Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دروس من سقوط الفاشيين البريطانيين قبل 80 عاما

يمكننا أن نُجري تغييراً مشابهاً طويل الأمد إذا وظفنا القيم نفسها التي مكنتنا من إحراز النصر في عام 1940، كما يقول عاموس شونفيلد في ما يلي

صورة أرشيفية لزعيم اتحاد الفاشيين البريطانيين أوزوالد موزلي يحيّي مؤيديه خلال مسيرة في بيرموندزي في لندن (غيتي)

إن العديد من العمال الأساسيين الذين نصفّق لهم هم من المهاجرين. هؤلاء هم الأشخاص الذين أسندنا إليهم مهمّة رعاية المرضى والمسنّين، وهم من يضمنون استمرارية عمل سلاسل التوريد، ومن يدفعون غالباً وبشكل غير متكافئ مع غيرهم الثمن الأكبر أثناء تأدية هذه المهمات. هؤلاء هم الذين اعتُبروا "قليلي المهارة" منذ بضعة أشهر فقط، وأوشكت أبواب بريطانيا أن توصد في وجههم بعد بريكست لهذا السبب.

لكن عندما يصل الأمر حتى ببيرس مورغان إلى اعتبار أن ممرضات وممرضي "خدمة الصحة الوطنية" يساهمون في "إثراء بلادنا"، وإلى الإعراب عن الأمل في أن "يتغيّر الموقف" من المهاجرين بعد الجائحة، تتجلّى أمامنا قدرة هذا الوباء على تغيير المناخ السياسي. وفي أعقاب النقاش حول قانون الهجرة هذا الأسبوع، الذي اجتاز قراءته الثانية من أصل ثلاث قراءات، يجدر بنا أن نعود بأفكارنا إلى ثلاثينيات القرن الماضي في سبيل العثور على مخرج ممكن من هذه الحملة التي لا ترحم.

 ضمّ "اتحاد الفاشيين البريطانيين"، حزب أوزوالد موزلي، نحو 50 ألف عضو في ذروة قوّته. وتمتّع  بدعم صحيفة "دايلي مايل" حين كانت تحت إشراف اللورد روثرمير، التي عنونت صفحتها الأولى "يحيَا أصحاب القمصان السود" في عام 1934، في إشارة إلى القوات شبه العسكرية التابعة لـ "اتحّاد الفاشيين البريطانيين". وبعد ذلك بسنوات قليلة، أصدرت الحكومة في 23 مايو (أيّار) 1940 مرسوماً يقضي بحلّ "اتحاد الفاشيين البريطانيين". ومع أننا نعلم الآن أن تلك الخطوة لم تقتلع الفاشية من السياسة، لكن الطريقة التي جرى من خلالها إلغاء "الاتحاد"، وكانت عاصفة مثالية تضافرت فيها عناصر الضغط الشعبي والإرادة السياسيّة والأزمة، يمكنها أن تُلقي بعض الضوء على الفترة التي نعيشها حالياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لم يكن "اتحاد الفاشيين البريطانيين" الذي جرى حظره بموجب قانون طوارئ سوى نسخة باهتة عنه سابقاً، ضمّت أقل من نصف عدد الأعضاء الذين التحقوا به في ذروة قوته. وبلغت الحملات المستمرة والقديمة المناهضة للفاشيّة  أوجها حين ضرب المتظاهرون الذين اشتملوا على بعض أبناء المجتمع اليهودي المحلي والأقليات أخرى والجماعات اليسارية التي تضامنت معهم، أعضاء "اتحاد الفاشيين البريطانيين" وأرغموهم على التراجع في معركة كايبل ستريت عام 1936. ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية أوائل عام 1940، تداخلت الأزمة العالمية مع أخرى داخلية فاستقال نيفيل تشامبرلين من منصبه كرئيس للوزراء وحلّ وينستون تشرشل محله. وبعد ذلك بأسبوعين، طُويت صفحة "اتحاد الفاشيين البريطانيين" نهائياً واعتُقل قادته. 

وفي الذكرى الثمانين لتلك اللحظة التاريخية، قد يقدّم لنا ذلك الانتصار مفاتيح تغيير المشهد السياسي مرّة أخرى. إن "سياسة البيئة المُعادية"، التي أعلنتها عام 2012 تيريزا ماي وزيرة الداخلية آنذاك، استغلت المشاعر المعادية للأجانب التي سعت إلى إغلاق الباب أمام المهاجرين الراغبين في دخول البلاد وأيضاً دون أولئك الموجودين هنا سلفاً.

