وسط تحذيرات عدة من مؤسسات اقتصادية أوروبية ودولية بأن تعافي منطقة اليورو من أزمة وباء فيروس كورونا "كوفيد-19" لن يكون سلساً، تتصاعد تحذيرات من تأثير ذلك في الاتحاد الأوروبي نفسه ككيان يجمع 27 دولة.
وبينما ينخرط الاتحاد في مفاوضات مع بريطانيا للاتفاق على شكل العلاقة بينهما بعد خروج بريطانيا (بريكست) رسمياً من أوروبا في 31 يناير الماضي، يحذر البعض من أن إيطاليا قد تحذو حذو بريطانيا في المستقبل ما يهدد مستقبل الوحدة الأوروبية.
في تصريحات لموقع "بريكست ووتش"، حذّر الاقتصادي البريطاني روجر بوتل، رئيس شركة الاستشارات والأبحاث "كابيتال إيكونوميكس"، من أن الاتحاد الأوروبي على وشك الانهيار أمام مشكلات ما بعد أزمة وباء كورونا. وركز بوتل على إيطاليا باعتبارها حالة "غير مستقرة على الإطلاق"، متوقعاً أن يضطر ثالث أكبر اقتصاد في دول منطقة اليورو إلى التخلف عن سداد الديون (إفلاس)، ما سيؤدي إلى فوضى في الاتحاد الأوروبي.
وأشار إلى أن "الاقتصاد الإيطالي لا يحقق نمواً قبل أزمة كورونا، فمنذ إطلاق اليورو لم يحقق الاقتصاد الإيطالي نمواً يُذكر". وتساءل "إذا أدت أزمة وباء كورونا إلى تباطؤ شديد في اقتصاد الاتحاد الأوروبي فماذا سيعني ذلك لمستقبل الاقتصاد الإيطالي؟".
وأضاف "لا أتصوّر أن ينمو الاقتصاد الإيطالي بينما إيطاليا ما زالت عضواً في مجموعة دول اليورو". وحسب تقديره فإن "الدين الإيطالي سيصبح غير قابل للاستمرار، فكيف الخروج من أزمة الميدونية؟ يمكن توريق الدين، وتقديم منح كبيرة، لكن مع عبء ديون بهذا الحجم اضطرت دول إلى إعلان الإفلاس. يمكن لإيطاليا أن تعلن الإفلاس، لكن هل ستفعل ذلك وتظل عضواً في مجموعة دول اليورو؟".
حزب "إيطاليكست"
وتنتظر إيطاليا خلال الأسابيع المقبلة الإعلان عن حزب سياسي جديد هدفه الأساسي هو خروج إيطاليا من الاتحاد الأوروبي – إيطاليكست، كما يقول زعيمه، عضو مجلس الشيوخ الإيطالي غيانلويغي باراغون في مقابلة مع "بلومبيرغ".
يبلغ باراغون من العمر 48 عاماً، واشتهر كضيف مفوه في البرامج الحزارية على شبكات التلفزيون الإيطالية قبل انتخابه عضواً في مجلس الشيوخ عام 2018 ضمن حركة النجوم الخمس، لكنه طرد من الحركة في يناير بعد تصويته ضد الحكومة لدى عرضها مشروع الميزانية على البرلمان.
لم يعلن اسم الحزب المتوقع بعد، لكن مؤسسه يؤكد أن شعاره الرئيس هو "إيطاليكست"، ويضيف "اليورو فُرض علينا من أعلى وهذا أضر بالاقتصاد الحقيقي، أضر بالأسر والعمّال وبالأعمال الصغيرة والمتوسطة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكما حذر الخبير الاقتصادي روجر بوتل، لا يوجد في ميثاق الاتحاد الأوروبي بند يسمح للأعضاء بالخروج من العملة الأوروبية الموحدة (اليورو)، والاقتصاد الإيطالي قد لا يتمكن من تجاوز مشكلاته الهائلة وهو ضمن منطقة اليورو، يقول السناتور باراغون "ليست هناك وسيلة تسمح لنا بالخروج من العملة الموحدة – من منطقة اليورو، وهذا انعدام للديموقراطية، سيكون علينا أن نخرج من الاتحاد الأوروبي أولا".
