Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أيان هولم الممثل الشكسبيري الذي صار نجما في عقده السابع

الممثل المختلف رحل عن 88 عاما وسلسلة من الأفلام وأعمال مسرحية ناجحة

الممثل البريطاني أيان هولم في فيلم "سيد الخواتم" (موقع الفنان) 

بعد صراع طويل مع مرض الباركينسون، رحل في لندن الممثّل البريطاني الكبير أيان هولم عن عمر 88 سنة. في العقدين الأخيرين من حياته، حقق هولم شهرة واسعة عند شريحة كبيرة من الجمهور العريض، بفضل دور بيلبو باغينز في "سيد الخواتم" (2001 - 2003)، وبات وجهاً مألوفاً عند الفئات العمرية الشابة. كان هولم أحد الشخصيات الكثيرة في هذه السلسلة التي أخرجها بيتر جاكسون وحقق إيرادات عالية في شباك التذاكر العالمي. ذيوع صيته دولياً بعدما تجاوز الستينات من عمره، كان بمثابة هدية تُمنح لفنّان اجتهد طوال نصف قرن من العمل في التلفزيون وأمام كاميرا السينمائيين وعلى خشبة المسرح. دور بيلبو الذي جسّده في جزءين من الثلاثية المذكورة، كان مردوده المعنوي كبيراً عليه، وجعل من هذا الممثّل الشكسبيري نجماً بمواصفات هوليوودية. 

عُرف هولم بشكل أساسي في الأدوار الثانوية. قامته التي لم تكن تتجاوز الـ165 سنتمتراً، ووجهه الذي إن تأملناه جيداً نجد فيه شيئاً من الطفولة والبراءة، يوحي بطيبة… فكان يُفترض، والحال هذه، أن يشكّل عائقاً أمامه كممثّل، إلا أن الرجل لم يترك شخصية لم يدخل في جلدها وأعماقها، وبرع فيها كلها. صدقناه إلى أبعد حد. في هذا، يمكن الجزم بأنه ينتمي إلى المدرسة البريطانية العريقة في التمثيل. يمكن ضمّه كذلك إلى طائفة من الممثّلين الذين تركوا بصمة في أي دور اضطلعوا فيه، مهما كان قصيراً أو ثانوياً. السهولة التي كان يدخل فيها إلى عمق الشخصية الملتبسة كانت سبباً في أنه لعب كلّ شيء، من نابوليون في فيلم لتيري غيليام إلى جاك السفّاح في فيلم للأخوين هيو، مروراً بشخصية المدرب في "عربات النار" لهيو هادسون الذي رُشِّح له لجائزة "أوسكار"، فدوره في "غرايستوك" للمخرج نفسه، فيلم يحاول فيه تدجين طرزان الذي لعب دوره كريستوفر لامبرت. وطبعاً، كيف يمكن أن نتجاهل طلته المهمة في "آليان" لريدلي سكوت؟ أو المحامي الذي كانه، والذي يحض الأهالي على رفع دعوى قضائية على مَن تسبب بمقتل أولادهم في "غد جميل" لآتوم إيغويان؟

مدرسة شكسبير

بدأ هولم في المسرح، بيته الأول، مدرسته الأولى. كأي ممثّل بريطاني يستحق أن يحمل لقب ممثّل، شارك في عدد كبير من المسرحيات المقتبسة من الكلاسيكيات. في الـ"رويال شكسبير كومباني"، تدرّب على فنّ التشخيص. دوره في مسرحية عُرضت على خشبة ألدويش اللندنية في العام 1967، فاز عنه، وهو لا يزال في مستهل مشواره، بجائزة طوني العريقة لأفضل ممثّل.

في سجلّه الكثير من مسرحيات شكسبير، ويُقال إنه كان الممثّل المفضّل لهارولد بينتر، إلا أن حماسته للمسرح تبددت عندما تعرض لأزمة معينة خلال تقديم مسرحية "عودة رجل الثلج" ليوجين أونيل في العام 1976. نتيجة ذلك، انتهى به الأمر بالتوجه إلى السينما، وكان قراراً صائباً، إذ كُتب له أن يعمل في إدارة كبار السينمائيين في أفلام مهمة.

