خرجت تظاهرات في مناطق عدة في العاصمة السودانية الخرطوم، وعدد من مدن الولايات الخميس، شارك فيها مئات المتظاهرين الذين رددوا هتافات مطالبة بتنحي حكومة الرئيس عمر البشير، في حين أطلق بعضهم بالونات تحمل صوراً لضحايا الاحتجاجات.
هدية الى أمهات الشهداء
ودعا "تجمع المهنيين السودانيين" وتحالفات معارِضة الى تظاهرات تحت عنوان "مواكب العدالة" أهدوها إلى "أمهات الشهداء والمعتقلين، واللاجئين والنازحين، ومتضرري السدود، والعمال والمزارعين".
وأفاد "تجمع المهنيين" على صفحته في موقع "فيسبوك" بأن مناطق جبرة والصحافة والشجرة والسلمة شارع الستين في الخرطوم، والحاج يوسف وشمبات في الخرطوم بحري، وام بدة وودنوباوي وابو روف في ام درمان، شهدت كلها "تظاهرات هادرة" واجهتها القوات الأمنية بالغاز المسيل للدموع واعتقال عشرات المحتجين.
وقال شهود إن المتظاهرين رددوا هتافات مناهضة للحكومة منها "حرية سلام وعدالة ... الثورة خيار الشعب"، "لا تراجع بل إقدام ... ثورة حتى النصر". وأضاف الشهود أن قوات الأمن استخدمت الغاز المسيل للدموع والهراوات، وهذا ما دفع المتظاهرين في اتجاه الاحياء السكنية ودخلوا في حالة كر وفر مع الشرطة التي كانت تلاحقهم.
وشاهد مراسل "اندبندنت عربية" إطلاق عشرات المحتجين في ضاحية بري شرق الخرطوم يوم الخميس، عشرات البالونات الملونة التي تحمل صوراً لمعتقلي الاحتجاجات وهم يرددون "دماء الشهداء لن تذهب هدراً" و"مليون شهيد فداءً للوطن".
اعتقالات في الولايات
وقال حزب الأمة المعارض في بيان إن تظاهرات خرجت في مدينة سنار عاصمة الولاية التي تحمل الاسم ذاته في جنوب شرقي البلاد، ومدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان في غرب البلاد. وأضاف حزب الأمة "أجهزة النظام القمعية في مدينة الأبيض اعتقلت منصور ميرغني حسين زاكي الدين، رئيس حزب الأمة في ولاية شمال كردفان، والزاكي جمعة وعبد الباقي أبو حامد، وقادم إبراهيم، أعضاء المكتب السياسي للحزب". وأشار حزب الأمة إلى أن "عمليات الاعتقال تمت من غير مسوغات قانونية"، كما جرى دهم للمنازل.
المعارضة تعلق الحوار مع الحكومة
في موازاة ذلك، قرر تحالف "قوى نداء السودان" المعارض الانسحاب من "خريطة الطريق الأفريقية للمصالحة والسلام". كما أعلنت الحركات المسلحة المنضوية تحت لواء التحالف، وقف كل عمليات التفاوض مع الحكومة السودانية. وأتت تلك القرارات في ختام اجتماعات التحالف التي عُقدت على مدى يومين في العاصمة الفرنسية باريس، وشارك في الجلسة الافتتاحية ممثلون عن حكومات فرنسا، والولايات المتحدة، وبريطانيا، والنرويج، والاتحاد الأوروبي.
وأورد بيان عن التحالف المعارض أن "قوى نداء السودان الموقعة على خريطة الطريق الأفريقية في العام 2016 في أديس أبابا قررت الانسحاب نهائياً من الخريطة"، معتبرةً إياها "وثيقة من الماضي وغير ملزمة لها تماماً".
وكانت ثلاث حركات مسلحة تقاتل الحكومة في دارفور ومنطقتَي النيل الأزرق وجنوب كردفان، وحزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي وقّعت "خريطة الطريق" مع الحكومة السودانية في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا في العام 2016، تحت رعاية الإتحاد الأفريقي ممثلاً في الوساطة بقيادة ثابو مبيكي.
كما أورد البيان قرار الحركات المسلحة المنضوية تحت لواء قوى "نداء السودان"، وقف كل أشكال التفاوض مع النظام. وأشار البيان إلى أن "قضايا وقف الحرب وبناء السلام تحتل موقعاً متقدماً في أولويات الفترة الانتقالية، وأن حلول مسبباتها الجذرية ومعالجة آثارها ستُضمَّن في مواثيق قوى إعلان الحرية والتغيير، عبر صيغ تفصيلية واضحة تربط قضية السلام بقضايا الديموقراطية والعدالة الاجتماعية".
وأكدت قوى "نداء السودان" رفض كل مبادرات الحوار مع النظام، وتدعم "اجراءات تنحيه وتسليم السلطة إلى ممثلي الشعب مع المناصرة الكاملة للحراك الشعبي".
