Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"كورفو الجنوبية" المكان المثالي لقضاء إجازة الصيف

الجزيرة تتيح التزام التباعد الاجتماعي وتقدم السكون والطمأنينة ولا تكتظّ بالسياح

تمتاز سواحل "كورفو الجنوبية" بالجمال والهدوء والتزام الوقاية من كورونا (كريزي توريست.كوم)

صيف "كورفو" هذا العام ليس عاديّاً، وحالها في هذا تشبه حال معظم مواقع الاصطياف والإجازات في أوروبا الجنوبية، إذ لم تفتح أبوابها بعد تلك البارات والمسابح والمنتجعات التي تزدحم عادةً في هذا الوقت من السنة بالسيّاح المُلوَّحين بالشمس والمستمتعين بالشراب. لقد رضيت مدينة البندقية الإيطالية العتيقة التي تكون في العادة مكتظّة بالمتنزّهين اليوميين على متن القوارب والمراكب، بأهاليها وسياحتهم الداخلية خلف طاولات المقاهي وفناجين القهوة المثلّجة. وباتت الشواطئ والخلجان المتباهية بنقاوة مياهها، حرّة وطليقة ومفتوحة للسباحة من دون مخاطر اليخوت العابرة والقوارب المسرعة. وبالمقارنة مع بلدات الاصطياف البحرية، القابعة في صمت الوحشة مع غياب زوّار المواسم، غدت جزيرتنا، "كورفو"، المكان المثالي  لقضاء عطلة الصيف وممارسة التباعد الاجتماعي.

وأنا نشأتُ في "كورفو"، بكنف أمّ بريطانية وأب يوناني، في عزّ ازدهار سواحل منطقة "كافوس". ونادراً ما تسنّى لي معايشة الجزيرة في حالة تشبه حالتها هذا الصيف. وإذ انعتقت من تدابير الإغلاق في مايو (أيار) المنصرم، فقد انطلقتُ نحو الجبال من دون التخلّي عن الحذر، مستكشفةً مسارات تنزّه في الطبيعة لم أكن أتصوّر وجودها، وشواطئ طالما فصلت بيننا وبينها المصاعب. وهناك، في ذاك المدى الأخضر الفسيح الذي تشتهر وتمتاز به هذه الجزيرة اليونانية، سعيتُ إلى العزلة. وقد اضطرني غياب حاناتي المفضّلة على الشاطئ، إلى الخوض في خبايا الجزيرة واستكشاف ما هو أبعد من منشآتها الساحلية، والتوجّه إلى الداخل لمعاينة أسرار "كورفو" التي لم يبلغها أو يعاينها إلّا قلّة قليلة من السيّاح.

وخلف السواحل الرملية وحواف صخور الشاطئ الناتئة، برز لي مجال طبيعيّ برّي أخضر في أقصى الجزء الجنوبي من الجزيرة. وكنتُ قد اجتزتُ المرحلة الأولى من "مسار كورفو"، وهو درب للسير على الأقدام يبلغ طوله 220 كيلومتراً، ويقطع الجزيرة من أقصاها إلى أقصاها. وبدأتُ من "كافوس"، المكان الذي أتجنّبه في العادة بسبب ازدحامه بروّاد صاخبين تتراوح أعمارهم بين الثامنة عشرة والثلاثينيات. ثم ما لبثت تلك المساحة التي أقطعها، أن غدت حافلة ببساتين الزيتون. وكذلك ظهرت لي بحيرة "تسيلاريا" (التي لا يعرفها كثيرون من أبناء المنطقة) وغابة كثيفة تفضي إلى دير مهجور من القرن السابع عشر تحيط به حقول من الأزهار البرّية وورود الـ"أوركيد" العجيبة النادرة. وبعد ذلك، برز لي شاطئ "أركوديلاس" الذي تنمو على جنباته نباتات توحي بالعصر الجوراسي القديم. وهناك، قضيتُ أياماً بمفردي في التخييم والسباحة، إذ إنّ هذا الشاطئ، حتّى في أيام الصيف المزدحمة، يبقى بمثابة موضع سرّي لا يعلم به سوى أشخاص عارفون من المنطقة، يسعون إلى الهدوء والسكينة بعيداً من ضجيج جحافل السيّاح. كما أنّه واحدٌ من أكثر الشواطئ نقاوة وغنًى بالحياة البرّية في الجزيرة.

 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ثمة شاطئ آخر من تلك الشواطئ الخلابة هو "إريميتيس" (كلمة معناها "الناسك"). ويُعدُّ واحداً من آخر معاقل التنوّع الطبيعي في جزيرة "كورفو"، إضافةً إلى كونه مساحة عذراء تماماً، لم يمسّها أحد، حتى الغزاة من مدينة البندقية الذين أبدعوا في زراعة الزيتون على الجزيرة. وقد مثّل "إريميتيس" بالنسبة لي فردوساً آمناً للتباعد الاجتماعي.

