Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أوليفيا دو هافيلاند آخر أساطير هوليوود ذهبت مع الريح

النجمة الشاهدة على تطورات السينما منذ عهد الصامت إلى الأبعاد الثلاثة والتكنيكولور

أوليفيا دو هافيلاند في فيلم "ذهب مع الريح" (موقع الممثلة)

كانت الممثّلة الكبيرة أوليفيا دو هافيلاند قبل رحيلها الأحد الماضي عن 104 سنوات، أكبر معمّرة في هوليوود، آخر أساطير عصرها الذهبي الذي لم يبقَ منه أحد حيّاً بعد رحيل كيرك دوغلاس قبل أشهر. كانت النجمة التي عبرت كالضوء عقوداً من السينما، تشبّعت بها، صارت أيقونتها، شاهدة على كلّ تطورات السينما منذ عهد الصامت إلى الأبعاد الثلاثة مروراً بالتكنيكولور، قبل أن تغمض عينيها نهائياً في بيتها الباريسي حيث عاشت أكثر من نصف عمرها. 

مثّلت دو هافيلاند في عدد كبير من الأفلام بين عامي 1935 وبداية الثمانينيات، سنوات نشاطاتها الأبرز، وفازت بكميّة من الجوائز المهيبة، بينها جائزتي "أوسكار". إلا أن الجميع يذكرها في دور ميلاني هاملتون الذي جسّدته خير تجسيد في "ذهب مع الريح" (1939) لفيكتور فليمينغ، على الرغم من أنها أطلت في أكثر من 50 فيلماً، وكانت واحدة من ممثّلات الصفّ الأول في هوليوود لسنوات، وظهرت في أفلام جماهيرية وأيضاً في أفلام جادة مقتبسة من نصوص أدبية، وبدت كلاسيكية المظهر وحرّة الطبع وعصرية المنهج في آن معاً.

هذه الأميركية - الفرنسية البريطانية الأصل التي ولدت في طوكيو، شبّت واشتهرت في هوليوود وماتت في باريس، المدينة التي كانت انسحبت اليها، بعدما وقعت في غرامها في العام 1953 ولم تغادرها منذ ذلك العام. وهذا يقول الكثير عن البُعد الكوني الذي اتسمت به حياتها. 

بدايات مبكرة

تعود بداياتها في السينما إلى منتصف الثلاثينيات. كانت السينما حينها تخرج من فترتها الصامتة إلى الناطقة. يومها، وقّعت دو هافيلاند عقداً مع "وارنر" لسبع سنوات، من دون أن تعي مدى صعوبة الارتباط. أفلام المغامرات كانت صيحة جديدة. كُلِّف إيرول فلين ليكون أحد أبطالها، هذا الذي كان يقفز من مكان إلى مكان مستلاً السيف. دو هافيلاند شاركته بطولة ثمانية أفلام، علماً أنه عندما بدأت معه كانت بالكاد تخطت عمر المراهقة، ولا تملك في سجلّها إلا القليل. من هذه الأفلام "القبطان بلود" (1935) والأشهر من أن يعرَّف "مغامرات روبن هود" (1938)، وكلاهما من إخراج الحرفي الكبير مايكل كرتيز. فيلمان مهّدا لسينما المغامرات على الطريقة الهوليوودية. 

اضطرت إلى فتح معركة مع "وارنر" كي تسمح لها بأداء دور ميلاني في "ذهب مع الريح"، فرُشِّحت عنه لـ"أوسكار" أفضل ممثّلة في دور ثانوي، وكانت البداية الحقيقية لمسيرتها. بعد هذا الفيلم الأسطورة، ولأول مرة، شعرت دو هافيلاند بأنها تمثّل كاركاتيراً له قيمة، حد أن بعد سنوات صرحت أن كلّ الشخصيات التي جسّدتها قبل ميلاني كانت زيفاً بزيف. 

من أدوار الفتاة البريئة والساذجة التي كرست حضورها ولكن لم تبرز موهبتها كما يجب، انتقلت دو هافيلاند في الأربعينيات إلى أعمال كشفت حجم طاقاتها التمثيلية، فكان "من الباب الذهبي" (1941) لميتشل لايزن، فيلم كتب له السيناريو بيلي وايلدر. يتحدّث الفيلم عن "جيغولو" من رومانيا كلّ حلمه هو الخروج من المكسيك إلى الولايات المتحدة، وهو مستعد لفعل أي شيء من أجل هذا. فيتعرف على مدرّسة أميركية ساذجة تُدعى إيمي براون تلعب دورها دو هافيلاند. تتعطل سيارة المدرّسة فتعجز عن مغادرة المكسيك. حينها، يقرر إغواءها، فيتزوجها، ثم يطلقها فور عبوره الحدود الأميركية، إلا أن بعد فترة قصيرة يقع في حبّها، فتبدأ متاعبه. 

الإبسامة الساحرة

كانت دو هافيلاند قصيرة القامة، لا تتجاوز المتر و36 سنتمتراً، الشيء الذي لم يكن عائقاً أمام سطوة حضورها. تميزت بوجه ذات خطوط متجانسة وتقاسيم مثيرة. كانت دائمة اللجوء لعينيها لتمرير ما لا يمر إلا من خلال العينين. أتقنت كما لا أحد انتقاء الكلمات، وفي هذا الصدد قال عنها المخرج مارفين لوروا بأنها "دقيقة كمَن يعزف على البيانو". أما تلك الابتسامة، فلم يستطع أحد مقاومتها، بل كانت تُخرج الدبابير من وكرها. انها امرأة فولاذية، صاحبة إرادة صلبة. هناك مَن يدعم نظرية بأنها ممثّلة أدبية، بالمعنى النبيل للكلمة، خصوصاً في "الوريثة". عُرِفت أيضاً بصدقها، وبالنحو الذي كانت تغلّف الشخصيات اللطيفة بأبعاد بسيكولوجية. لم تخفِ يوماً أنه صعب عليها تجسيد دور فتاة لطيفة أكثر من الفتاة الشريرة اللعوب. 

