Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصناعة التقليدية المغربية تواجه خطر الاندثار

تحظى الصناعة التقليدية المغربية بمكانة مرموقة باعتبارها فناً تراثياً عريقاً، كما تعتبر المدن القديمة معقلاً للصناعة التقليدية، مثل فاس ومراكش وسلا

تحتل الصناعة التقليدية مكانة مهمة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي في المغرب، وهي تسهم بحوالي 8 في المئة من الناتج الوطني الإجمالي. كما توظف أكثر من مليونَيْ شخص، وهو ما يعادل حوالي 20 في المئة من السكان الناشطين اقتصادياً. وفي السنوات الماضية، عرفت هذه الصناعة انتعاشاً بعد الأزمة المالية العالمية في عام 2008.

قرية الولجة

تعتبر المدن القديمة معقلاً للصناعة التقليدية، مثل فاس ومراكش وسلا. فمثلاً، تشكل منطقة الولجة، في مدينة سلا المجاورة للعاصمة الرباط، مكاناً لصناعة وعرض منتجات بعض الصناعات التقليدية، يقصده المغاربة الذين يفضلون استخدام منتجات أصيلة، بالإضافة إلى كون الولجة وجهة سياحية للأجانب الذين يرغبون في اقتناء منتجات تقليدية تذكارية.

تقول أم هبة الطنجي، وهي موظفة، إنها تفضل "اقتناء منتجات تقليدية، خصوصاً من الأثاث والأواني المنزلية لما تحمله من أصالة تراثية. إذ يجدد ذلك علاقتنا بحضارتنا العريقة. ويروقني الجانب الفني في تلك الصناعة، خصوصاً أن بعض منتجاتها يعتبر قطعاً فنية فريدة، وهي غالباً رخيصة الثمن".

تضم القرية أروقة لصناعة السجاد والخزف والزليج وبيعها وتليين الحديد والقصب ومواد أخرى.

صناعة الخزف

تحتل صناعة الخزف النسبة الكبرى من المنتجات المعروضة في قرية الصناعة التقليدية. يقول المعلم حميد "نجلب كميات كبيرة من الطين الخام من بعض المقالع خلال فصل الصيف، ثم نتركه لمدة معينة حتى يجف جيداً، ثم نضعه في صهريج مملوء بالماء ونقوم بتصفيته من الشوائب. عقب ذلك، تنقل كميات معينة من مادة الطين بعد عجنها بشكل جيد إلى العامل المكلف تشكيل الأواني الفخارية وفق أشكال وأحجام محددة".

أضاف "نضع الأواني تحت أشعة الشمس حوالي ساعتين خلال يومين متتاليين، ثم في الفرن الذي نزيد من درجة حرارته بشكل تدريجي حتى تصل إلى حوالي 900 درجة مئوية، ثم نُفرغ الفرن من محتواه في اليوم التالي. وعندما تنخفض درجة حرارة القطع، يتم تسويق المنتجات التي لا تتطلب التلوين. أما المنتجات التي تتطلب زخرفة فيتم طلاؤها بصباغات خالية من الرصاص بعد اخراجها من الفرن، ثم تعاد إليه من أجل تجفيف الطلاء".

صناعة السجاد

يشتهر المغرب بجودة أشكال السجاد التقليدي، الذي يصنع من الصوف الخالص أو القطن، ويُلون بمواد طبيعية. تختلف أشكاله وألوانه باختلاف المناطق، إذ يسمى السجاد باسم المنطقة التي صُنع فيها. هناك على سبيل المثال السجاد الرباطي الموجود في العاصمة، والسجاد الزموري الآتي من منطقة زمور الواقعة شرق مدينة الرباط، وسجاد تازناخت، وهي مدينة في جنوب المغرب. كما أن للألوان والأشكال المرسومة على السجاد دلالات ثقافية، إذ يعتمد كل نوع من السجاد على ألوان وأشكال هندسية معينة لها حمولات تاريخية عريقة، قد تشير إلى انتماء جغرافي أو قبلي.

قال صاحب أحد المحال الخاصة بعرض السجاد إن "جودة السجاد التقليدي المغربي تعود إلى تفاني العديد من النساء في صناعة يستخدمن فيها موادَّ خاماً خالصة، بالإضافة إلى مواد ملوِّنة طبيعية".

