Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بأيد فلسطينية... رقوق التوراة اليهودية تخرج الى العالم

جلد العجل الحديث الولادة يكون خالياً من الشرايين ورقيقاً ويسهل تحويله الى "الرق" وكلما كبر عمر العجل كان جلده قاسياً وصعب التصنيع

الرق (جلد العجل) في مرحلته الاولى قبل التصنيع والشد، رام الله، الضفة الغربية (اندبندنت عربية)

"نحن المصنع الوحيد في الضفة الغربية الذي يمارس هذا النوع من الصناعة، وهي لا تعني شيئاً لنا، نحن الفلسطينيون، لكنها مهمة جداً وحساسة ومقدسة بالنسبة إلى اليهود، وعملي في رقوق التوراة لا علاقة له بالتطبيع مع اسرائيل، فهناك الآلاف من العمال الفلسطينيين الذين يعملون لدى تجار يهود واسرائيليين ويقدمون لهم خدمات انتاجية بكل تفاصيل حياتهم من مأكل وملبس ومشرب ومسكن. وقفت علي".

تصنيع جلود العجل

تردد غالب عرار، كثيراً قبل الخوض في غمار هذا التحقيق الذي تكلم فيه وللمرة الأولى عن تفاصيل صناعته المثيرة وغير المعلنة لأكثر من 19 عاماً، فغالب واخوته الثلاثة وخالهم من قرية قراوة بني زيد التابعة لرام الله في الضفة الغربية، يعملون على تصنيع جلود العجول المستوردة وتحويلها الى "الرق "او ما يعرف بلفائف التوراه" التي يكتب عليها اليهود المتدينون في اسرائيل اسفار توراتهم الخمسة.

لم يتخيل غالب الذي أنهي دراسته الجامعية عام 2006 ان يتحول من مشروع معلم لمادة الجغرافيا التي تخصص بها، الى صانعٍ "لرقوق التوراة "، فأخوه الاكبر الذي سبقه الى داخل اسرائيل عمل مع تاجر يهودي معروف في مصنع متخصص ببيع رقوق ولفائف التوراة لمحال الكتب الدينية في اسرائيل والعالم.

الرق في مرحلته الاولى

يقول غالب لـ "اندبندنت عربية" إن الجلود المستوردة تصل من اوروبا واستراليا بحاويات نقل خاصة تحتفظ بدرجات حرارة معينة لجلود العجول المذبوحة حتى لا تتعفن، وما ان يصل الجلد المستورد بما فيه من شعر ودهون الى إسرائيل حتى يباشر اخي الاكبر الذي يعمل في المصنع داخل إسرائيل بتنظيف الجلد من الشعر الذي يكسوه، ثم يوضع الجلد في مياه باردة يخلط معها مواد خاصة تعرف "بالشيد". وتنقع الجلود في الماء لمدة اسبوعين، ومن ثم تعلق وتنشر على حبال كما الملابس لمدة 14 يوماً، وعندما تجف من الماء، ترسل الينا في الضفة الغربية لاستكمال العمل فيها كمرحلة ثانية تبدأ بإعادة وضع الجلد المتيبس بماء عادي، وما ان ترتخي مجدداً، حتى نضعها في إطار خشبي خاص ونقوم بشده من كل الجوانب بملاقط صنعت خصيصاً في إيطاليا.

وما ان يشد الجلد داخل الإطار حتى يباشر عمالنا في قشط الماء عنه مراراً وتكراراً لمدة 24 ساعة، وعندما نتأكد أن الجلد المشدود أصبح جافاً ولا يحمل اي رطوبة، نباشر قصه بمقاسات معينة يحددها لنا صاحب المصنع اليهودي، نجمعها لفائف ونعيدها إليهم في داخل اسرائيل، لتذهب في ما بعد للمرحلة الثالثة، وهي ازالة الخشونة عن اللفائف حتى تصبح ملساء ناعمة ورقيقة جداً، وهناك في اسرائيل يهود متدينون متخصصون يقومون ببسط الرق على طاولة خاصة لكتابة اسفار التوراة بخط اليد وحبر خاص."