المعارضة لا تستبعد التيار الإسلامي
وصرح مسؤول العلاقات الخارجية في تحالف "قوى نداء السودان" ياسر عرمان أن قوى "إعلان الحرية والتغيير" ستكون البديل من النظام الحالي، بعدما باتت جبهةً واسعة يجري تطويرها حالياً من دون استبعاد ضمّها ممثلين عن التيار الإسلامي. وأضاف أن "الثورة السودانية لا تحمل أجندة إقصائية بل هي ضد الإقصاء والشمولية في المقام الأول".
وقال عرمان في مؤتمر صحافي في باريس "سنذهب إلى بناء جبهة واسعة، واعلان الحرية والتغيير سيكون البديل من هذا النظام".
وناقش اجتماع قيادة "نداء السودان" الذي فُضّ الأربعاء في باريس كيفية تطوير تحالف قوى "إعلان الحرية والتغيير" الذي ينشط فيه إلى جانب حلفائه في تجمع المهنيين وقوى الإجماع الوطني والتجمع الاتحادي المعارض وكل القوى الموقعة على الإعلان.
وجاء في البيان الختامي أن الاجتماع "قرر الدفع في اتجاه تطوير هذا التنسيق وتوسيعه وفق مبادرة تعمل على تحوله إلى جبهة تسقط النظام". وشدد على ضرورة التفريق بين قوى اسلامية راغبة في التغيير وبين النظام الإسلامي الذي أسس لدولة عميقة في السودان، مردفاً "نحن سنزيل هذه الدولة ونعيدها إلى الشعب".
وأوضح عرمان أن "التيار الإسلامي" سيبقى بعد اسقاط النظام، و"سيذهب النظام الإسلامي الذي دمر السودان ودمر العلاقات الدولية والإقليمية".
نزاع حلايب يعود للواجهة
على صعيد آخر، استدعت الخارجية السودانية الخميس، حسام عيسى، سفير مصر لدى الخرطوم على خلفية الإعلان الذي أصدرته وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية على موقعها الرسمي بفتح عطاء دولي لاستكشاف واستغلال النفط والغاز في مناطق تقع ضمن مثلث منطقة حلايب المتنازع عليها بين البلدين.
وأعرب وكيل الخارجية السودانية السفير بدر الدين عبد الله للسفير المصري عن احتجاج الخرطوم على هذا الإعلان، مطالباً بعدم مضي القاهرة في هذا الاتجاه "الذي يناقض الوضع القانوني لمثلث حلايب ولا يتناسب والخطوات الواسعة التي اتخذها البلدان الشقيقان لإيجاد شراكة استراتيجية بينهما".
وقالت الخارجية السودانية إن "إعلان وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية لا يرتب، وفق القانون الدولي، أي حقوق لمصر بمثلث حلايب"، وعليه "فإنها تحذر الشركات العاملة في مجال الاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز من التقدم بأي أعطيات في المنطقة المذكورة". وجدد السودان دعوة مصر إلى استخدام الوسائل السلمية لحل هذا النزاع الحدودي والحيلولة دون أن يؤثر على صفو العلاقة بين البلدين.
ويتنازع السودان ومصر منذ نحو 50 سنة على تبعية مثلث حلايب الذي فرضت مصر سيطرتها العسكرية عليه منذ العام 1995. ويضم المثلث 3 بلدات كبرى هي "حلايب وأبو رماد وشلاتين".
ويقع مثلث حلايب في أقصى المنطقة الشمالية الشرقية للسودان على ساحل البحر الأحمر وتسكنه قبائل البجا السودانية المعروفة.
كذلك اعتبر وزير الدولة بوزارة النفط السودانية سعد الدين البشرى أن ما قامت به شركة "جنوب الوادي" المصرية القابضة للبترول من طرح 4 مربعات عبر موقعها الرسمي، إلى جانب مساحات من دون مسمى داخل الأراضي السودانية بمنطقة حلايب في العطاء العالمي للعام 2019 لترخيص مربعات بحرية بالبحر الأحمر في مصر، "يُعد تدخلاً مباشراً في صلاحيات وزارة النفط والغاز السودانية في منح تراخيص التنقيب في هذه المنطقة".
من ناحية أخرى، أعلنت وزارة الخارجية السودانية الخميس أنها أعادت 3 سفراء إلى الخدمة الدبلوماسية، من ضمنهم رئيس الوزراء السابق معتز موسى، والأمين العام لجهاز السودانيين العاملين في الخارج كرار التهامي ووكيل الخارجية السابق ياسر خضر، إلى جانب تسمية حاكم الولاية الشمالية السابق ياسر يوسف، ووزير الدولة للخارجية السابق عبيد الله محمد، سفراء جدداً.
وغرّد رئيس حزب المؤتمر السوداني، عمر الدقير على "تويتر" منتقداً الخطوة. وقال إن "وزارة الخارجية ضمن سياسات الترضيات والتمكين الحزبي أعادت وزير وحاكم ولاية سابقين ينتميان إلى حزب المؤتمر الوطني الحاكم إلى الخارجية بعد إبعادهما من التشكيل الحكومي الأخير".