Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

روائيون مصريون شغلتهم حروب بيروت المتعاقبة

إنها المكان الوحيد الذي تنقلب فيه المدلولات السياسية للأوضاع الجغرافية

بيروت ذاكرة الحروب المتعاقبة (يوتيوب)

لم يرتبط في الأدب اسم مدينة في العالم بالألم والمعاناة كما ارتبطت بيروت، حتى أنها باتت مرادفة للفجيعة، إن شعراً أو نثراً، على الرغم من جمال طبيعتها وحيوية شعبها. وتصعب الإحاطة بالروايات التي تناولت ما مرت به بيروت من كوارث، في مقال واحد. ولا تحصى الروايات اللبنانية التي تناولت الحرب اللبنانية منذ انطلاقها العام  1975 التي كتبها روائيون من أمثال: حنان الشيخ، الياس خوري، رشيد الضعيف، علوية صبح، جورج شامي، هدى بركات، حسن داوود، ربيع جابر، نجوى بركات، جبور الدويهي وسواهم.

ومن الكتاب السوريين الذين سلطوا الضوء على هذا الجانب المأساوي لبيروت غادة سمان في "بيروت 75" و"كوابيس بيروت". وكتب الروائي الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل  رواية "الشياح" شهادة على بيروت مطلع الحرب الأهلية. وعلى صعيد آخر، تناول مدينة "بيروت" بأحداثها الدامية الكثير من الروائيين المصريين، فالتواصل بين مصر وبيروت تمتد جذوره إلى قرون، ويذكر التاريخ أن أول ذكر لاسم "بيروت" جاء في ما يعرف بـ"ألواح تل العمارنة" باسم "بيروتا"، في رسائل مِن حاكم المدينة إلى إخناتون، منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام.

"بيروت بيروت"

في العام 1984 خرجت الطبعة الأولى لرواية "بيروت بيروت" للروائي المصري صنع الله إبراهيم ويرصد فيها الحرب الأهلية في لبنان بين 1975 و1977، ويبدأها برحلة البطل من مطار القاهرة متجهاً إلى بيروت، في طائرة تجمع عرباً من بلدان شتى بعضهم وجهته لبنان وبعضهم ينوون الاتجاه منها إلى العراق من أجل العمل. منذ البداية تشعرك الرحلة وحديث ركاب الطائرة أنك ستطأ أرض ألغام، فعليك الحذر، فخطوة واحدة خاطئة لا مجال للخطأ بعدها. "سألني بعد لحظة: بيروت وجهتك أم ذاهب إلى مكان آخر. قلت: لا... بيروت. – الشرقية أم الغربية؟. أوشكت أن أجيب تلقائياً أنها الشرقية، ثم تذكرت أن بيروت هي المكان الوحيد في العالم الذي تنقلب فيه المدلولات السياسية للأوضاع الجغرافية. قلت: الغربية وأنت؟".

 مشهد البداية ينبئ عن عالم مضطرب، فالأخبار في الصحف عن القصف الإسرائيلي المتجدد على جنوب لبنان، وقرارات حاسمة بوقف إطلاق النار في بيروت الغربية بعد الاشتباكات التي دارت هناك بين الأطراف المتصارعة، اغتيال نقيب بائعي الخضار في بيروت الغربية "منير فتيحة"، وعلى الفور قام ابن القتيل بالرد على اغتيال والده، وهاجموا منزل "بشير عبيد" فأعدموه ومن كان معه في المنزل؛ الشاعر كمال خير بك والشابة ناهية بجاني؛ لأن قاتل النقيب ينتمي إلى الحزب القومي، والنقيب من قادة التنظيم الناصري المعروف باسم (المرابطون)، ليشتعل بعدها فتيل الحرب. ولعل أهم ما يميز هذه الرواية هو البعد التوثيقي الذي نقل صورة لما يجري في لبنان في تلك الحقبة الصعبة، عبر كاتب مصري جاء إلى بيروت كي ينشر كتاباً وهكذا يقدم لنا شهادة عن عالم متشابك لا تزال  مواجعه قائمة حتى الآن. فهذا هو جيش حافظ الأسد يدخل ويقتل فلسطينيين، فيما نساء يُغتصبن في مخيم تل الزعتر، وصراع وقتل بين سُنة وشيعة، ومسيحيين ومسلمين، وقطط تنهش الجثث في الشوارع.

"بيروت البكاء ليلاً"

وفي عام 1985 صدرت رواية  "بيروت تبكي ليلاً " لشوقي عبد الحكيم، عن مهاجر وجد نفسه في أتون الحرب الأهلية ثم العدوان الإسرائيلي على لبنان واحتلال بيروت. لا شيء يقطع صمت رحلته سوى صوت الرصاص والدمار، يحاول أن يجد الرابط ما بين ماضي هذه البلاد والحاضر الذي آلت إليه. يربط ما بين الإله المصري القديم "أوزوريس" الذي قُتل على يد شقيقه "ست"، وإله فينيقيا "أدونيس"، و"تموز" ما بين النهرين وغيرهما من الأخيار الذين قتلوا على أيدي الأشرار. وهذه الرواية وإن كانت لا تتمتع بقدر كبير من حرفية السرد الروائي إلا أنها تقدم شهادة مهمة عمّما دار في بيروت في تلك الحقبة.

"الحب في المنفى"

وفي عام 1995 خرجت عن دار الآداب في بيروت رواية "الحب في المنفى" للمصري بهاء طاهر والتي يرى كثير من النقاد أنها أجمل ما أبدعه، وتدور أحداثها في بداية الثمانينيات راصدة ما يدور في لبنان قبل وبعد الاجتياح الإسرائيلي بيروت. وتكشف هذه الرواية المجازر التي أرتكبت في صبرا وشاتيلا، وعين الحلوة، بعين صحافي سرعان ما سيلقى حتفه أثناء قيامه بعمله، ومن ثم فإنها تجسد الخيبات التي منيَّ بها العالم العربي عبر شخوص مهزومة تعاني من الاغتراب والإحساس بالعجز، وتلاحقها الفواجع. فها هو الصحافي "إبراهيم" ينقل إلى صديقه القابع في المدينة "ن": "معك الأستاذ سامي من الصليب الأحمر.- أهلين.، قال سامي بصوت متهدج: معي صاحبك المصري الأستاذ إبراهيم يريد ان يتكلم معك، حاول أن تهدئه الله يرضى عليك. قلت في لهفة: إبراهيم، فجاءني صوته من الطرف الآخر متقطعاً ومتحشرجاً: توجد جبال من جبال. -إبراهيم ارفع صوتك قليلاً، أنا لا أسمعك، كيف حالك؟ – ملعون حالي، قلتُ لك توجد جبال من الجثث، ويوجد ملايين من الذباب يغطي عيني، وتحت جلدي رائحة الموت...".

ومن الروايات المصرية أيضاً التي تتاول أحداثاً في بيروت المنكوبة، رواية "كل شيء مباح في بيروت" لعلاء مصباح وصدرت عن دار "نهضة مصر" في القاهرة عام 2013، وتتناول حرب تموز(يونيو) 2006، ولكن تفتقر إلى العمق في أحداثها وشخوصها.

ومن السمات المشتركة بين الكثير من الأعمال الإبداعية التي تناولت بيروت، سمة الوثائقية، أو الرسائلية، واجترار الماضي، ما يجعلها تأريخاً موازياً يكشف عن أدق التفاصيل النفسية والحياتية لمن عانوا هذه الويلات وكيف امتد صداها في البلدان العربية كافة.

المزيد من ثقافة