جرائم بحق الحيوان

يقول غالب إن أفضل انواع الجلد التي تصلهم لصناعة رقوق التوراة تلك التي تكون لعجولٍ قتلت عمداً في بطون امهاتها في مزارع الابقار في اوروبا، وبحسب غالب هناك حقن خاصة تعطى للأبقار، حتى تجبر على اجهاض عجلها واخذ جلده لليهود في اسرائيل او قد تكون الجلود المستوردة التي يفوق عددها 2000 قطعة، من عجول رضيعة يجري ذبحها بعد ولادتها بايام قليلة، ليصدّر جلدها في ما بعد الى اسرائيل بحسب الطلب. فجلد العجل الحديث الولادة يكون خالياً من الشرايين ورقيقاً ويسهل تحويله الى "الرق" و"لفائف التوراة" وكلما كبر عمر العجل كان جلده قاسياً وصعب التصنيع.

جلد العجل يشد داخل إطار خشبي

غالب واخوته المتمرسون في حرفة "رقوق التوراة" كما يسمونها "لا يقدرون قدسيتها البالغة لدى اليهود على الرغم من مضيهم في هذا العمل قرابة 20 سنة. ولفيفة التوراة هي من أهم الأدوات الطقسية لليهود، وتحوي الأسفار الخمسة التي تسرد تاريخ الشعب اليهودي وتحمل رسالة عالمية تشهد بوحدانية الله وتتعلق بالسلوك الأخلاقي. ويُحتفظ بلفيفة التوراة في الخزانة دائماً، في ما عدا أوقات التلاوة أمام جمهور المُصلين، ولفيفة التوراة هي عبارة عن صفحات كبيرة من الرق حيكت معاً، وقد يبلغ ارتفاعها 80 سنتيمتراً.

وتكون اللفيفة مركبة على  خشبيتين حتى يسهل لفّها ورفعها وحملها والتعامل مع لفيفة التوراة يتسم بمنتهى الإجلال، ولا يجوز وضعها في مكان قذر، ولا المسّ بالرق الذي صنعت منه لفيفة التوراة، إلا في حالة الضرورة القصوى.

"المزوزا"

عملُ عرار لا يقتصر فقط على رقوق التوراة فهو يعلم تماماً ان الرق او "لفائف التوراة" التي يرسلها الى مصنع روزمان الاسرائيلي تذهب ايضاً لصناعة " المزوزا" وهي من بين اقدس الطقوس الدينية لدى اليهود، وهي عبارة عن رق مستطيل الشكل تُكتب عليه جمل من التوراة. ويأمر الكتاب المقدس اليهود مرتين بأن يكتبوا كلمات الرب على أبواب بيوتهم وكلمة "شدّاي"، التي تكتب على الجانب الآخر من الرق تعني "شومير دلاتوت يسرائيل"، أي "حامي أبواب اسرائيل". ويجري لفّ الرق لفًّاً شديداً ثم يُعلق على الجانب الأيمن من عضادة الباب في الغرف كافة ما عدا غرف الحمام.

"هذا ليس تطبيعاً مع اسرائيل، ولم اشعر يوماً بتأنيب الضمير كوني فلسطينياً واعمل لدى اعدائي"، في صناعة رقوق التوراة او "المزوزا " يقول غالب "هذه رزقتي وعملي الذي اعتدته انا وعائلتي منذ سنوات طويلة واتمنى ان يدوم هذا العمل لما فيه من منافع مالية جيدة جدا".

حياكة "كيبا" وشال الصلاة

عائلة عرار من قرية قراوة بني زيد في رام لله ليست وحدها من تعمل بصناعات ذات اتصال مباشر بأدوات الطقوس الدينية لدى اليهود، فهناك أماكن كثيرة في الضفة الغربية تفتح ابوابها بشكل قانوني وغير قانوني للتجار اليهود الإسرائيليين، وتقوم بعض المشاغل الفلسطينية بحياكة الطاقية او ما يعرف بالعبرية (كيبا)، وهي الدلالة الخارجية على كون الرجل يهودياً متديناً، اضافة لصناعتهم ( الطليت) وهو شال الصلاة، عبارة عن رداء بحجم ملاءة صغيرة، مستطيل الشكل يرتديها اليهود عند البدء بالطقوس الدينية .

