Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ملاحقة وسجن الصحافيين يضعان حرية التعبير في الجزائر أمام مفترق طرق

أسئلة تُطرح حول واقع العدالة الجزائرية في ظل كلام تبون عن احترام المواطن وعدم المساس بالحريات

الصحافي خالد درارني لدى خروجه من قاعة محكمة العاصمة في 10 مارس الماضي (أ ب)

صدمةٌ كبيرةٌ أصابت "الحُرِّيات" في الجزائر، بعد الحُكم على الصحافي خالد درارني بالسجن 3 سنوات، بتُهَم "التحريض على التجمهُر وعرض منشورات من شأنها الإضرار بالوحدة الوطنية وتهديدها"، وخنق هذا الحُكم الوسط الصحافي وأرعبه من مستقبل مجهول.
 

عقوبة قاسية لصحافي

بعد خمسة أشهُر على اعتقاله، نطقت محكمة "سيدي امحمد" في العاصمة الجزائرية، بالحُكم ثلاث سنوات سجناً ضد الصحافي خالد درارني، بعد جلسة مُحاكمة افتراضية في 3 أغسطس (آب) الحالي، شملت أيضاً الناشطَين السياسيَين سمير بلعربي وسليمان حميطوش، اللذين وُجِّهت لهما التهم ذاتها، لكنهما نالا حُكماً بالسجن سنتين، بينهما 4 أشهُر نافذة قضياها في السجن، ما يعني تنفيذ العقوبة وعدم العودة إلى السجن، بخلاف الصحافي درارني، الذي يجد نفسه أمام مُهلة 8 أيام للطعن في الحُكم. وكانت هيئة الدفاع عن درارني أبدت رفضها الحُكم، واعتبرت أنه جاء بتأثير من خارج المؤسسة العدلية، مُعتبرةً أنه "دوسٌ بالأقدام على القضاء والصحافة والمواطن في آنٍ واحدٍ، وبتأثير من هوى السلطة". وأضافت "يجب ألا نبقى مكتوفي الأيدي، فقد بلغ السيل الزُّبى".


استنكار إعلامي

رأى بكي بن عامر، الأمين العام لتحالف الإعلاميين والحقوقيين الأفارقة، في تصريح مُقتضب لـ"اندبندنت عربية"، أن "العقوبة المُسلَّطة على خالد درارني، قاسية وقاسية جداً، في حق صحافي مارس عمله بكل موضوعية، وهي العقوبة التي تطرح السؤال حول واقع العدالة في الجزائر، وبخاصة أن الخطاب الرسمي للرئيس عبد المجيد تبون يؤكد في مناسبات عدَّة ضرورة احترام المواطن وعدم المساس بالحريات". وأضاف بن عامر، أنه "في حال استمرار حملة الاعتقالات والضغوط على الصحافيين والإعلاميين والناشطين، ستتعاظم الأزمة السياسية في الجزائر، ومعها الحراك الشعبي الذي لم ينقطع، بدليل ما نشهده اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي واستمرار المطالب نفسها من حرية التعبير وحرية الصحافة وحق الاختلاف في الجزائر".


محاكمة الصحافة

في السياق ذاته، اعتبر الحقوقي سليمان شرقي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن "الحُكم بثلاث سنوات حبساً نافذاً هي عقوبة قاسية، وأثبتت بالفعل أنها مُحاكمة للصحافة ورسالة لها"، مُبرزاً أن التُّهم المُوجَّهة للصحافي درارني، من خلال استجوابه في المحكمة "تؤكد أنه لُوحِقَ بسبب أدائه مهماته كصحافي، فوجوده في مكان التظاهرة يومها ونقله لها ونشره بيان نقابة القوى المُنتجة، واتِّصاله بالأستاذ مصطفى بوشاشي، أو بغيره، ليست جريمة، وكلها تدخل في صُلب مهمات الصحافي، كما أن اختلاف عقوبته عن مُرافقَيه على الرغم من إلقاء القبض عليهما في الظروف ذاتها، تؤكد ذلك، وإن كانت حتى عقوبتهما مُبالَغ فيها وقاسية أيضاً".