دعت الجماعات التي تعتبر تجسيداً لاتحاد الفاشيين البريطانيين في زمننا الحالي، بدءاً بـ "رابطة الدفاع الإنجليزية" ووصولاً إلى حزب "استقلال المملكة المتحدة" (يوكيب)، حتى إلى تطبيق معاملة أقسى في حق المهاجرين، زاعمةً أنّ بريطانيا وصلت إلى "حد الانهيار". لكن الساعين إلى الترحيب بالمهاجرين واللاجئين والدفاع عنهم نظّموا أنفسهم بشكل جيد خلال ما يُعرف بأزمة اللجوء، الأمر الذي أدى إلى خروج تظاهرات حاشدة في 2015 و2016. وتعززت استجابة الرأي العام لهذه السياسة بعد فضيحة ويندراش، حين تسبّب ترحيل أكثر من 80 شخصاً في اعتذار آمبر راد، التي خلفت ماي على رأس وزارة الداخلية، ومن ثم استقالتها. دفعت لحظتا التوتر هاتان الكثير من الناس، بمن فيهم أنا، إلى التحرّك، لكن هذه المسائل لاتزال موجودة حتى حين تغيب عن صدر الصفحات الأولى للصحف. والجهد الكبير الذي يبذله الملتزمون الدفاع عن اللاجئين والمهاجرين، في الأقل من عاشوا تجربة هؤلاء بأنفسهم، يحتاج إلى الوعي الشعبي المستمر الذي كان حاضراً خلال عامي 2015 و2016 كي يستطيع إجراء تغييرات دائمة. ورأينا أخيراً مدى فعالية الضغط، مع تراجع الحكومة عن زيادة الضريبة الصحيّة على المهاجرين. 

استطاع الجهد الكبير الذي بذله قادة مثل اللورد آلف دوبز، وهو نفسه كان طفلاً مهاجراً وصل إلى البلاد بفضل عملية إنقاذ الأطفال أثناء الحرب العالمية الثانية، أن يخلق الإرادة السياسية التي أحدثت بعض الفجوات في هذه السياسة ومن ثم مكّنت الأطفال اللاجئين من دخول المملكة المتحدة والالتحاق بعائلاتهم. أدّت أزمة فيروس كورونا إلى إنتاج فيديو المهاجرين العاملين في "خدمة الصحة الوطنية" المعنون "تصفّقون لي"، وإلى الحملة التي قام بها حسّان العقّاد، السينمائي والناشط السوري النازح الذي يعمل حالياً منظّفاً لدى "خدمة الصحة الوطنية"، وغيرهما. وربّما خلقت تلك اللحظة أيضاً الإرادة السياسية لتحقيق تغييرات أعمق وأكثر استدامة لجميع المهاجرين الساعين إلى الاستقرار في المملكة المتحدة. وتشمل هذه التغييرات إلغاء الحظر على عمل طالبي اللجوء بحيث يستطيعون كسب ما يكفي للعيش بشكل أفضل مما يتيحه مبلغ 5.39 جنيه إسترليني الضئيل في اليوم الواحد، أو إنهاء احتجاز المهاجرين لأجل غير مسمى. سيتطلب دعم هذه الإصلاحات الأساسية من السياسيين شجاعةً سياسية. 

قبل 80 عاماً، اقتضى دحر الفاشية ونبذها من صفوف السياسة المحلية وجود تضامن شعبي وقوة في مواجهة حرب عالميّة. وربّما يحتل اليمين المتطرّف الآن موقعاً في الساحة السياسية الرئيسية وفي المجتمع لكن يمكننا أن نُجري تغييراً طويل الأمد إذا وظّفنا القيم نفسها التي مكنتنا من إحراز النصر في عام 1940. قدمت لنا الأزمة التي نجد أنفسنا فيها حالياً هذه الفرصة. والوقت مؤاتٍ الآن للاستفادة من سنوات الضغط الشعبي في الحركة المتنامية من أجل تغيير كيفية معاملتنا لجميع اللاجئين والمهاجرين، سواء كانوا يحافظون على تماسك نظامنا الصحي ونظام رعايتنا الاجتماعية أم لا.

(عاموس شونفيلد مؤسس حركة "بيتنا الثاني" الشبابية التي تعمل من أجل اللاجئين وطالبي اللجوء وهو منسّق في شبكة "العمل الطالبي من أجل اللاجئين")

© The Independent

المزيد من آراء