حادث مأساوي شهدته العاصمة اللبنانية، الثلاثاء، جراء انفجارات ضخمة في مرفأ بيروت والذي أدى إلى مقتل أكثر من 100 شخص وإصابة 4 آلاف آخرين، وفقاً لآخر الإحصاءات الرسمية، فضلاً عما خلفه الحادث من دمار وخسائر مادية جسيمة في المدينة المكتظة بالسكان.
وسط تساؤلات وحيرة عن سبب الانفجارات التي صاحبتها سحابة ضخمة تخللها اللون الأحمر والأسود في مشهد أشبه بانفجار قنبلة ذرية ويتزامن مع الذكرى 75 لكارثة "هيروشيما"، تراوحت التوقعات بين الاعتقاد بشن هجوم إرهابي بالقنابل أو ضربة صاروخية وسط توترات بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، لكن سرعان ما أعلن رئيس الوزراء اللبناني، حسان دياب، أن الانفجارات ناتجة من شحنة تبلغ 2750 طناً من نيترات الأمونيوم التي تم تخزينها في الميناء الساحلي منذ عام 2013.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تبع ذلك الإعلان تداول مقطع فيديو، يعود إلى 16 فبراير (شباط) 2016، على مواقع التواصل الاجتماعي للأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، يهدد فيه بإمكانية تفجير حاويات الأمونيا في ميناء حيفا بإسرائيل. وقال الزعيم الشيعي إن "بعض الصواريخ من عندنا إضافةً إلى حاويات الأمونيا في ميناء حيفا نتيجتهم نتيجة قنبلة نووية في منطقة يسكنها 800 ألف نسمة سيُقتل منهم عشرات الآلاف". وهو التهديد الذي دفع السلطات الإسرائيلية آنذاك إلى إخلاء مخازن ميناء حيفا من الأمونيا.
ما نيترات الأمونيوم؟
مادة نيترات الأمونيوم هي مادة بلورية تشبه الملح عديمة الرائحة وقد كانت سبباً في انفجارات صناعية عدّة على مدى عقود، ومع ذلك فإنها ليست ضمن المواد المحرم استخدامها، إذ يشيع استعمالها كسماد، فتذوب تحت التربة مكونة النيتروجين المهم في نمو النبات. وعلى الرغم من مخاطرها، تقول جيمي أوكسلي، أستاذة الكيمياء في جامعة رود آيلاند، في تعليقات لوكالة الصحافة الفرنسية، إن الاستخدامات المشروعة لنيترات الأمونيوم في الزراعة والبناء جعلتها لا غنى عنها.
وتضيف: "ما كان لدينا هذا العالم الحديث من دون متفجرات، ولن نطعم السكان الذين لدينا اليوم من دون سماد نيترات الأمونيوم.. لكن نحتاج فقط إلى الانتباه جيداً لما نفعله به".
وعام 2013، قتل 15 شخصاً جراء انفجار في مصنع للأسمدة في ولاية تكساس الأميركية. وقبل ذلك في عام 1947، وقعت كارثة في مدينة تكساس أيضاً، عندما انفجر مستودع يقل 2300 طن من نيترات الأمونيوم، مما أسفر عن مقتل ما يقرب من 500 شخص. ووقع حادث مشابه في مدينة تولوز بفرنسا عام 2001 راح ضحيته 31 شخصاً، إذ تتمثل خطورة هذه المادة عندما يتم خلطها بالوقود، فتنتج قوة تفجير ضخمة، لذا تستخدمها الجماعات الإرهابية في تصنيع العبوات الناسفة. وكانت مادة نيترات الأمونيوم أحد مكونات القنبلة المستخدمة في الهجوم الإرهابي في أوكلاهوما سيتي بالولايات المتحدة عام 1995 الذي أسفر عن مقتل 168 شخصاً.
