Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إعادة هيكلة أوبك: التركيز على الصادرات وتوزيع الأصوات بحسب نسبتها

يجب تغيير التصويت داخل المنظمة بحيث يعكس صادرات كل دولة

نجحت دول أوبك في تخفيض سيطرة الشركات وإضعافها نسبياً (أ ف ب)

حان الوقت لإعادة هيكلة منظمة دول أوبك وإيجاد منظمة جديدة بدستور جديد، لأن المنظمة بوضعها الحالي لا تعكس واقع أسواق النفط العالمية، بعد أن بلغت من العمر 60 سنة. وتشير البيانات إلى أن أوبك فقدت فعاليتها في أسواق النفط منذ سنوات، مع زيادة إنتاج دول خارج أوبك، بخاصة في روسيا والولايات المتحدة والبرازيل، وأن أي نجاح في تخفيض إنتاج النفط ورفع الأسعار تاريخياً كان بسبب قيام السعودية وعدد قليل من الأعضاء بالتخفيض، وليس أعضاء المنظمة ككل. ويدعم ذلك إصرار السعودية على توسيع التعاون بين الدول ليشمل 10 دول من خارج أوبك وعلى رأسها روسيا على شكل تحالف جديد يسمى أوبك+.

نجاحات أوبك

تأسست أوبك عام 1960 في بغداد بعد فشل محاولات عدة في الخمسينيات سببها صراع الزعامات في الوطن العربي وقتها، بخاصة بين الحكومتين العراقية والمصرية. ومع أن الظاهر أن سبب تعاون السعودية وفنزويلا والعراق وإيران والكويت هو الوقوف في صف موحد ضد شركات النفط العالمية وقتها التي كانت تسيطر على احتياطيات هذه الدول، وقامت بتخفيض الأسعار المعلنة مرتين في عام 1959 في محاولة لتخفيض الدفعات التي تقدمها لهذه الدول، إلا أن هناك أدلة على أن الهدف كان أكبر من ذلك بكثير، ألا وهو تشكيل قطب عالمي ثالث بعيداً من القطبين الأميركي والسوفياتي وقتها، له بنك التنمية الخاص به، بعيداً من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بهدف النهوض بالدول النفطية والدول النامية بقوة ثرواتها الطبيعية. إلا أن هذه الرؤية تقوضت مع تغيير وزراء أوبك في ما بعد، بخاصة ألفونسو بيريز، الوزير الفنزويلي.

وفي هذا السياق هناك ملاحظتان. الأولى أن ما نراه الآن من تعاون ضمن أوبك+، والتركيز على التعاون الاستثماري بين هذه الدول، يذكرنا بالهدف الأصلي لتشكيل أوبك قبل 60 عاماً، وهذا يتطلب إعادة هيكلة أوبك لتناسب هذا الوضع. والثاني أن سبب بقاء أوبك حتى الآن كمنظمة هو ضعفها وليس قوتها. فلو كانت أوبك منظمة احتكارية قوية كما يدعي البعض، لانهارت منذ عقود مثلما انهارت المنظمات الاحتكارية الأخرى، تماماً كما تتنبأ النظرية الاقتصادية. ولو أظهرت قوة سياسية كما خطط المؤسسون، لحوربت حرباً شعواء، في وقت لم يكن لدى بعض البلاد حتى جيش تحمي به حدودها، ولانتهت أوبك منذ ذلك الوقت. لهذا فهناك رأي يقول إن بعض قادة دول أوبك رأوا أن التوجه السياسي للمنظمة بعد تأسيسها لن يقوض المنظمة فقط، ولكنه قد يقوض دول المنطقة أيضاً، ولهذا كان لا بد من التركيز على تجارة النفط فحسب، بعيداً من الأهداف الأخرى.

ونجحت دول أوبك في تخفيض سيطرة الشركات وإضعافها نسبياً، وفي الحصول على إيرادات أكبر، وفي "تنفيق الريع"، أي احتساب الريع كنفقة. الريع هو العائد الذي يحصل عليه مالك المورد الطبيعي مقابل قيام آخرين باستغلال هذا المورد. وكانت الشركات قد لجأت إلى لعبة محاسبية احتسبت الريع من الضرائب التي تدفعها للحكومات النفطية مقابل الدخل الذي تحصل عليه الشركات من بيع النفط. مثلاً، إذا كان الريع 5 في المئة، وفرضت الحكومة ضرائب 10 في المئة، فإن الشركات اعتبرت الريع كجزء من الضرائب. فقامت الحكومات بإجبار الشركات على جعل الريع ضمن التكاليف تماماً، كما هي الحال في الولايات المتحدة، فحصلت على الريع كاملاً كإيرادات، إضافة إلى الضرائب.