تطبيع اقتصادي

يعد مصنع غالب واخوته في قرية قراوة بني زيد الوحيد في الضفة الغربية الذي ينتج ورق الرق او ما يعرف (بلفائف التوراة)، ويعد عملهم هذا حسب المنسق العام للجنة الوطنية لمقاطعة إسرائيل وفرض العقوبات عليها (BDS)، محمود نواجعة "تطبيعاً اقتصادياً"، اذ قالت اللجنة بعد اجتماع عال المستوى عقد خصيصاً على خلفية هذا التحقيق "ان العمل في المستعمرات تطبيع اقتصادي والاستثمار فيها تطبيع خطير والتعاقد مع شركات إسرائيلية في مجال التكنولوجيا ايضاً يعتبر تطبيعاً. ولكننا لا نضع تطبيع العمال وصغار المشغلين أولوية لنا لأننا نلوم الاحتلال أولاً وعاشراً على مصادرة الأراضي وإفقار فئات واسعة من شعبنا، وهذا ما يدفع بعشرات الآلاف من العمال الفلسطينيين للعمل في المشاريع الصهيونية، بما فيها الاستعمارية".

لوم السلطة الفلسطينية

واضافت اللجنة في خضم اجابتها على تحقيق "اندبدنت عربية" "نلوم السلطة الفلسطينية في المقام الثاني لأنها لا تضع خلق فرص العمل الكريم أولوية لها ولا تفرض قانون العمل، بل لا تتبنى حداً أدنى للأجور يسمح بحياة كريمة لعمالنا وعاملاتنا، بل تنفق على ما يسمى بالأمن أضعاف ما تنفقه على الزراعة وتشجيع المنشأت الصناعية الصغيرة، مثلاً، وينتشر فيها الفساد المالي والإداري، كما نعلم جميعاً، وهذا ما يهدر أموالاً طائلة من الأجدر استخدامها لتوفير فرص عمل جيدة، ونلوم القطاع الخاص الوطني في المقام الثالث لعدم التزامه الحد الأدنى من الأجور وعدم احترامه حقوق العمال الفلسطينيين وعدم ترجمته نمو عائداته وحصصه في السوق المحلية إلى رفع مستوى الأجور والحقوق والتشغيل للعمال، وهذا كله يدفع عمالنا للبحث عن فرص عمل إسرائيلية".

امين سر الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين حسين فقهاء يشرح ان المشغل الإسرائيلي يوفر على نفسه كثيراً عندما يرتبط بعلاقات اقتصادية مباشرة مع مشغلين فلسطينيين في الضفة الغربية، اذ لا يمنح العامل الفلسطيني في تلك المشاغل عقد عمل يحفظ حقوقه من تأمين وغيره، وهناك 30 ألف عامل فلسطيني يعملون داخل المستوطنات، و130 ألف عامل فلسطيني غيرهم يعملون داخل اسرائيل، نصفهم يحصل على تصاريح عمل رسمية صادرة عن الجانب الإسرائيلي. ومقابل حصول العامل على تصريح عمل يدفع ما بين 400 و 800 دولار شهرياً، أي أن 42 مليون دولار يجري دفعها شهرياً من قبل العمال الفلسطينيين للجانب الإسرائيلي مقابل حصولهم على عمل.

تبعية للاقتصاد الإسرائيلي

المحلل الاقتصادي الفلسطيني نصر عبد الكريم يقول إن هناك تبعية كبيرة على الاقتصاد الاسرائيلي من قبل الاقتصاد الفلسطيني "انا لست متفاجئاً بوجود علاقات اقتصادية واسعة بين الطرفين بعضها معروف وبعضها الآخر مخفي يعرف "بالعلاقات السوداء"، وارتفاع نسبة دخول الشباب للعمل في المستوطنات في الضفة الغربية او في داخل اسرائيل، يأتي بسبب ارتفاع نسب البطالة، فهناك 400 ألف فلسطيني في الضفة الغربية عاطلون عن العمل، معظمهم يحملون الشهادة الجامعية. اين سيعملون؟

فمع قلة فرص عمل، فهم يتسربون الى داخل اسرائيل او المستوطنات للعمل وكسب الرزق، اضافة إلى ان الأجر اليومي الذي يوفره رب العمل الاسرائيلي للعامل الفلسطيني يعادل ثلاثة اضعاف الأجر الذي يوفره نظيره الفلسطيني في الضفة الغربية وهو أجر مغر من الناحية الاقتصادية ".

المزيد من تحقيقات ومطولات