Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جهات داخلية وخارجية تؤجج الصراع القبلي شرق السودان  

 راح ضحيته 32 قتيلاً و98 جريحاً بحسب وزارة الداخلية

ضرورة فرض الدولة هيبتها وقيامها بواجباتها من خلال تكوين لجنة تحقيق عاجلة (مواقع التواصل الاجتماعي)

طرح تجدّد الاشتباكات القبلية لمرات عدة في مدينة بورتسودان، التي تقع شرق السودان (على بعد 675 كيلو متراً عن العاصمة الخرطوم)، وتضم الميناء الرئيسي للبلاد، والتي راح ضحيتها 32 قتيلاً، و98 جريحاً بحسب وزارة الداخلية السودانية، تساؤلات عن أسبابها الحقيقية ومن يقف وراءها.

في وقت أرسلت الحكومة المركزية قوات مشتركة من الجيش والدعم السريع والاحتياطي المركزي التابع للشرطة للسيطرة على الأوضاع الملتهبة بين قبيلتي البني عامر والنوبة إحدى مكونات المجتمع القبلي في هذه المدينة، وتفادي عدم تكرارها، فضلاً عن تشكيل لجنة مشتركة من مجلسي السيادة والوزراء لمتابعة الأوضاع على الأرض. 

وأكد والي البحر الأحمر عبدالله سنجراب أن ولايته وضعت خطة أمنية من شأنها أن تعيد الأوضاع إلى طبيعتها في مدينة بورتسودان، في ظل وصول تعزيزات عسكرية على دفعتين مما يساهم في الاستقرار الأمني للمدينة، موضحاً أن الحوار هو الطريق الوحيد والأمثل للاستقرار والسلام بين مكونات المجتمع. 

محاور إقليمية 

في المقابل، يوضح الناشط السياسي خالد محمد نور في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، أن "ما يجري من اشتباكات مؤسفة في مدينة بورتسودان هذه الأيام ليست المرة الأولى، فقد شهدت المدينة ومدناً أخرى شرق البلاد احتكاكات عدة بين القبيلتين، من دون أن تكون هناك أسباب واضحة وموضوعية لاندلاعها، وفي رأيي أن هذه الأحداث وراءها جهات معلومة ومنظمة لها مصلحة سياسية تقوم بافتعال المشاكل لجر الصراع بطريقة مرتبة، وخلق نوع من عدم الاستقرار، مستغلة بعض أصحاب المصلحة من المنتمين إلى هذه المجتمعات التي تقع في مناطق الهامش من أجل إثارة الفتنة".

ولفت إلى أن تلك الجهات التي تسعى إلى تأجيج الصراع القبلي لها ارتباط بمحاور إقليمية في المنطقة، ويتم ذلك بشكل موازٍ عبر مجموعات تتبع للنظام السابق، ظلت تتواجد وتتردد بكثافة في مواقع الأحداث، وهي وجوه معروفة بولائها السياسي الصارخ لدى مكونات المجتمع المدني في المدينة. لكن ما هو مؤسف أيضاً عدم تدخل الأجهزة الأمنية لفض الاشتباكات في الوقت المناسب على الرغم من تواجدها في موقع الأحداث مبكراً بحجة أنها لم تتلقّ تعليمات وهي حجج واهية وغير منطقية. 

ويضيف "حتى الآن لم نرَ حلولاً تقدّم لرأب الصدع، وحتى الحلول والمعالجات الأمنية تأتي بعد أيام من حدوث الاقتتال، ما يؤكد أن تلك الأجهزة الأمنية جزء من الصراع الدائر، وهدفها القريب والمعلوم هو الوصول إلى عدم الاستقرار، وإفشال الحكومة الانتقالية والتحول الديمقراطي، وقد يكون هناك هدف بعيد غير معروف". ويتوقع خالد محمد نور في ظل وصول تعزيزات عسكرية إلى المدينة حدوث هدنة وهدوء لفترة محدودة، ومن ثم تتجدد المشاكل لأنه لم تتم قبل ذلك محاسبة مثيري الفتنة والمشاركين في تأجيج الصراع، فضلاً عن أنه لم توجد حلول موضوعية لمعرفة جذور المشكلة والعمل على معالجتها. 

هيبة الدولة 

ويطالب الناشط السياسي بضرورة فرض الدولة هيبتها وقيامها بواجباتها من خلال تكوين لجنة تحقيق عاجلة، وحل اللجنة الأمنية في الولاية لفشلها وعدم حرصها على أمن واستقرار المدينة ومواطنيها، وأن تكون هناك قوات أمنية متواجدة في المنطقة لمتابعة الأحداث والتدخل بالسرعة المطلوبة لحسم التفلتات والفتن بين مكونات المجتمع، مشدداً على أنه إذا لم يتم التعامل بحسم في هذه المسألة ستتكرر الأحداث لا محال. 

ويتابع "في الواقع لم تكن هناك مشكلات تاريخية بين مجتمعي البني عامر والنوبة، وظل هذان المكونان القبليان في حالة تعايش سلمي منذ مئات السنين، وقد بذلنا مجهودات عميقة لمعرفة خفايا تلك الأحداث من خلال التواصل مع المكونات المجتمعية المختلفة ولم نجد أسباباً واضحة بخاصة أن هذا الصراع ليس كبقية النزاعات التي تحدث بسبب الموارد والمراعي، كما أن أطراف الصراع نفسها وصلت إلى قناعة بأن هناك جهات داخلية وخارجية لها مصلحة في تأجيج الاشتباكات بشكل متكرر، لذلك لابد على الدولة من أن تقوم بواجباتها كاملة، بخاصة أن المجرمين أصبح لديهم إحساس بأنهم في مأمن ولا أحد يحاسبهم في ما يقومون به من أعمال إجرامية". 

