يبدأ الصيف في شرق "لونغ آيلاند" حيث أسكن، في أواخر مايو (أيار)، وينتهي في أوائل سبتمبر(أيلول). وتضم منطقتنا عدداً كبيراً من الأثرياء الذين يملكون فيها بيوتاً ثانية، لكن هناك كثيراً من سكان المدن الذين يأتونها لقضاء وقت جميل بعيداً من مدنهم وبلداتهم. وجاءها كثيرون في شهر مارس (آذار) الماضي للهرب من العدوى المتفشية في نيويورك، والمكوث في رحابها الواسعة، والتمتع بشواطئها الرائعة، وبما توفره المدينة من رفاهية، وذلك بانتظار زوال كابوس الفيروس من مناطق سكناهم الأصلية.
لكن مع مرور الوقت، وتحسن الطقس، تعب السكان المحليون، والزوار من قواعد الحجر الصحي. وأصبحنا في الفترة الأخيرة لا نشعر بأن هناك إغلاقاً على الإطلاق. فحين تمشي في منتصف النهار بين شوارعها سترى أن نصف السكان من دون كمامات، وستجد الشواطئ مزدحمة بالناس، والقواعد الهادفة لمنع تفشي الوباء غير مطبَّقة، هذا ما دفع أندرو كومو، حاكم ولاية نيويورك، أخيراً إلى اعتبار "لونغ آيلاند" منطقة مثيرة للقلق.
ذكر كومو خلال مؤتمر صحفي أجراه الأحد الماضي، خروقاتٍ تتصل بإعادة فتح 25 ألف محل، بين مانهاتن وهامبتونز، معلناً عن استعداده للرجوع عن إجراءات فتح المحلات في الأماكن التي فشل الناس فيها في التقيد بالتعليمات. وقال "سأعكس الإجراءات في تلك المناطق التي لا تتقيد الحكومات المحلية فيها بالقانون. هذا ما سيحدث هنا. أنا أحذّر بطريقة لطيفة، من عواقب أفعالكم".
كانت إعادة الفتح، خصوصاً هنا في الولاية الأكثر تأثراً بالجائحة، خياراً خاطئاً على الأرجح، وسنرى عواقب عدم التزام القواعد في المستقبل القريب. لكننا الآن فتحنا محلاتنا، وهذا يعني أن المسؤولية تقع على عاتقنا. نحن الذين سنقرر ما إذا كانت حلاقة شعر تستحق الخرق، وما إذا كان الذهاب إلى حانة ما يستحق ارتكاب التجاوز، أو إذا كان تناول العشاء بشكل متكرر في المطاعم ضرورياً فعلاً، وما إذا كان للتقاعس بارتداء الكمامات في الأماكن العامة أي أهمية. الواقع أن الوضع لم يعد إلى ما كان عليه، والقناعة بعكس ذلك هي عبارة عن كارثة توشك أن تقع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يمكن القول، إن جزءاً من المشكلة يكمن في أن الحكومة الفيدرالية لم تعالج بما فيه الكفاية المشاكل الحقيقية التي تعاني منها الأعمال الصغيرة، خصوصاً في قطاع المطاعم، التي يضج أصحابها حالياً مطالبين بفتحها، وربما هناك خرق لقواعد الإغلاق في سياق هذه العملية، لأن عدم فتحها يعني المجازفة بوضع فرصها للبقاء تحت رحمة زمن كوفيد-19. وذلك بالتأكيد ليس خطأهم. وكان بإمكان الرئيس دونالد ترمب التدخل لصالحهم، وفي واقع الأمر، دعاه كثيرون لتقديم معونة فيدرالية لقطاع المطاعم. وحث الشيف الشهير توم كوليتشيو، في وقت ما ترمب والكونغرس على إنقاذ المطاعم التي يملكها أفراد مستقلون. إلا أن الرئيس والكونغرس لم يفعلا أي شيء للمساعدة في إنقاذ قطاع الأعمال المشلول هذا، على الرغم من حقيقة أن عدد العاملين في هذه الصناعة يزيد على 14 مليون أميركي.
فتح المطاعم شيء، وفشل السكان في الاعتراف بأن تهديد الفيروس ما زال قائماً على الرغم من الطقس الدافئ، والاحتجاجات، والتراخي العام، هو شيء آخر تماماً. فالتوقعات لم تتغير. نحن على الأرجح وسط أول موجة من هذه الجائحة، مع وجود موجةٍ ثانيةٍ تلوح في الأفق. وفتح الباب لإعادة الحياة إلى سابق عهدها. وذلك ببساطة لأن انتظار الحياة كي تبدأ عودتها من جديد إلى الوضع المألوف أصبح مؤلماً وغير مريح، من شأنه أن يكلفنا الكثير في نهاية المطاف.
عانت نيويورك كثيراً منذ بدء الجائحة. ولم يستطع سكانها حتى وقتٍ قريبٍ أن يرتاحوا من شاحنات التبريد التي كانت تحمل جثامين البشر لأن المستودعات ذات العلاقة فاضت بالجثامين، ولم يعد فيها شاغر لاستقبال المزيد. ذلك هو الثمن الحقيقي للعودة إلى الحياة الطبيعية. وتلك هي العاقبة التي يصفها كومو لنا جميعاً، حين ينبهنا إلى وجوب البقاء حذرين.
وإذا كان علينا العيش داخل بيوتنا طوال فصل الصيف، بشكل بائس، فليكن. التقيد بالقواعد ليس عقاباً، بل هو واجب وطني، لأن هذا الفيروس لم يغادرنا بعد، بل إن مغادرته ليست وشيكة. وفشلُنا في التعامل مع هذه الحقيقة بشكل جدي لأنها فقط غير مريحة، وغير مبهجة، سيعيد حركة الزمن إلى الوراء. لا يمكننا تحمل الوقوع في خطأ بهذه الجسامة.
© The Independent