حزب الله وتفجيرات بورغاس
وبعد قيام الاتحاد الأوروبي بتصنيف الجناح العسكري لحزب الله كمنظمة إرهابية عام 2013، كشف تحقيق مشترك أجرته وكالة مكافحة المخدرات والشرطة الأوروبية "يوروبول"، وبعض الدول الأوروبية عام 2016 عن نشاط واسع النطاق للحزب يتعلق بتهديدات داخل الدول الأوروبية شمل تخزين مادة نيترات الأمونيوم.
وكشف التحقيق المشترك عن منازل ومستودعات آمنة تحتوي على كميات هائلة من المواد المتفجرة التابعة للميليشيات الشيعية داخل دول أوروبية، فعام 2015، عُثر على مستودع يخزن 8.3 طن من نيترات الأمونيوم في قبرص، وبعد ستة أشهر، اكتُشفت 3 أطنان من نيترات الأمونيوم في أربعة مخابئ في لندن. على رأس مخاطر التفجيرات العرضية التي تهدد الأحياء السكنية، تم الكشف عن أن الشحنة المستخدمة في تفجير بورغاس في 18 يوليو (تموز) 2012 تحتوي على نيترات الأمونيوم. وتفجيز بورغاس في بلغاريا، هو عملية إرهابية استهدفت حافلة تقل سياحاً إسرائيليين، نفذه انتحاري يدعى محمد حسن الحسيني بدعم من حزب الله، بحسب تحقيقات اليوروبول وأجهزه الاستخبارات.
اشتعال نيترات الأمونيوم
تقول أوكسلي، التي أجرت دراسات عن اشتعال مادة نيترات الامونيوم، إنه "من الصعب جداً إشعال هذه المادة، وكذلك ليس من السهل تفجيرها". وأضافت أنه في ظل ظروف التخزين العادية ومن دون حرارة عالية جداً، من الصعب اشتعال هذه المادة، وتابعت "إذا نظرت إلى مقطع الفيديو (تفجير بيروت)، نرى الدخان الأسود والدخان الأحمر، وهو ما يشير إلى رد فعل غير مكتمل". وتعتقد خبيرة المتفجرات الأميركية أن انفجاراً صغيراً حرّض على رد فعل نيترات الأمونيوم، "سواء كان ذلك الانفجار الصغير حادثاً أو مقصوداً"، بحسب قولها.
وفي السياق ذاته، توضح غابرييل دا سيلفا، المحاضرة في الهندسة الكيماوية في جامعة ملبورن، في تصريحات لصحيفة الغارديان البريطانية، إن نيترات الأمونيوم مادة مؤكسدة تعمل على جذب الأكسجين إلى النار، لذا فإنها تعمل على تكثيف عملية الاحتراق وتسمح للمواد الأخرى بالاشتعال بسهولة أكبر، ولكنها ليست في حد ذاتها قابلة للاشتعال. وتضيف أنه إذا كانت المادة الكيماوية نفسها ملوثة، على سبيل المثال بالبنزين، فإنها تصبح شديدة الانفجار، مؤكدة "أعتقد أن هذا ما حدث هنا".
لهذه الأسباب، توجد بشكل عام قواعد صارمة للغاية بشأن مكان تخزين نيترات الأمونيوم على سبيل المثال، يجب أن تبقى بعيدة من الوقود ومصادر الحرارة. ووفقاً لصحيفة الديلي تليغراف البريطانية، تلتزم دول عدّة في الاتحاد الأوروبي إضافة كربونات الكالسيوم إلى نيترات الأمونيوم عند تخزينها لأنها تتحول إلى نيترات كالسيوم الأمونيوم، وهي مادة أكثر أماناً. وفي الولايات المتحدة، تم تشديد اللوائح بشكل كبير منذ هجوم أوكلاهوما سيتي الإرهابي، فبموجب معايير مكافحة الإرهاب في المنشآت الكيماوية، تخضع المنشآت التي تخزن أكثر من 2000 رطل (900 كيلوغرام) من نيترات الأمونيوم لعمليات تفتيش دورية.