عاشت دو هافيلاند حياتها على أوسع نطاق. شاركت الشاشة مع كبارها، من جيمس كاغني إلى فيفيان لي وريتشارد برتن فريتا هايورث. ولا يمكن أن ننسى معركتها الشهيرة مع "وارنر" في زمن لم يكن للممثّلات سوى خيار واحد: الإذعان لقرارات أرباب الإستوديوات. إلا أنها قررت مقاضاة "وارنر" في أول محاكمة من نوعها في تاريخ هوليوود. رفعت دعوى قضائية وربحتها. وفي التفاصيل أن رفضها التمثيل في المزيد من أفلام المغامرات مع إيرول فلين كان أزعج "وارنر"، فنشب خلاف بينهما وصل إلى المحكمة، ذلك أن الأستوديو طالبها بستة أشهر عمل تعويضاً للفترة التي كانت تغيبت فيها دو هافيلاند على سبيل التمرد، بعدما كانت انتهت فترة العقد بين الطرفين. ولكن "وارنر" خسرت القضية. يومها، كانت دو هافيلاند في السادسة والعشرين. وخلال فترة المحاكمة التي جرت في العام 1942، امتنعت عن التمثيل واقترحت خدماتها على الجهة الوطنية التي كانت تنظّم حفلات للتخفيف عن الجنود خلال الحرب والرفع من معنوياتهم. وكانت السلطات العسكرية سعيدة بأن ميلاني تساند الجيوش، فساعدها هذا على استدراج الرأي العام لمصلحتها، فبدأ الناس يطرحون تساؤلات عن الكيفية التي كانت تعامل فيها الممثّلات في هوليوود. عُرفت القضية تحت مسمى "قرار دو هافيلاند" وساهمت في تحسين أوضاع العقود. في هذا المجال، كانت رائدة، ولاحقاً عندما أسند إليها مهرجان كانّ السينمائي رئاسة لجنة التحكيم في العام 1965، كانت المرأة الأولى التي تتسلّم هذه المهام. 

هذا كله حررها من الأدوار التي صنعتها ولكن ما عادت تريد الاستمرار بها. فأخذت تحلّق عالياً في سماء التمثيل. في عام واحد، 1946، مثّلت في أربعة أفلام رسمت ملامح مستقبلها، ورفعت من شأنها عند النقّاد والجمهور.

أفضل ممثلة

مع "لكلٍ مصيره" (1946) لميتشل لايزن، ثاني تعاون بينهما، فازت دو هافيلاند بـ"أوسكار" أفضل ممثّلة، وهي بالكاد في الثلاثين. في هذه الميلودراما العاطفية لعبت دور جوزفين نوريس، سيدة تتعرف خلال وجودها في لندن أثناء الحرب العالمية الثانية على ضابط أميركي شاب، وتعتقد أنها وجدت ابنها الذي تخلت عنه في العام 1917.

في واحد من أهم أفلامها، "اللغز المزدوج" (1946) لروبرت سيودماك، لعبت دو هافيلاند دور شقيقتين توأمين، واحدة من التوأمين من المفترض أنها ارتكبت جريمة، إلا أنه يصعب إدانتها. لكن  المحقق الذي يتابع القضية ينجح في إقناع المعالج النفسي (وهو شغوف بهذه القضية ومغرم بإحدى الشقيقتين) باثبات مَن منهما هي المجرمة. جسّدت دو هافيلاند الدورين في الفيلم، واحدة لطيفة والثانية لعوبة. عمل "فرويدي" بامتياز مشبّع بعلم النفس، ينتمي إلى السينما "النوار" الأميركي التي سادت في فترة الأربعينيات. بعد سنوات، اعترفت أن دور تيري (الشقيقة الشريرة) ظلت تلاحقها على الرغم من مرور الزمن. 

في "الوريثة" (1949)، رائعة وليم وايلر التي تجري أحداثها في القرن التاسع عشر، لعبت دو هافيلاند شخصية كاثرين سلوبر، وريثة عائلة ثرية تقيم في نيويورك مع والدها المتسلط. ذات يوم تلتقي هذه الآنسة الخجولة شاباً يُدعى موريس تاونسند خلال حفل راقص. تتطور العلاقة بينهما، فيطلب الشاب يدها من والدها، إلا أن الأخير يرفض بعدما يتّهمه بأنه يطمع إلى المال الذي سترثه. "الوريثة" الذي يُعد أحد أجمل الأفلام الأميركية، مقتبس من رواية لهنري جيمس، وورد مراراً في لائحة الأعمال التي تحمل ثقلاً ثقافياً. أداء دو هافيلاند البديع جعلها تنال ثاني "أوسكار"، فقط بعد مرور ثلاث سنوات على فوزها بالأولى. يذكر أنه، من أجل تقمص هذا الدور، وافقت على الظهور في هيئة الفتاة القبيحة والسلبية. 

 

المزيد من سينما