أضاف "تمر صناعة السجاد التقليدي ببضع مراحل تتطلب دقة عالية وجهداً كبيراً، تبدأ باختيار دقيق لنوع الصوف ومن ثم تنظيفه بشكل جيد حتى تُزال الشوائب عنه بشكل كامل. بعد ذلك، يُجفف تحت أشعة الشمس ويُمشط حتى يصبح ليناً جداً. إثر ذلك، يمر في مرحلة الغزل التي تحول الصوف إلى خيوط تُلون بمواد طبيعية كالزعفران والحنة وتستخدم في مرحلة النسج. وهذه المرحلة تتطلب ذاكرة قوية، لأن الزخارف التي تحويها الزرابي يجب أن تكون متماثلة هندسياً".

صناعة الزليج وتليين الحديد

هي من بين الصناعات الأكثر رواجاً في قرية الولجة وبعض المناطق في المغرب، نظراً إلى الإقبال الكبير عليها من الأجانب تحديداً.

يقول إلياس رزوق، صاحب محل لصناعة الزليج والحديد، "يُجلب الزليج من مدينة فاس بأحجام متوسطة، نقوم برسم زخرفة معينة عليها ومن ثم نقطع الزليجة لنحصل على قطع صغيرة، تشكل بعد تجميعها وإلصاق بعضها ببعض بمادة الاسمنت فسيفساء من أشكال وألوان مختلفة. ومنها، نصنع نافورات حائطية وطاولات توضع في حدائق البيوت. كما نقوم بصناعة كراسي حديدية ترافق تلك الطاولات".

ويضيف أن "هذه الصناعة تزدهر خلال فصل الصيف، إذ يرتفع حجم الطلبات، خصوصاً من الأجانب".

صناعة القصب والدوم

تعد صناعة القصب والدوم من أقدم الحرف اليدوية في المغرب، وهي كانت تعرف رواجاً كبيراً قبل عقود، لكنها أصبحت مهددة بالاندثار بسبب تراجع حجم الأراضي الخاصة بزراعة القصب، بالإضافة إلى انحصار وجود النخيل الذي تستخرج منه مادة الدوم في واحات جنوب البلاد البعيدة.

يقول محمد لمكيلدي، الذي يعمل في هذا المجال منذ 40 عاماً، نشتري القصب من بعض مناطق المغرب ونغسله وننتج منه سلالاً ورفوفاً خاصة بالأثاث المنزلي، وقطعاً تستخدم جدراناً أو أسقفاً.

وتقول أمينة لعروسي "ما يدفعني إلى اقتناء بعض منتجات القصب هو ثمنها الزهيد جداً، بالاضافة إلى كونها تصنع من مادة طبيعية وتدوم مدة طويلة".

حجم الصادرات

شهدت صادرات المغرب في مجال الصناعة التقليدية انتعاشاً متصاعداً في السنوات الماضية. إذ ازداد نمو تلك الصادرات حوالي 20 في المئة بين عامي 2017 و2018، ووصلت مداخيلها إلى حوالي 6 ملايين دولار خلال الأشهرة الـ 10 الأولى من العام 2018. وتشكل أوروبا أكبر سوق خارجية لهذا القطاع، إذ تطورت نسبة الصادرات إليها أكثر من 15 في المئة في عام 2018، مقارنة بعام 2017.

تتقدم فرنسا لائحة الدول المستوردة منتجات الصناعة التقليدية المغربية بمعدل نمو يقدر بـ 51 في المئة، تليها إيطاليا بنسبة 41 في المئة، في حين تحتل الولايات المتحدة المرتبة الثالثة وارتفعت حصتها إلى 24 في المئة في عام 2018، ثم إسبانيا بنسبة 16 في المئة.

خطر الاندثار

يواجه بعض أنواع الصناعة التقليدية المغربية خطر الانقراض، بسبب انخفاض المبيعات وتراجع نسبة إقبال العمال عليها، وهذا ما يهدد باندثار صناعات دامت قروناً.

تقول جميلة لمصلي، وزيرة الدولة المكلفة الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي "أُطلق برنامج المحافظة على حرف الصناعة التقليدية، الذي يضم حرفاً عريقة تستعمل تقنيات ومهارات عتيقة ودقيقة للتعبير عن ذوق أصيل وعن ممارسات موروثة تجعل من هذه الحرف كلها إرثاً وطنياً وذاكرة جماعية".

المزيد من تحقيقات ومطولات