وعلى بُعد ساعة بالسيارة إلى الشمال من البلدة العتيقة، عبر الطريق الساحلي الذي يلتفّ حول طرف الجزيرة الشرقي، فإنّ السير على الأقدام لمدّة 40 دقيقة وسط غابة كثيفة ومساحات ممتدّة وعالية من شبكات العناكب، يبقى أمراً يستحقّ الجهد. وإذ وجدتُ نفسي عند شاطئ "أكولي" للمرّة الأولى هذا الصيف، فقد بلغتُ من تلقائي مياهه الفيروزيّة النقيّة، ورحتُ أخلع كل شيء عنّي حتى ثياب السباحة، وأعبرُ مساراً من الحصى البيضاء الكبيرة وأمتلئُ بجمال ذاك المكان المطلق والجامح.

وتمتدّ أشجار ساحرة على طول الطريق حتى طرف المياه وتنحني فوق البحر. وبفضل صعوبة الوصول إليه، فقد حظيتُ بشاطئ "أكولي" كلّه لنفسي هذا العام، على الرغم من أنّه يواجه حاضراً خطر امتداد العمران. وقد دفع الخطر الأخير أبناء المنطقة إلى إطلاق حملة والتماسات ضد مشروع "هوليداي فيليدج"، المزمع بناؤه في الموقع.

وفي غياب حانتي البحرية المفضّلة التي أُجزي فيها الوقت عادة باحتساء المشروبات وتناول السَلطة اليونانية على الشاطئ، ألفيتُ نفسي على دراجة هوائيّة أقودها نحو عنوان جديد لتناول الغداء. وفي قرية "بيريفولي" الخلّابة في الجنوب، سرتُ بموازاة قوارب الصيادين المتهادية فوق مياه شاطئ "كاليفيوتي"، وأكملتُ الطريق نحو مطعم "نوتوس"، حيث يقدّم مالك المطعم السيد سافاس وجبات المازة البحرية ومشروب الـ"أوزو"، وفسحة رائعة من المناظر الطبيعية لبلاد اليونان والجزر الأيونية. وقد مثّل لي لبن الـ"تزازيكي" الممزوج بالثوم، وطبق الكالاماري المقمّر، في معظم أيّام عزلتي هنا، خير رفيقَيْن.

ولفترة طويلة، تجاهل السيّاح البريطانيون جنوب "كورفو" ولم يهتموا به، مفضّلين الساحل الشمالي الشرقي الأكثر غنى، وقد أُطلِق عليه بفضل كثرة ارتيادهم له لقب "كينسينغتون (منطقة شهيرة في لندن) البحرية". في المقابل، ولهذا السبب ذاته، بقيت مطاعم كـ"تافيرنا سافاس" أو "سبيروس كاريديس تافيرنا" محتفظة بأصالتها اليونانية (ويشمل ذلك تقديم قوارير مشروب نبيذ "ريتسينا" اليوناني كهديّة). لقد حافظت تلك الأمكنة على مفهوم الـ"فيلوكزنيا" Filoxenia (المشاركة غير الربحيّة) اليوناني القديم، وبقيت تستقبل الغرباء بلطف وسخاء. إنّ الطعام هنا ليس أرخص من أي مكان آخر فقط، بل هو، فوق ذلك، طعام جيّد.

وقادتني جولاتي بدراجتي إلى اجتياز الساحل الجنوبي الشرقي كله، عبر قريتَيْ الصيّادين "بتريتي" و"بوكاري"، ووصولاً إلى بساتين الزيتون في "آيا بيلاجيا" حيث جرى ترميم بيت كبير من بيوت الإقطاع ليستعيد بهاءه القديم. وهنا تقبع "أفرودايت كورفو فيلاس"، تلك الدار البيضاء التي يمكنها استضافة 16 نزيلاً، عند طرف المياه مع رصيف بحري خاص. مَن يمكث هنا في الدار البيضاء خلال هذا الصيف، ويهتم بأكله وشرابه بنفسه، لا حاجة به إلى الذهاب لأي مكان آخر. وهذا من أفضل ما يمكن أن يفعله المرء في سنة "كوفيد-19".

وينطبق الأمر عينه على "سان ستيفانو استايت"، الدار البندقية المُشادة قبل 300 سنة فوق التلال المشرفة على "بينيتسيس"، المنطقة التي تشتمل على فخامة الحقبة الذهبية للجزيرة مع بعض مسحات الحداثة، كحوض السباحة اللامتناهي المُطلّ على زرقة مياه الجزر الأيونية المهيبة.

وعلى الرغم من عزلتي الصيفية الهائمة والجوّالة تلك، فقد وجدتُ رفقة جميلة مع الحشرات الطنّانة وطيور السنونو المحلّقة والثعالب الفضولية على جبل "بانتوكراتور"، في بلدة "بيريثيا" القديمة المهجورة. إنّها المستوطنات الأقدم في "كورفو" المعمّرة الأقدم، إذ يعود تاريخ تشييدها إلى القرن الثالث عشر، لكن قد لا يسكنها بصورة مستمرة سوى ثلاثة مقيمين. لقد أسعدني العيش وسط حياة كورفو البرّية هذا الصيف. لا تنطق الحيوانات حرفاً من لغتي الإنجليزية، بيد أن هذا ربّما أجمل ما في الأمر.

© The Independent

المزيد من منوعات