أوبك ليست منظمة احتكارية

شاع في وسائل الإعلام الغربية اتهام أوبك "بالاحتكار" أو بـ"الكارتل"، إما لأسباب سياسية بحتة، أو لجهل الصحافيين. إلا أن لدول أوبك وأوبك نفسها دوراً في ذلك، لأنها تجاهلت الأمر على مر عقود، بخاصة دعم الأكاديميين في هذا المجال. فنفي مسؤولي أوبك صفة الاحتكار عنها لا يكفي، وهناك ما لا يقل عن 40 بحثاً أكاديمياً وأكثر من 600 كتاب في الاقتصاد يقولون إن أوبك منظمة احتكارية. اقتصادياً وقانونياً، هناك تعريفات وخصائص محددة للمحتكر، ولا ينطبق أي تعريف أو أي خاصية على أوبك. بعبارة أخرى، إذا تم الادعاء على أوبك في المحاكم الأميركية على أنها محتكرة، بفرض موافقة الكونغرس والرئيس الأميركي على قانون "لا أوبك"، فإن الحكم سيكون بالبراءة لعدم توافر صفات الاحتكار في أوبك. فهناك شرطان قانونيان أساسيان حتى يتم وصف أوبك بالاحتكار: حصة سوقية لا تقل من 74 في المئة (تاريخياً كانت لا تقل عن 90 في المئة) وأن يتم إثبات أن نية أوبك هي إخراج المنتجين الآخرين من السوق، وأن تكون أفعالها مؤذية لهم. نصيب أوبك من السوق أقل من المطلوب بكثير، إلا أن مشكلة "تعريف السوق" ستؤدي إلى خلاف كبير في المحكمة حتى يتم الاتفاق على تعريف معين. أما من ناحية إخراج المنتجين الآخرين وإيذائهم فلا يوجد أي دليل على ذلك، إلا أن العكس موجود على لسان الساسة الأميركيين وبعض منتجي النفط الصخري! وما يعزز موقف أوبك أن إفلاس شركات "الطاقة" في الولايات المتحدة لا علاقة له بأوبك وسياساتها، لأن أغلبها شركات الطاقة الشمسية أو الكهرباء أو الغاز. أما شركات النفط التي أفلست فسببها سوء الإدارة وتراكم الديون بشكل تجاوز المألوف. لقد استطاعت شركات النفط ذات الإدارة الكفء والمديونية الأقل أن تتعايش مع الأزمة من دون إفلاس، مصرة على رفض أي تدخل حكومي لمساعدة القطاع.

أما عن عشرات البحوث الأكاديمية، والتي يستخدم بعضها كأدلة في المحكمة، وسيطلب من بعض الباحثين الإدلاء بشهاداتهم، فإنه يمكن نقضها بسهولة من قبل الخبراء المتخصصين في الاقتصاد الصناعي وهيكلية أسواق النفط ودور أوبك فيه، وعددهم قليل جداً. وما يعاب على وسائل الإعلام أنها استخدمت كلمة "كارتل" حتى عندما انهارت الأسعار، وحتى عندما كان المقال يتكلم عن ضعف أوبك وعدم قدرتها على التحكم بالسوق! 

إعادة هيكلة أوبك

على الرغم من أن أوبك أُسست في عام 1960، إلا أنها لم تتبن الحصص الإنتاجية حتى 1982، ومنذ ذلك الوقت لم نر التزاماً "اختيارياً" من قبل الأعضاء. وعلى الرغم من أن السعودية استخدمت سياسة العصا والجزرة في الماضي، إلا أن هذه السياسة لم تنجح إلا أخيراً في تحسين التزام المشهورين بعدم الالتزام، وتحت مظلة أوبك+، وهذا التطور الجديد يقتضي إعادة هيكلة أوبك.