تابع شرقي أن "على النظام أن يكون واضحاً ويتوقف عن نفاقه تجاه الحراك. ففي وقت يُعتبر الحراك مُباركاً وتتم الدعوة إلى استمراره عبر رئيس الجمهورية كأعلى ناطق باسمه، تُلاحق النيابة - التي تعمل تحت إمرة الرئيس - الناشطين بتهمة التظاهر غير المسلح أو غير المرخص وإهانة هيئة نظامية لمجرد التعبير عن الرأي ورفض سلطة الأمر الواقع، وذلك نفاق بيَّن من السلطة التي تعتمد خطاباً مزدوجاً، لا يُسهم في استتباب الوضع، بل يزيد من الاحتقان والشعور بالظلم، ويضع السلطة في عُزلة أكثر، لا سيما أمام الوضع العام للبلد جرَّاء تفشي وباء كورونا وفشل الحكومة في أدائها الوظيفي في مختلف المجالات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


انتقادات محلية ودولية

أخذت قضية درارني حيزاً واسعاً من اهتمام منظمات حقوق الإنسان وجمعيات حرية الصحافة والتعبير، منذ اعتقاله في 7 مارس (آذار) الماضي، عندما كان يُغطي الحراك الشعبي وسط العاصمة، كمدير لموقعه الإلكتروني "قصبة تريبون"، ومراسل قناة "تي في 5 موند" الفرنسية، ومنظمة "مراسلون بلا حدود" في الجزائر، حيث وصفت المنظمة الحكم بأنه "اضطهاد قضائي"، وقال أمينها العام كريستوف ديلوار في تغريدة، إن "هذا الحكم يفطر القلوب والعقول بطبيعته التعسفية والعبثية والعنيفة". كما دعت "لجنة حماية الصحافيين" السلطات الجزائرية إلى إطلاق سراح خالد درارني فوراً، بخاصة أنه "لا يُوجد أي دليل على أنه فعل شيئاً آخر غير عمله كصحافي". وطالبت مجموعة من الصحافيين في العالم بالإفراج عن خالد درارني، ووصفت محاكمته بأنها محاكمة للصحافة.


إعادة بناء المهنة من جديد

من ناحية أخرى، أكد مجلس الصحافيين الجزائريين، أنه يُتابع القضية مع فريق الدفاع عن درارني. وقال رئيس المجلس رياض بوخدشة "لا نستطيع أن نُعلِّق على قرار قضائي، لكننا نأمل في فرصة استئناف الحكم خلال أسبوع، من طرف الدفاع والاستفادة من البراءة"، موضحاً أنه "إلى ذلك الحين يعمل المجلس على ألا يبقى صحافي واحد في السجن، وأن يتم في أقرب وقت تنصيب مجلس أدبيات مهنة الصحافة وأخلاقها، لاضطلاعه بدور الضبط، إذا رُصد ما يمكن أن يوصف بانحرافات مهنية، من دون الحاجة إلى الزج بالصحافيين في غرف التقاضي أثناء القيام بعملهم".
واعتبر بوخدشة أن "الصحافة في الجزائر تُعاني مشاكل أكبر وأكثر تعقيداً، على غرار الأزمات المالية الخانقة، والتي يُعاني تأثيراتها السلبية ما يزيد على 1000 صحافي،" مُضيفاً أن "ما نعيشه هو نتيجة سنوات طويلة مضت من سوء تسيير القطاع، ولم يعُد أمامنا سوى أمل استحداث قوانين جديدة في مرحلة ما بعد مراجعة الدستور، وإعادة بناء المهنة من جديد". وختم بالقول إنه "من دون ذلك، لا نعتقد بوجود حل سحري لفوضى مهنية سادت طويلاً وعمَّقت آثارها السلبية مُعالجات ارتجالية بعيداً عن القوانين والتشريعات وخارج هيئات الضبط المُتعارف عليها دولياً".

المزيد من العالم العربي