مخاوف كبيرة عاشتها تونس السنة الماضية على وقع تردي الأوضاع الاقتصادية وتراجع قيمة الدينار، ووسط توقعات ان يواصل سعره التراجع بسرعة كبيرة أمام العملات الاجنبية الأساسية وخصوصاً الدولار واليورو. فبعدما فقد الدينار نحو 17 في المئة من قيمته امام الدولار، والنسبة نفسها تقريباً أمام العملة الأوروبية الموحدة السنة الماضية، توقع محللون وخبراء اقتصاد استمرار هذا التدهور بالنسق نفسه العام الجديد، لكن المفاجأة كانت بتوقف انهيار سعر الصرف مع إقرار مجلس النواب موازنة تتضمن الكثير من التقشف ومن الحوافز لدفع الاستثمار واعادة تشغيل عجلة الاقتصاد التونسي التي تعرضت في السنوات الثماني الأخيرة لعراقيل أدت إلى تباطؤ النمو.
البنك المركزي التونسي تدخل أكثر من مره للحد من انهيار قيمة الدينار ورفع نسبة الفائدة المديرية مرة أخرى بـ 100 نقطة لتصل إلى 7.75 في المئة في شهر فبراير (شباط) الماضي للحد من التضخم والعجز التجاري الذي وصل لمستويات قياسية.
اقتصاد هش
وفد من صندوق النقد الدولي سيزور تونس الأسبوع المقبل للمرة الخامسة لمتابعة الإصلاحات التي تعهدت الحكومة التونسية تنفيذها ضمن برنامج إصلاح اقتصادي يدعمه البنك، واعتبر جيري رايس المتحدث باسم الصندوق في مؤتمر صحفي أن تونس حققت تقدماً مهماً في مجالات عدة وتشهد انتعاشة متواضعة. أضاف رايس أن الاقتصاد التونسي لا يزال هشاً، والعجز والدين كبيران، والتضخم مرتفع، وسعر العملة المحلية مقابل العملات الاجنبية منخفض. وأكد أن صندوق النقد الدولي يدعم جهود الحكومة التونسية الرامية الى تعزيز السياسة الاقتصادية الكلية وإصلاح فرص العمل والنمو.
ارتفاع نسبة التضخم
البنك المركزي، وفي تقرير صدر عقب اجتماع مجلس ادارته الخميس 21 مارس (آذار)، سجل تواصل ارتفاع نسب التضخم لتقف بحدود 8.2 في المئة في المواد الغذائية، وما يقارب 8.7 في المئة بالمواد المصنعة، وهذه المؤشرات تستدعي متابعة دقيقة لنسبة التضخم والعمل للحد من مخاطرها. في المقابل، أعلن البنك أيضاً تحسن مدخراته من العملات الأجنبية وارتفاع نسبة تغطيات الواردات لحدود 86 يوماً بعدما شهدت تراجعاً كبيراً السنة الماضية، ووصلت لحدود 73 يوماً، وهذا ما اعتبر مؤشراً خطراً على انهيار الأوضاع الاقتصادية بشكل كبير ومقلق.
مؤشر إيجابي
التطور الإيجابي في تحسن سعر صرف الدينار التونسي امام سلة العملات الأجنبية اعتبره السيد محمد صالح سويلم المدير العام السابق للسياسة النقدية في البنك المركزي التونسي تراجعاً في الخلل الكبير الذي كان موجوداً في السوق المالية بين العرض والطلب على العملات الأجنبية، وسببُ هذا الخلل هو العجز التجاري الكبير، وخلال الاشهر الثلاثة الماضية تحسن سعر صرف الدينار التونسي امام العملات الأجنبية، وهذا مؤشر إيجابي أسهم في اجبار المضاربين بالعملات الأجنبية على التخلي عن هذه الأموال بعد بدء تراجع سعر العملات أمام الدينار، خوفاً من تكبدهم خسائر، وهذا ما أسهم في ضخ كميات كبيرة من العملات الأجنبية في البنوك التي استفاد منها احتياطي البنك المركزي بشكل جيد.
الاقتصاد بدأ بالتحسن
أضاف صويلح أن هذه المؤشرات تظهر ان الاقتصاد التونسي بدأ بالتحسن والسنة الماضية حقق نمواً بنسبة 2.5 في المئة، وعلى الرغم من التهديدات الإرهابية والعراقيل التي تواجه الاقتصاد التونسي، فإن تحسن الأوضاع السياسية وعودة الاستقرار داخل تونس وفي ليبيا سيسهمان في دعم نسب النمو التي يمكن ان تصل الى ستة في المئة وهو رقم ممكن تحقيقه إذا نجحت تونس في تجاوز العقبات التي تواجهها.
وأكد صويلح ان آفاق الاقتصاد التونسي إيجابية جداً على مختلف المستويات وخصوصاً السياحة والاقتصاد المعملي، التي تحتاج الى استقرار سياسي، إن تحقق يحصل تراجع إضافي في أسعار صرف العملات الأجنبية امام الدينار التونسي، وقد يصل التراجع في الاشهر المقبلة الى حدود خمسة في المئة من قيمته الحالية.
تناقضات سياسية
التحسن الهش في اوضاع الاقتصاد التونسي بحسب ما ذكر الناطق الرسمي لصندوق النقد الدولي الذي سيقوم وفد منه بزيارة تونس في الأيام القليلة المقبلة، ناقضه رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي في خطاب القاه في 20 مارس بمناسبة الذكرى 63 لاستقلال تونس عندما قدم صورة قاتمة للأوضاع الاقتصادية محملاً بطريقة مباشرة الحكومة ورئيسها يوسف الشاهد المسؤولية في وقت لم يعد خافياً على أحد عمق الخلافات بين الرجلين.
رئيس الجمهورية أوضح أن نسبة التضخم ارتفع من 4.4 في المئة سنة 2010 ليصل إلى 7.3 في المئة سنة 2018 كما ارتفع الدين العمومي للدولة من 40 في المئة سنة 2010 ليصل 71.7 في المئة سنة 2018، وتابع رئيس الجمهورية ان الأوضاع الاقتصادية في تونس مقلقة وخطيرة مع تفاقم العجز التجاري ليصل الى 19.1 في المئة.
غياب الحلول السحرية
وتبقى الأوضاع الاقتصادية في تونس رهينة الاوضاع السياسية التي تشهد غياب الاستقرار قبل سبعة أشهر من موعد الانتخابات، وبين تصريحات إيجابية لصندوق النقد الدولي وارقام سلبية قدمها رئيس الجمهورية بشأن الاوضاع الاقتصادية في تونس، تتفاقم الحيرة بإمكان الخروج من الازمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد.