كانت تايلور سويفت حتى هذا الأسبوع تُروج لألبومها الجديد وفق خطط في غاية الدقة كتلك التي يرسمها الجنرالات. كانت التلميحات قد مهدت للحدث قبل أشهر، إذ كان هناك بيض عيد الفصح، وألغاز مصورة وتلميحات مبهمة على وسائل التواصل الاجتماعي. غير أن تلك الجهود قد ذهبت كلها أدراج الرياح بالنسبة لـ"فولكلور" Folklore ثامن ألبوماتها الذي أُعلن عنه قبل أقل من 24 ساعة من إصداره. إنه أسطوانة غير تقليدية، خصوصاً بالنسبة لأكبر نجمة بوب في العالم. كما أنه عمل رائع.
كان ألبوم "لوفر" Lover الذي أصدرته سويفت عام 2019، يمثل العودة إلى أنماط مؤلفاتها الرومانسية العذبة القديمة. وكانت تلك الأغنيات بمثابة رؤى ربيعية مرسومة بألوان الباستيل الوردية والبنفسجية، بعد عواصف الشتاء المستعرة التي قدمتها في ألبوم "ريبيوتيشن" Reputation" عام 2017.
بالتالي، يأتي ألبوم "فولكلور" الجديد وكأنه أوجاع آخر الصيف الساخنة، حين يزهر الوَلَه والحنين ويكون الهواء مشبعاً بعبق دخان الحطب والنبيذ الأحمر. وتعاونت سويفت في هذا العمل الذي كُتب وسُجل فيما عزلت نفسها بسبب جائحة كورونا، مع من تعتبرهم "أبطالها الموسيقيين": آرون دريسر من فرقة "ذا ناشيونال"The National لموسيقى الروك، وفرقة "بون آيفر" Bon Iver لموسيقى "إندي فولك"، إضافة إلى جاك أنتونوف شريكها المتكرر في كتابة الأغاني وإنتاجها. لا توجد أغنيات بوب هنا، بل مجرد أشعار راقية على أنغام البيانو.
ويضم الألبوم شخصيات لم يسبق لسويفت أن قدمتها على الإطلاق، بعضها متخيل كما يبدو، وبعضها الآخر مستوحى من أفراد عائلتها، وهناك نوع ثالث لأشخاص تتمنى سويفت لو أنها لم تلتقِ بهم. لا يولي ألبوم "فولكلور" الكثير من الاهتمام ببيت الشعر المكثف الذي يبهر بمفرده السامع ويكاد يسلبه لبّه، بل هو معني أكثر بعرض التفاصيل الصغيرة. هكذا تؤدي سويفت أغنية "ذا 1" The 1 قائلة "لدي هذا الحلم/ أنت تقوم بأشياء ظريفة.../ تعيش مغامراتك بمفردك/ تلتقي إحدى النساء عبر الإنترنت/ وتصحبها إلى المنزل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتواصل أغنية "كارديغان" Cardigan ما أضاءته أغنية "كول إت وات يو وونت" Call It What You Want، التي تعتبر أبرز أغنيات ألبوم "ريبيوتيشن". وتغمر سويفت المجروحة بسبب تمحيص الجمهور المستمر في حياتها الشخصية، السعادة بسبب عثورها على شخص لا يكترث لماضيها. وتنطوي الأنغام الوترية الطاغية على إشارة هازئة إلى أغنية "لايت ييرز" Light Years لفرقة "ذا ناشيونال"، في حين أن إيقاع سويفت المتلهف مع الجوقة يحاكي أغنية لانا ديل راي "يونغ آند بيوتيفول" Young and Beautiful. وهناك تباين مثالي بين طبقة صوت جاستن فيرونس المنخفضة ونغمات سويفت الأثيرية في أغنية "إكسايل" Exile.
تظهر نزعة سويفت الانتقامية في أغنية "ماد وومان" Mad woman، أقله من خلال استخدامها كلمة نابية للمرة الأولى في إحدى أغنياتها. مع ذلك، وخلافاً لأغنية "لوك وات يو ميد مي دو" Look What You Made Me Do، لا يبدو غضبها الآن هشاً للغاية، وكأنها واحدة من ساحرات مسرحية "ماكبيث" لشكسبير، منهمكة في حياكة الأقدار بينما يثبت الرجال الأقوياء أنهم ألدّ أعداء أنفسهم.
لعل أغنية "ميروربول" Mirrorball التي كتبتها مع أنتونوف، هي إحدى أفضل أغانيهما المشتركة، فهي طلِقة، حالمة، وبراقة. تتعالى الموسيقى تدريجاً مثل دفقة من الأمواج المتلاطمة وهي تمضي في طريقها لتتكسر على الشاطئ. لطالما تمتعت سويفت بموهبة خاصة في توصيف السلوك السري بتفاصيل راقية، وقد تفوقت حتى على نفسها في ألبوم فولكلور. فهي تقول بيأس في أغنية "إيليست أفيرز" Illicit Affairs "انظر إلى هذه الحمقاء الغبية التي حولتني إليها/ لقد علمتني لغة سرية لا يمكنني التحدث بها مع أي شخص آخر/ وأنت تعرف حق المعرفة/ أنني سأدمر نفسي من أجلك". يمكننا القول إن أكثر أغنية مؤثرة في المجموعة هي "سفين" Seven، وذلك بفضل أنغام الكمان والغيتار الصوتي فيها - تشيد فيها بصداقات الطفولة التي تستمر للأبد.
كتبت سويفت عبر حسابها على "إنستغرام" قائلة، "قبل هذه السنة... ربما كنت سأطيل التفكير في الموعد "المثالي" لإطلاق هذا العمل الموسيقي، لكن هذا الزمن الذي نعيشه يذكرني باستمرار أنه لا شيء مضموناً. وتقول لي نفسي إنني إذا صنعتُ شيئاً أحبه، فإن عليّ فقط أن أقدمه إلى العالم". ربما لم يكن هناك موعد مثالي لإطلاق ألبوم "فولكلور"، لكنه عمل شبه مثالي.
© The Independent