في ما خيم الركود العنيف على أكبر الأسواق الشعبية في تركيا، واصلت الليرة انهيارها مقابل الدولار الأميركي لتسجل مستويات متدنية جديدة خلال تعاملات، أمس الأحد، مع عكوف المستثمرين على تقييم أثر الخطوات التي اتخذتها السلطات لزيادة تكلفة التمويل.
وفي تعاملات أمس، هبطت الليرة إلى مستوى غير مسبوق عند 7.365. حيث فقدت العملة التركية نحو 17 في المئة من قيمتها أمام الدولار منذ بداية العام الحالي، لكنها فقدت أكثر من 40 في المئة من قيمتها منذ بداية العام الماضي حتى الآن.
واجتمعت سلطات السوق بكبار المصرفيين، الخميس الماضي، لبحث التطورات الاقتصادية. وقالت مصادر مطلعة، إن محافظ البنك المركزي التركي، مراد أويصال، أوضح خلال الاجتماع أن تكاليف التمويل ستزيد، لكنه لم يذكر بأي قدر.
وقال البنك المركزي التركي، يوم الجمعة، إنه سيقلص سقف سيولة المتعاملين الرئيسيين إلى النصف، مما يخفض عملياً التمويل الرخيص الذي كان ذلك يوفره. كذلك لم يفتح البنك عطاءً أسبوعياً لإعادة الشراء، في خطوة قال المصرفيون إنها تستهدف توجيه البنوك لتدبير السيولة عن طريق آلية إقراض ليلة واحدة البالغة فائدتها 9.75 في المئة.
وفي مذكرة بحثية حديثة، قال "غولدمان ساكس"، إنه سبق للبنك المركزي التركي استخدام تلك الطريقة، وقد يلجأ إلى تمويل السوق بسعر فائدة أعلى إذا لم تنحسر الضغوط عن العملة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تراجع القدرة الشرائية للأتراك
وأدى الارتفاع التاريخي في سعر صرف الدولار واليورو وصعود أسعار الذهب إلى توقف الحياة، وسيطر الركود على أكبر الأسواق في منطقة "أمينون" بمدينة إسطنبول، التي تجري فيها الأعمال التجارية بالعملة الأجنبية، حيث يشير متخصصون إلى أن كل تراجع في قيمة الليرة مقابل الدولار يضيف مزيداً من الركود إلى السوق التي أصبحت خالية من الرواد والمشترين.
وتسبب الارتفاع الكبير في سعر الدولار واليورو والذهب في ارتفاع أسعار المنتجات الموجودة في سوق منطقة أمينونو بإسطنبول. ومن ناحية أخرى، توقفت السياحة بسبب جائحة كورونا، ما جعل التجار في السوق غير قادرين على البيع ومزاولة أعمالهم التجارية.
ووفق موقف "ميز بتاميا" التركي، قال هاكان شينار أحد التجار في السوق التاريخية، الذي يعمل ببيع المنتجات الغذائية، إن تجار السوق اشتروا البضائع والمنتجات بالدولار، وبالتالي أدى ارتفاع سعر صرف الدولار إلى ارتفاع أسعار المنتجات، وهو ما تسبب في تداعيات سلبية على جميع التجار بعد توقف حركة البيع والشراء.
وأشار إلى أن التجار غير قادرين على البيع بسبب ارتفاع الأسعار، وأضاف، "أسعار المنتجات في زيادة مستمرة، وعندما ترتفع الأسعار على هذا النحو، لا يتم بيعها. إما أن تفسد أو تنتهي صلاحيتها وتُلقى جميعها في القمامة. بالإضافة إلى ذلك، فإن نفقاتنا مرتفعة، والإيجارات مرتفعة. وإذا استمر الحال هكذا، فسوف نغرق. الجميع يغلق أبواب المحال التجارية. لا ينبغي أن يستمر الوضع هكذا".
وأوضح أن الوضع ازداد سوءاً بسبب فيروس كورونا حيث إن السكان المحليين لا يأتون للتسوق من السوق التاريخية كثيراً، بينما تقوم حركة التجارة بالسوق على السائحين. وذكر أن السكان المحليين ليست لديهم القوة الشرائية أو القدرة على التسوق بالأسعار التي يبيعون بها للسياح.
وأضاف، "ماذا يمكن لموظف يحصل على راتب ألفين أو 3 آلاف ليرة تركية أن يشتري من هنا. بالكاد يمكنه أن يشتري مئة أو مئتي غرام لو حدث وجاء للشراء، وهذا الوضع لا يطمئننا".
10 مقترحات للخروج من المأزق الصعب
في الوقت نفسه، دعا رئيس حزب الديمقراطية والتقدم علي باباجان، حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا إلى اتباع خطة إصلاحية للاقتصاد بعيداً عن السياسات الشعبوية. في ما قدم الحزب الذي أسسه نائب رئيس الوزراء الأسبق علي باباجان 10 مقترحات للخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة التي تمر بها البلاد.
وتضمنت الاقتراحات في بندها الأول إعداد برنامج متوسط المدى يتضمن توصيات قدمها الحزب في مارس (آذار) وأبريل (نيسان) الماضيين، وتضمين البرنامج خريطة طريق لتطبيق الإجراءات المالية والنقدية غير العادية التي سيتم اتخاذها خلال البرنامج المتوسط المدى، وأن يعمل البنك المركزي التركي بشكل فعال ومستقل، وإعطائه أدوات استهداف التضخم وتعويم سعر الصرف وتحركات رأس المال الحر. وذكر الحزب أن الأمر يتطلب بذل أقصى جهد للاستفادة من أي فرصة للتمويل الخارجي من شأنها تعزيز احتياطيات البنك المركزي. فيما تضمن المقترح الرابع إنهاء التدخلات بحركة النقد الأجنبي عن طريق بنوك الدولة التي لا تتسم تعاملاتها بالشفافية وتفشل في تحقيق التأثيرات المستهدفة على الفور.
أما المقترح الخامس فقد تمثل في إجبار جميع البنوك، بخاصة الحكومية منها، على إيقاف إعطاء قروض ميسرة ورخيصة دون الاعتماد على تحليل الفوائد والمخاطر، بينما نص المقترح السادس على تطبيق القاعدة المالية التي تضمن انضباط الموازنة، وإعادة تأسيس وحدة الميزانية والنزاهة والانضباط، وإنهاء الممارسات غير الشفافة، وإيلاء أولوية للسيطرة على النفقات العامة غير الفعالة والهدر العام كوسيلة للسيطرة على عجز الميزانية.
ونص المقترح السابع على استخدام بند احتياطات الطوارئ الذي تم ادخاره لسنوات في الميزانية العامة للبنك المركزي بطريقة شفافة في تمويل عجز الميزانية، وعدم اللجوء إلى الممارسات التعسفية للتعاطي مع هذه المدخرات، التي قد تستجيب للمخاطر المفاجئة كوباء كورونا.
وشدد المقترح الثامن على تفعيل الاستثمارات العامة والتعاون بين القطاعين العام والخاص بفهم قائم على الشفافية والمشاركة والملاءمة والكفاءة، في ما أكد المقترح التاسع ضرورة منح معهد الإحصاء التركي استقلالاً قوياً وزيادة في الجودة وموثوقية في الإحصاءات التي ينشرها. أما آخر المقترحات فقد نص على تنفيذ اللوائح التي تضمن الانتقال إلى إدارة الاقتصاد القائم على المؤسسات وتعزيز القدرة المؤسساتية لإدارة الاقتصاد بسرعة.