وبما أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين الرؤى طويلة المدى للدول الأعضاء وسياسات أوبك العامة المرتبطة بإنتاج وصادرات هذه الدول، بما في ذلك رؤية 2030 في السعودية، وبما أن هذه الرؤى حديثة لا تلائمها سياسات أوبك وقوانينها القديمة، فإنه يجب إعادة هيكلة أوبك لتتواءم مع هذه الرؤى، وإلا فإن أوبك ستفقد أهميتها للدول الأعضاء على كل الحالات، وستصبح أوبك… المبنى ومكان الاجتماعات فقط.

أوبك، سواء بأعضائها الحاليين، أو بأعضاء إضافيين، تحتاج إلى إعادة هيكلة لسببين أساسيين. الأول، أن اتفاق أوبك القديم كان يركز على الإنتاج، وذلك في فترة كانت تسيطر فيها شركات النفط العالمية على الإنتاج، وعائدات الحكومات النفطية مرتبطة ارتباطاً كلياً بالإنتاج الذي يصدّر كله أو معظمه خارج البلاد. الآن الوضع مختلف. تسيطر الشركات الوطنية على الإنتاج، وجزء لا بأس به يستهلك محلياً، بينما يذهب جزء ثان لصناعة البتروكيماويات، ويذهب جزء ثالث للمصافي لتصدير المنتجات النفطية. لهذا فإن ما يصل الأسواق العالمية هو الصادرات على شكل نفط خام ومنتجات نفطية. والأسواق العالمية تتأثر بكمية الصادرات، وليس بكمية الإنتاج. من هنا يجب إعادة هيكلة أوبك لتركز على الصادرات بدلاً من الإنتاج.

وعند الحديث عن الصادرات، فيجب أن تشمل صادرات النفط الخام والسوائل الغازية والمنتجات النفطية، بخاصة أن الطلب العالمي على النفط هو للمنتجات، ويتضمن السوائل النفطية. دول أوبك تتقاسم الطلب في النهاية، وهذا الطلب يتضمن المنتجات والسوائل الغازية. عدم وجود المنتجات النفطية والغازات السائلة في الحصص سبّب مشكلات تاريخية لأوبك في السابق، ويسبب مشكلات لها الآن. فيمكن مثلاً لبعض الدول أن تلتزم بحصتها بالنسبة للنفط الخام عن طريق إعادة تصنيف النفط الخفيف على أنه سوائل غازية.

أما السبب الثاني فهو طريقة التصويت. التصويت الحالي مبني على صوت واحد لكل عضو، بالتالي فإن العضو المنتج لنصف مليون برميل يومياً له نفس وزن العضو الذي ينتج 10 ملايين برميل يومياً. هذه الطريقة في التصويت أفشلت عدداً من اجتماعات أوبك تاريخياً، لأن المطلوب بحسب تشريعات أوبك الموافقة بالإجماع. هذا يعني أن أي عضو، لأسباب قوية أو واهية، لأسباب تتعلق بالمنظمة أو لا تتعلق بها إطلاقاً، يمكنه إفشال الاجتماع.

لهذا يجب تغيير التصويت بحيث يعكس صادرات كل دولة، ويمكن الاتفاق على الفترة الزمنية لقياس هذه الصادرات. مثلاً متوسط آخر ثلاثة أشهر من البيانات المتاحة، أو متوسط الربع قبل الماضي، لأن بياناته متاحة وتم التأكد من صحتها.

وتبقى معضلة يمكن حلها بالتفاوض عما إذا كان التصويت على أي قرار يمكن تبنيه بالإجماع أو بالغالبية العظمى (فوق 75 في المئة)، أو بالغالبية (فوق 51 في المئة)، ويمكن تبني الخيارات الثلاثة معاً بحسب نوعية القرار. مثلاً، القرارات المصيرية تتطلب إجماعاً، والقرارات الأقل أهمية تتطلب على الأقل تصويت 75 في المئة، بينما الأمور الروتينية تتطلب 51 في المئة.

وقد تحتج الدول ذات الصادرات الصغيرة بأنه لا دور لها في هذا النظام. هذا النظام يشجعها على الدخول في تحالفات مع الدول الأخرى بحيث يمكنها تحصيل منافع إضافية من هذه التحالفات. إلا أنه يمكن تطوير النظام بحيث يركز على نصيب صادرات الدول من السوق التي تصدر لها، وليس من الطلب العالمي على النفط. وهذا يعطيها أهمية أكبر. كما أن إعطاء هذه الدول حق الفيتو في الأمور المصيرية كما هو موضح أعلاه يعطيها قوة أكبر من حجمها.

