Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

النمو السكاني في الجزائر يطرح أسئلة التنمية والتخطيط على السلطات

عدد السكان لامس 44 مليون نسمة ونسبة المواليد الجدد تتعدى المليون سنوياً

حاولت الحكومات المتعاقبة على الجزائر في العشريتين الأخيرتين وضع سياسة تقتضي الحدّ من النمو الديموغرافي المتزايد (مواقع التواصل)

تواجه عائشة، القاطنة في مدينة المدية على بعد 70 كيلومتراً تقريباً جنوب الجزائر العاصمة، ضغوطاً رهيبة من قبل عائلة زوجها، لأنها قرّرت التأني في إنجاب ولدها الثاني، إذ لم تتقبّل الأسرة تأخيراً دام حوالى ثلاث سنوات. وتقول "مع أن قرار إنجاب ولد آخر، يعود لي وإلى زوجي، لكنني وجدتُ نفسي محطّ مساءلة وتقديم تبريرات". وتضيف "فضّلتُ منح الوقت الكافي لنفسي قبل إنجاب ولد آخر، لكن العائلة لا تتقبّل هذه الفكرة، مقارنةً بشقيق زوجي الذي أنجب خمسة أولاد".

 

احترام ومضايقات

في السياق، يرى الباحث في علم الاجتماع عمر درقاوي أن "المرأة التي تلد أكثر، تحظى باحترام وقدر عال، أما الزوجة التي لم تنجب أصلاً، فستتعرّض إلى مضايقات قد تصل إلى حدّ الطلاق، إذ إنّه من منظور بعض العائلات الجزائرية لثقافة الإنجاب، المرأة التي لا تنجب تصبح على هامش المجتمع".
"إلّا أنّه مع المتغيرات التي طرأت على المجتمع خلال السنوات الأخيرة، لم يعد الوضع بتلك السهولة" يضيف درقاوي، "إذ باتت المرأة تسعى إلى تحديد توجّهات الإنجاب على أساس اجتماعي أو اقتصادي يعني كبح جماح الإنجاب بسبب غلاء المعيشة والحديث هنا عن الطبقة ذات المستوى التعليمي العالي والمتوسط لأنّ لكل طبقة منطقها في التفكير". ويتابع "حتى إنّ هناك من يعتقدْنَ أن كثرة الأولاد، ستبعدهن عن عالم العمل وتحرمهن من شكل الجسد الأنثوي، ما يقودهن غالباً إلى تحديد النسل".
 

قيمة العدد

من جهة أخرى، حالت القيود التي تضعها الأسرة الكبيرة على أبنائها عند الزواج، دون تنظيم النسل في الجزائر، "لأنها هي مَن تتحكّم فيه بناءً على تقاليد قد لا تراعي تغيرات الوضع وتسعى فقط إلى الحفاظ على مكانة العائلة من منظور العدد وليس القيمة المضافة التي يقدّمها الأفراد"، بحسب المتخصّصة النفسية زناف منيرة.
وتشرح منيرة "لأنّ العولمة اكتسحت المجتمعات وغيّرت المفاهيم، بات الرجل والمرأة العصريان يتمتّعان بنوع من حبّ الذات وتفضيل النفس وعدم تقبّل فكرة إنجاب أعداد كبيرة من الأولاد كما في السابق أي 10 أولاد وأكثر"، شارحةً أنّ "طبيعة المجتمع الجزائري المسلم في غالبيته العظمى، يؤمن بضرورة التكاثر لتعمير الأرض، غير أنّ ذلك يتطلّب في الجهة الموازية تحمّل مسؤولية ووعي بضرورة تنشئة حقيقة وسوية للأبناء، وتوفير حياة جيدة لهم تتلاءم والتحدّيات الجديدة".

 

من الاضطرار إلى الاختيار

في المقابل، يرصد البروفيسور في علم الاجتماع يوسف حنطابلي، مرور ثقافة الإنجاب في الجزائر "بثلاث مراحل منذ استقلال البلاد عام 1962، المرحلة الأولى مرتبطة باستمرارية الثقافة النسلية التي تُعدُّ امتداداً للمجتمع التقليدي، بمعنى آخر أنه على الرغم من حصول حراك اجتماعي من خلال النزوح من الريف إلى المدينة، إلّا أنّ الثقافة الإنجابية بقيت وفق الطريقة التقليدية، إذ إنّ العيش في الحيّز الضيّق قابله إنجاب ثمانية أطفال وأكثر". ويضيف أنه "أما مع توجّه الجزائر نحو الاختيار الاشتراكي وتنظيم المجتمع اقتصادياً واجتماعياً، فظهر أن المدينة لا تستوعب وفق التصوّر المستقبلي تلك الثقافة الإنجابية وعَلَت أصوات في الثمانينيات تنادي بتحديد النسل وفق إملاءات وقرارات سياسية، إذ قادت هذه السياسة إلى وعي الفرد الجزائري بأن العائلة الممتدّة في الفضاءات المغلقة تؤدي إلى انحراف ومشكلات اجتماعية لأن أي طفل ينشأ في شقة تضمّ ثمانية أطفال على سبيل المثال، سيعاني من مشاكل اجتماعية، وهو ما تم تصويره في فيلم جزائري مشهور تحت مسمّى عايش بـ 12".