قد لا يكون ذلك أمراً سهلاً كما حدث في بريطانيا، فعلى الرغم من زيادة مشاعر المرارة لدى الإيطاليين نتيجة عدم تلقيهم أي دعم أوروبي في بداية انتشار وباء كورونا في بلادهم، فإن نحو ثلثي الإيطاليين سيختارون البقاء في أوروبا إذا جرى استفتاؤهم الآن.
تراجع الثقة
وجاءت نتيجة استطلاع "ليوروميديا ريسيرش" لتظهر أن 58.2 في المئة من الإيطاليين مع العملة الموحدة و33.8 في المئة يعارضونها. وفي استطلاع آخر مطلع يونيو (حزيران) الحالي ظهر أن نسبة من يثقون في الاتحاد الأوروبي عند 39 في المئة، مقارنة مع 27 في المئة في أبريل (نيسان) الماضي، حيث كانت مشاعر الغضب والنقمة على أوروبا بين الإيطاليين في ذروتها. ونشرت صحيفة "لا ريبوبليكا" في 6 أبريل نتيجة استطلاع توضح أنه منذ عام 2000 ارتفعت نسبة من لا يثقون في الاتحاد الأوروبي أو ثقتهم به ضعيفة إلى 70 في المئة، من 34 في المئة قبل عقدين.
وحاول تيار الشعبوية السياسية واليمين المتطرف في إيطاليا الاستفادة من تلك النقمة الشعبية على الاتحاد الأوروبي، لكنه لم يغامر بالتزام الخروج من الاتحاد كما سيفعل الحزب المنتظر. فماتيو سالفيني، زعيم حزب الرابطة المعارض للهجرة وأكبر قوة سياسية معارضة، هدد بالخروج من الاتحاد لكنه لم يجعل ذلك ضمن سياسة حزبه.
ويرى غيانلويغي باراغون أن مشوار الـ"إيطاليكست" قد يكون طويلاً لكنه سيعمل عليه من الآن. سيدخل الحزب انتخابات البلدية في العاصمة روما العام المقبل، ويستعد للانتخابات العامة التي تجرى في 2023 على أقصى تقدير، ويهدف إلى الحصول على نسبة أصوات تفوق ما حصل عليه حزب رئيس الوزراء السابق ماتيو رينزي "إيطاليا حية" الذي فاز بنحو 4 في المئة من أصوات الناخبين.
ديون وانكماش
وتعاني إيطاليا بالفعل من مشكلة مديونية، حتى قبل أزمة وباء كورونا، وكذلك ضعفاً شديداً في النمو الاقتصادي يجعلها من أقل دول الاتحاد الأوروبي نمواً رغم أن اقتصادها هو ثالث أكبر اقتصاد في الاتحاد بعد ألمانيا وفرنسا.
وبنهاية العام الماضي وصل الدين العام في إيطاليا إلى أكثر من 135 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، عند 2.8 تريليون دولار (2.4 تريليون يورو). وخلال أزمة وباء كورونا زادت الحكومة الإنفاق العام بنحو 90 مليار دولار (80 مليار يورو) وقدمت ما يصل إلى 840 مليار دولار (750 مليار يورو) كضمانات قروض لدعم الاقتصاد.
ويُتوقع أن يصل الدين العام الإيطالي إلى ما بين 155 و159 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مع عجز ميزانية يفوق 10 في المئة. وقد جرى إعفاء إيطاليا من قاعدة البنك المركزي الأوروبي التي تشترط ألا تزيد نسبة عجز ميزانية الدول الأعضاء على 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي القاعدة التي خففت نتيجة أزمة وباء كورونا.
ومشكلة إيطاليا هي أنه بغض النظر عن معدل النمو في الاقتصاد الأوروبي في مرحلة التعافي ما بعد أزمة كورونا لن تتمكن من سد فجوة الدين والعجز في النمو الاقتصادي. ففي الفترة من 2010 إلى 2019 كان متوسط النمو الاسمي في الاقتصاد الإيطالي نحو 1.3 في المئة، أي بمعدل نمو اقتصادي حقيقي في حدود 0.2 في المئة سنوياً، وهي أضعف نسبة نمو اقتصادي بعد اليونان. ويُتوقع أن ينكمش الاقتصاد الإيطالي بنسبة 9.5 في المئة هذا العام.
ومهما يكن حجم المساعدات الأوروبية لإيطاليا فلن تستطيع تخفيف عبء هذا الدين الهائل ما يجعل احتمال تخلف إيطاليا عن سداد ديونها قائماً.