ما فائدة استخدام الصادرات النفطية في الحصص؟

الفائدة النهائية هي تخفيض الذبذبة الكبيرة في أسعار النفط بحيث تتذبذب في نطاق أضيق، يمكّن الدول النفطية من إدارة موازناتها واقتصادها من دون أي هزات عنيفة، كما يمكن المستثمرين من الاستثمار في القطاع من دون الخوف من انخفاض مريع يسبب خسائر كبيرة.

الفائدة الأولى أنه يمكن مراقبة الصادرات بسهولة، بينما لا ينطبق ذلك على الإنتاج. كما يمكن معرفة نوعية النفط أو السوائل النفطية ووجهتها. ويمكن الاتفاق على معايير معينة، منها شهادة المنشأ، وهو أمر شائع في التجارة الدولية، ومنها توظيف شركات محاسبة تتولى أمور المراقبة، ومنها مراقبة إلكترونية، أو مراقبة بالأقمار الصناعية. كلها متاحة بسهولة، وأفضل بكثير من تقدير الإنتاج. هذه البيانات متوافرة بشكل دائم، بالتالي فإنها بيانات آنية أو شبه آنية، وهذا يساعد صناع القرار في أوبك على التأقلم مع وضع السوق بشكل أسرع وأكثر كفاءة. كما أنه يخفض المنافسة بين بعض الدول الأعضاء في أسواق معينة عن طريق اكتشاف ذلك قبل حدوثه. 

والفائدة الثانية أن التركيز على صادرات النفط الخام والمنتجات والسوائل الغازية يعطي صورة أفضل عن دور أوبك في تلبية الطلب العالمي على النفط، ويمكنها في ظل توافر المعلومات الآنية على التشاور لإعادة توجيه بعض حاملات النفط لتفادي التخمة في بعض الأسواق.

وثالث فائدة أنها تمنع بعض الأعضاء من التلاعب مقارنة بالتركيز على النفط الخام فقط. كما أنها تساعد بعض الدول على توجيه الاستثمارات، أو إعادة توجيهها، كون أن المنتجات النفطية والسوائل الغازية محسوبة في الحصص الإنتاجية.

كما يمكن إعادة هيكلة أوبك بطريقة تضمن عدم محاكمتها تحت أي ظرف في الولايات المتحدة أو غيرها، وتخلصها من العبء التاريخي الناتج من الفكر الغربي الذي ربط بين أوبك والاحتكار من جهة، وأوبك والمقاطعة النفطية من جهة أخرى. وقد يكون أكبر إنجاز للسياسة النفطية السعودية في العقود الأخيرة هو تحييد قانون "لا أوبك" في مجلس الشيوخ والكونغرس عن طريقين: الأول إدخال روسيا في تحالف أوبك+، بحيث أن محاكمة السعودية بتهمة تخفيض الإنتاج في المحاكم الأميركية تعني بالضرورة اتهام روسيا أيضاً، بالتالي فإن إدخال روسيا بالتحالف حمى السعودية لعجز الأميركيين عن محاكمة روسيا. والثاني إدخال الرئيس دونالد ترمب على الخط الذي طالب علناً بتخفيض الإنتاج، كما هنأ قادة أوبك+ على تخفيض الإنتاج. تدخل الرئيس الأميركي بهذا الشكل أنهى أي محاولات سياسية لإصدار قانون "لا أوبك"، كما أنه أنهاه قانونياً لأن ترامب بمواقفه يمثل الدولة الأميركية.

ولا شك أن هناك تحديات عدة في إعادة هيكلة أوبك، وتحويل نظام الحصص إلى الصادرات بدلاً من الإنتاج، وتغيير نظام التصويت ليواكب وضع السوق، إلا أنه من الواضح أن أوبك بوضعها الحالي أصبحت ذات فائدة قليلة، إن وجدت. ولا شك أن أوبك مركز بحثي مهم، واستقلاليته مهمة، ولا بد من إعطاء هذا الدور البحثي أهمية واستقلالية أكبر في أي هيكلة جديدة لأوبك.

المزيد من آراء