المرة الأولى التي وقف فيها أمام الكاميرا كانت عندما اقترحت عليه الـ"بي بي سي" دور ريتشارد الثالث في "حرب الوردتين"، تبعه مشاركته في المسلسل التلفزيوني "ذا بادي سناتشرز". وهكذا انطلقت مسيرته. بعدها انهالت عليه العروض، فمثّل في "رجل من كييف" لجون فرنكنهايمر، ثم "يا الهي، كم الحرب جميلة" لريتشارد أتنبورو. فيلمان ختما بهما الستينيات. في العقد التالي، أطل في نحو دزينة من الأفلام، ذات اتجاهات وطموحات مختلفة بعضها عن البعض الآخر، من "وينستون الشاب" لأتنبورو مجدداً، إلى "روبن وماريان" لريتشارد لستر. حتى إنه لعب شخصية زارح، أحد الملوك الكوشيين، في "يسوع الناصري" لفرنكو زيفيريللي. 

الصعود الحقيقي لهولم تحقق عندما عرض عليه ريدلي سكوت دور أش في "آليان" 1979، تحفة سينما علم الخيال. هذا الدور سيكون فاتحة له. إلى جانب شريكته في التمثيل سيغورني ويفر كبطلة مطلقة، نجده في أداء صارخ في واقعيته. وجاء من بعده مباشرة، فيلم "عربات النار"، ليضعه نهائياً في موسوعة الممثّلين الكبار، وفيه لعب دور سام موسابيني، مدرب عداءين إنجليزيين يتسابقان خلال الألعاب الأولمبية في العام 1924. هذا الفيلم ترك لحظات لا تُنسى في المخيلة السينيفيلية، ولعبت موسيقى فانجيليس دوراً مهماً في تحويله إلى ما يشبه الأسطورة. لم يفز هولم بالـ"أوسكار" التي كان ترشّح لها، ولكنه نال جائزة "بافتا" لأفضل ممثّل في دور ثانوي. بعدها، استعان به المخرج الكبير تيري غيليام في فيلمه الشهير "برازيل"، الذي أدخله إلى مناطق جديدة من تجربته السينمائية.

سواء كان إرستوقراطياً في فيلم "من الجهنم" للأخوين هيو أو عالم رياضيات في "الطيار" لمارتن سكوسيزي أو بارون فرنكنشتاين في "فرنكنشتاين" لكينيث برانا، كان يجسّد الشخصية بدرجة عالية من الدقّة والإتقان. إلا أن الجمهور العريض سيبقى يتذكّره إلى الأبد بدوره في "سيد الخواتم" المقتبس من رائعة تولكيين، الذي صدر جزءه الأول في العام 2001. دور عاد وجسّده في ثلاثية جديدة مقتبس من "بيلبو"، أخرجه جاكسون نفسه. كانت هذه آخر تجربة تمثيلية له، قبل الاعتزال بسبب إصابته بمرض الباركينسون. 

أداء مختلف

لطالما انتمى إلى المدرسة التمثيلية التقليدية وافتخر بها. في مقابلة، كان يعترف أن أداءه مختلف جداً عن أداء قامات كبيرة كمارلون براندو أو روبرت دنيرو، اللذين يُعتبران ممثّلين "منهجيين". كان هولم يرى أن التمثيل وفق مدرسة الـ"أكتورز استوديو" مضيعة وقت. إذا حصل أن خلال التصوير الجميع جاهز، ولا يزال الممثّل الذي يتبع منهج الـ"أكتورز استوديو" ينقب في داخل روحه، فهذا الأمر مملٌ في نظره. بدلاً من السيطرة الكلية على الدور، كان يفضّل أن يتلقى توجيهات وتعلميات واضحة من المخرج، وأن يرافقه في الرحلة التي يقوم بها إلى أعماق الشخصية. وهذا يتأتى، على حد اعترافه، من كونه كان دائم الخوف من تحمّل المسؤوليات.

مساره السينمائي ينطوي على تنوع وثراء، سواء على مستوى الـ"جانرات" السينمائية أو جنسيات المخرجين الذين عمل معهم. كبريطاني، حمله حسّه الفني إلى خارج حدود بلاده، وفي النصف الثاني من سيرته، لم يتردد في التورط قلباً وقالباً في إنتاجات سينمائية ضخمة في هوليوود، ومراراً أُسند إليه دور الإنسان الحكيم صاحب الفلسفة، وهذا كان دوره في "العنصر الخامس" للوك بوسون، إنتاج ضخم حقق إيرادات كبيرة في شبّاك التذاكر، وقدّم فيه شخصية صمدت في الذاكرة. هذا لم يمنعه أيضاً من المغامرة خارج الدروب المطروقة، في أعمال تنتمي إلى سينما المؤلف، ومنها "أستير كانّ" لأرنو دبلشان حيث لعب دور الممثّل الفاشل، أي باختصار، نقيض ما كانه في حياته. 

 

المزيد من سينما