ووفق حنطابلي، فإنّ العائلات الجزائرية وجدت نفسها أمام تحديد النسل الاختياري، الخاضع لحسابات الأسرة مع خروج المرأة إلى العمل وتدهور الأوضاع الاقتصادية، "هنا أصبحت ثقافة الإنجاب تُحدَّد وفق تصوّر الأسرة وقُدراتها، لا سيما مع ارتفاع معدلات العزوف عن الزواج والخوف من المسؤولية"، مبرزاً أنه "لا يمكن إغفال شيء مهم مرتبط بوجود قانون حضاري يرتكز على أنه كلما تمدّنت الحياة أكثر، تقلّص معها معدّل الإنجاب، أو ما يُسمّى بالعقم السيكولوجي وهو مفهوم غربي امتدّ إلى المجتمعات العربية، الذي يعني الاكتفاء بولد واحد أو اثنين نتيجة التمدّن".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


محاولات محفوفة بانتقادات

من ناحية أخرى، حاولت الحكومات المتعاقبة على الجزائر في العشريتين الأخيرتين، وضع سياسة تقتضي الحدّ من النمو الديموغرافي المتزايد، من منطلق أن الريع النفطي الذي تعتمده الجزائر كمورد أساسي في الدخل القومي، لم يعد يجاري العدد المتزايد للسكان، وتمثّل ذلك في برنامج تنظيم النسل مثل ما هو معمول في دول عدّة، والتقليل من عدد المواليد، لكن الفكرة جوبهت بانتقادات لاذعة.

مثلاً، عام 2017، فجّر تصريح لوزير الصحة الجزائري آنذاك مختار حزبلاوي، جدلاً واسعاً عقب إعلانه التحضير لبرنامج وطني لتحديد النسل وإعادة النظر في دفتر العائلات بعد تسجيل نمو كبير في عدد الجزائريين، إذ أثارت أرقام حكومية مخاوف من حدوث انفجار ديموغرافي خلال السنوات القليلة المقبلة، بعدما لامس عدد السكان 44 مليون نسمة مطلع عام 2020 مقابل 43.4 مليوناً، بداية عام 2019.

ووفق هذه الوتيرة من النمو، سيصل عدد سكان البلاد إلى 44.7 مليون نسمة، مطلع يناير( كانون الثاني) 2021، كما يُتوقّع أن يبلغ عدد سكان الجزائر 51.3 مليون نسمة عام 2030، و57.6 مليون نسمة عام 2040. وتُعدُّ الجزائر ثاني أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان بعد مصر التي تجاوز عدد سكانها الـ 100 مليون نسمة.

وكتبت يومها صحيفة "الشروق" الواسعة الانتشار في الجزائر، أن الحكومة أصبحت تنظر إلى الجزائريين على أنهم "عبء ثقيل" يُرهق كاهلها مع أن عددهم لا يتجاوز 40 مليون نسمة، في حين أن دولاً عدّة، سكانها بمئات الملايين لكنها لم تقرّر تحديد نسلهم، ومنها إندونيسيا (ربع مليار نسمة). وأضاف المقال أن "المسألة إذاً لا تكمن في كثرة عدد السكان، بل في كيفية الاستغلال الأمثل للموارد البشرية المتاحة، وللأسف ظلّت الجزائر عقوداً تتغنّى بأنّها تملك ثروة شبابية كبيرة تصل إلى 75 في المئة من سكانها، لكنها لم تُحسن استغلال هذه الثروة وتركتها عرضةً للبطالة والفقر وانسداد الآفاق على الرغم من كل الثروات التي تزخر بها البلاد". 

"إنّ الحديث عن تسجيل نموّ كبير في عدد الجزائريين لتبرير اللجوء إلى تحديد نسلهم، هو من قبيل تحميلهم مسؤولية التخلّف الذي تعيشه البلاد، والتملّص من أيّ مسؤولية"، بحسب المقال ذاته.
 

أرقام وحلول

 
في السياق، يُقرّ الدكتور في أمراض النساء والتوليد صلاح الدين كارفة، بفشل سياسة تنظيم النسل في الجزائر، مستنداً إلى أرقام رسمية تشير إلى تسجيل زيادة تفوق عتبة المليون ولادة للسنة الثالثة على التوالي، وهي نسبة ضخمة في اعتقاده.

وكشفت دراسة أعدتها وزارة الصحة الجزائرية، قبل ثلاث سنوات تقريباً، عن أن نسبة المواليد الإجمالية في الجزائر، أي عدد المواليد الأحياء لكل 1000 ساكن، ارتفعت من 19.36 لكل ألف ساكن عام 2000 إلى 25.40 لكل ألف ساكن عام 2017، ما يشكّل نسبة من بين "النسب الأكثر ارتفاعاً في العالم".  

ويرى أن "السياسة المتّبعة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، أفضل بكثير. الآن، أصبح من الصعب منح الأزواج حبوب منع الحمل بسبب خوفهم من عدم الإنجاب مرة ثانية مع تراجع نسبة الخصوبة وتأخر سن الزواج نتيجة متغيرات الحياة".

ويعتقد كارفة، "بضرورة تحديد النسل، لا سيما بالنسبة إلى النساء اللواتي يعانين من أمراض شديدة الخطورة، حفاظاً على صحتهن لأن المرأة هي مَن تدفع الثمن، إذ تُسجّل وفاة 200 امرأة سنوياً أثناء عمليات الولادة في الجزائر". ويضيف أنه "مع الأزمة الاقتصادية، يتعيّن على الدولة الجزائرية إعادة النظر في نسبة الولادات السنوية، لأن ارتفاع معدل الولادات يعني تخطيطاً مستقبلياً لظروف عيشهم، بدايةً من المدرسة ووصولاً إلى توفير فرص العمل وغيرها". ويردف أن "مراجعة النظام الاجتماعي السخي (ترصد له الدولة 17 مليار دولار سنوياً) وإجبار العائلات على دفع حقوق عمليات الولادة، بدايةً من الولد الثالث بدل مجانيتها، سيحضّ العائلات على التباعد بين الأولاد، وتفادي أي انفجار ديموغرافي".

المزيد من العالم العربي