قدمت جائحة كوفيد-19 التحذير الأوضح حتى اليوم من أن الإنسانية يجب أن تعيد التفكير في علاقتها مع العالم ككل، بدءاً بالمنظومات البيئية وانتهاء بكل من الحيوانات البرية والأليفة.
وتُعَد الأزمة أحدث صدمة زعزعت العادات، بدءاً بأنماط الاستهلاك والأمن الغذائي وانتهاء بالمرونة الاقتصادية. وتذكرنا بأن التنمية العالمية لا تزال تحت رحمة الأمراض والكوارث. لكن التفشي يوفر أيضاً فرصة ضخمة لإعادة وضع الطبيعة في قلب المرونة العالمية في مواجهة هذه التهديدات الوجودية المشتركة.
وإذ تلوح الرزم المخصصة لتحفيز التعافي من الجائحة في أفق العالم كله، يجب أن يستغل القطاعان العام والخاص هذه الفرصة للاستثمار في حلول تستند إلى الطبيعة إذا قُيِّض للعالم أن يمتص في شكل أفضل الصدمات المستمرة حالياً ويمنع صدمات جديدة في المستقبل.
وتكمن إحدى الفرص الكبرى لاستخدام الدفاعات الطبيعية في شكل أفضل في الأنظمة الغذائية المستدامة، التي قد تساعد في تجنب تفش لفيروس من نوع كوفيد-19 في المستقبل وتدعم في الوقت نفسه التنمية الزراعية. وتُعَد الأراضي الرطبة في العالم من هذه المواقع حيث تستطيع الطبيعة توفير احتمال لتوليد سبل عيش زراعية مستدامة، تساهم بدورها في الصحة العامة من خلال القدرة على توفير الاحتياجات الأساسية، بما في ذلك الأغذية والرعاية الطبية والتعليم.
وفي بعض الأحيان تعرضت الأراضي الرطبة التي تُوصَف أحياناً بأنها كليتا العالم إلى التدهور، لكن الأراضي الرطبة التي لا تزال سليمة توفر خدمات قيمة على صعيد المنظومات البيئية تساهم مباشرة في سبل العيش والرفاه في الريف وفي المجال الزراعي.
ومن منافع الأراضي الرطبة تبرز إمدادات المياه والموارد اللازمة لرعي الثروة الحيوانية إلى جانب خدمات "تنظيمية"، يمكن أن تشمل القدرة على التخفيف من الفيضانات والجفاف، وحماية المزارعين من أصحاب الملكيات الصغيرة ومحاصيلهم من الأحوال الجوية الحادة.
كذلك تشير الأدلة إلى أن الأراضي الرطبة قد توفر أيضاً نوعاً من حاجز طبيعي أمام تفشي الأمراض المعدية. فقد كشفت دراسة عن مستويات أدنى من إنفلونزا الطيور في مواقع الأراضي الرطبة المحمية بمعاهدة رامسار، ما يشير إلى أن حماية هذه المناطق قد يحقق فارقاً ليس فقط لصالح إنتاج الأغذية بل كذلك في منع انتشار الأمراض.
وثمة فرصة أخرى للاستفادة من الحلول المستندة إلى الطبيعة لصالح نظام غذائي عالمي أكثر مرونة، وهي فرصة تتمثل في المياه الجوفية التي تضم تقريباً كل المياه العذبة السائلة في العالم، وتوفر 40 في المئة من المياه المستخدمة في الري. لكن حوالي 1.7 مليار شخص يعيشون فوق طبقات للمياه الجوفية تعاني استنفاداً، ما يفرض ضغطاً ضخماً على المزارعين حين يواجهون جفافاً أو ندرة في المياه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويطور العلماء حالياً سبلاً لجمع مزيد من البيانات عن إمدادات المياه الجوفية لتمكين السلطات الوطنية والإقليمية من تحسين مراقبة الاحتياطات وإعادة تغذيتها عند الضرورة وإدارتها وفق الحاجة. وتعني الإدارة الحكيمة للمياه الجوفية في أوقات الوفرة زيادة احتمال التكيف مع حالات النقص في المستقبل وما يترتب على ذلك من أثر في إنتاج الأغذية.
وأخيراً، تُعَد الإدارة والحماية الجاريتان لتدفقات الأنهار أمرين حيويين في استدامة الزراعة، ولاسيما في ضوء نمو المشاريع الكهرومائية التي تغير ديناميكيات الموارد المائية التقليدية.
وتستخدم مبادرة معروفة باسم "وايز أب" مقاربات مدعومة علمياً لتحقيق تكامل أفضل بين البنية التحتية المائية المبنية، مثل السدود القائمة على طول حوض نهر تانا في كينيا، مع البنية التحتية الطبيعية اللازمة للمياه والطاقة والأمن الغذائي، إلى جانب التنوع البيولوجي والمرونة المناخية.
ومع توجيه السلطات في كل أنحاء العالم اهتمامها إلى جهود التعافي والدعم الاقتصادي، من المرجح أن يشمل ذلك عدداً كبيراً من مشاريع البنية التحتية الجديدة. لكن البلدان ذات الموارد المحدودة وعمليات التخطيط يجب أن تتجنب خطر أن تؤدي رزم التحفيز إلى الإضرار بالبيئة، ما يؤثر سلباً في أفقر الناس، ويزيد من حدة التحديات الإنمائية بدلاً من التخفيف منها.
وإذا أردنا أن نتعلم شيئاً من جائحة فيروس كورونا، فلا بد من تخطيط للبنية التحتية وإدارتها بطريقة متكاملة، ليس فقط لتلبية الاحتياجات الأولية للسكان بل أيضاً للخدمات الحاسمة في مجال المنظومات البيئية وما يرتبط بها من أثر في التنمية.
ولبناء الاستدامة والمرونة، ينبغي للحكومات أن تسأل عن بدائل للاستثمارات التقليدية في البنية التحتية يمكن دعمها من خلال حزم التحفيز الاقتصادي. وينبغي إعطاء الأولوية للمبادرات المنسجمة مع أولويات التنمية الوطنية، وتلك التي لها أثر اجتماعي كبير، وتلك التي من شأنها التخفيف من حدة الكوارث الطبيعية.
وهذا يعني تكريس مزيد من الاستثمارات والبحوث وجهود الحفاظ للمنظومات البيئية الحيوية مثل الأراضي الرطبة لتتناسب مع البنية التحتية التقليدية التي يهندسها البشر.
* إيزابيلا كوزييل مديرة في برنامج بحوث المياه والأراضي والمنظومات البيئية (WLE) التابع للفريق الاستشاري للبحوث الزراعية الدولية (CGIAR)
© The Independent