي السياسي الشعبوي القومي: ترمب وبريكست. وإذا فاز بايدن في البيت الأبيض، سينفصل نصف ذلك التوأم السيامي عن بريكست، نصفه الآخر الأصغر حجماً. فبايدن ليس معجباً بجونسون ولا بالشعبوية القومية. فهل يرغب جونسون في دفن العلاقة الخاصة المعتلّة بالفعل؟
8. بريكست المغتربين. يجري التقليل من أهمية التعطّل الحياتي الضخم الذي يهدّد ما يصل إلى مليوني بريطاني اشتروا عن حسن نية منزلاً ثانياً أو بيتاً للتقاعد في القارة الأوروبية. ولا يزال الوسطاء العقاريون يبيعون هذا الحلم المتمثّل في العيش ببلاد مشمسة يتوفّر فيها النبيذ والطعام بأسعار أرخص. وفي الواقع سيستحيل على البريطانيين أن يمضوا أكثر من ثلاثة أشهر متتالية في أوروبا، نظراً إلى الزيادات الكبيرة جداً في التأمين الصحي والتكاليف الفلكية لرعاية الكبار في السن. وسيعود كثيرون وهم يشعرون بالبؤس إلى وطنهم بريطانيا وسينتابهم غضب شديد من بريكست صلب.
9. بريكست عالمي. يتعالى صوت بريطانيا منذ أزمة قناة السويس ويتضاعف في الشؤون العالمية بصفتها دولة رائدة في صياغة استجابات السياسات الأوروبية الشاملة لمسائل مختلفة. ولا يزال لدينا 40 سفينة عسكرية ملكية و41 أميرالاً، لكن سيكون جنود الجيش البريطاني أقلّ عدداً من البيروقراطيين الجدد الذين سيُوظَّفون لمعالجة مئات ملايين النماذج الواجب ملؤها من أجل المتاجرة مع أوروبا بصفتنا بلداً ثالثاً.
10. بريكست أبدي. إن الأمل بالإجابة عن المسألة الأوروبية وإغلاق الملف في 1 يناير (كانون الثاني) هو عبارة عن حلم. فما لم يستند بريكست إلى تسوية جدّية، تترك القرار حول مسائل أساسية إلى مرحلة لاحقة، سيستمر في احتلال موقع متقدم بين المسائل السياسية البريطانية وفي علاقاتنا كلها مع جيراننا. وليس بريكست سوى البداية.
هذه هي الخيارات المتوفرة أمام جونسون لتنفيذ بريكست سياسي إذا وجد وقتاً للنظر فيها وسط زحمة الأزمات الأخرى التي يواجهها. سيكون بريكست سياسياً وسيتطلّب قرارات سياسية من الطراز الرفيع، وليس إصلاحات تقنية عبر مفاوضات تجارية.
© The Independent