خطاب كراهية 

في سياق متصل، يقول القيادي في قوى الحرية والتغيير في مدينة بورتسودان أمين سنادة لـ "اندبندنت عربية"، إن هناك تشابكاً في هوية الاشتباكات التي باتت تتجدد من حين إلى آخر بين قبيلتي البني عامر والنوبة، إذ ظلت مسبباتها في محلها ولم تراوح مكانها، لأن الجناة الذين ارتكبوا الجرائم وعاثوا فساداً في الأرض ظلوا طلقاء من دون عقاب، فلا يعقل أن يصل عدد القتلى إلى 100 شخص خلال شهور معدودة ولم يتم إجراء تحقيق لمعرفة المتسبب في هذه الأحداث وتقديمه للمحاكمة.

ويبين أن جميع حالات الاقتتال التي نشبت في هذه الولاية وخارجها كان وراءها خطاب كراهية طافح عبر وسائط التواصل الاجتماعي. 

ويلاحظ سنادة "المتتبع لجميع المشكلات التي دارت بين القبيلتين أنها تبدأ بمشكلة فردية وسرعان ما تتطور لتصبح قضية جماعية، بمعنى أنه سيناريو معد بطريقة محكمة تشارك فيه مجموعة من الأشخاص بواسطة وسائط معروفة تديره جهة معلومة للجميع، لكن الأمر يتطلب وجود نيابة معلوماتية لتتبع ما يحدث، ورصده كاملاً، ومن ثم اتخاذ الإجراءات القانونية تجاه كل من تثبت إدانته في إثارة الفتن داخل المجتمع، إضافة إلى أن ما ساعد على تكرار هذه الأحداث غياب سلطة الدولة وقوانينها الرادعة، التي هي السبيل الوحيد لوقف هذا النزيف من الأرواح وتصدع النسيج الاجتماعي".  

سيادة القانون 

وفي بيان صادر عن وزارة الداخلية السودانية، فإن القوات المشتركة التي تعمل على تأمين مدينة بورتسودان ألقت القبض على 85 من المتهمين بالضلوع في الأحداث. في حين عقد مجلس الأمن والدفاع بكامل عضويته اجتماعاً طارئاً أمس الخميس برئاسة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح برهان بحضور النائب العام تاج السر الحبر. 

وتداول الاجتماع الخريطة الأمنية بالبلاد، واستمع لتنوير من القوات النظامية، في ما يتصل بمتابعة الأحداث والتدابير المتخذة على الأرض بكل مناطق التوترات الأمنية.

فضلاً عن مناقشة تطورات الأوضاع بمدينة بورتسودان حاضرة ولاية البحر الأحمر، إلى جانب الأوضاع في شرق البلاد وضرورة العمل على رتق النسيج الاجتماعي وتحقيق السلم المجتمعي. إذ أكد الاجتماع تطبيق سيادة حكم القانون بواسطة الأجهزة العدلية والأمنية وفرض هيبة الدولة وتعزيز الأمن والاستقرار بالبلاد، وتقديم الجناة إلى العدالة. 

وتشير وسائل إعلام محلية إلى أن أسباب الاشتباكات الأخيرة تعود إلى أن متظاهرين من قبيلة النوبة كانوا في طريق عودتهم من تظاهرة احتجاجية رافضة تعيين الحاكم الجديد لولاية كسلا التي تقع شرق البلاد بالقرب من بورتسودان، اشتبكوا أثناء مرورهم عبر حي دار النعيم في بورتسودان الذي غالبية سكانه من قبيلة البني عامر، مع مجموعه من سكانه إذ ظن بعض سكان البني عامر أن هناك هجوماً من النوبة على منازلهم، فتفجرت الأحداث بعنف مفرط أدى إلى قتل وجرح المئات. 

ميثاق صلح 

وشهدت ولاية كسلا في مايو (أيار) 2020 التوقيع على ميثاق الصلح المعروف باسم "القلد" بين مكونات البني عامر والنوبة والحباب، بعد مواجهات خلفت عدداً من القتلى والجرحى، إذ نصت الاتفاقية على التزام الأطراف بالاتفاق والهدنة ووقف القتال ونبذ العنف ونشر ثقافة السلام والتعايش السلمي بين الأطراف كافة. 

وطالب عضو مجلس السيادة السوداني حسن محمد شيخ إدريس قاضي الذي شهد توقيع أطراف الاتفاق بأهمية الالتزام بتطبيق الهدنة والحفاظ على التآخي والتآلف الذي أكد أنه ظل يسود مجتمع ومكونات الولاية. 

وترجع أصول قبيلة النوبة ذات الجذور الأفريقية، إلى منطقة جنوب كردفان، إذ هاجر أفراد منها إلى مدينة بورتسودان منذ عقود للعمل في الميناء الرئيسي للسودان، بينما تمثل قبيلة البني عامر إحدى مجموعات قبائل البجا العربية التي تعد أهم المكونات السكانية القديمة والأصيلة في شرق البلاد.  

ومن المعروف أن السودان ظل يشهد منذ القدم نزاعات قبلية بخاصة بين القبائل العربية والأفريقية في جنوب البلاد وغربها وشرقها، وسرعان ما تتحول هذه النزاعات إلى اشتباكات دموية بين المجموعات المتناحرة، نظراً إلى انتشار السلاح بأعداد كبيرة في أيدي المواطنين. 

المزيد من متابعات