Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سلاح الأميركيين في زمن كورونا من شيفرة "666" إلى "شريحة غيتس"

الرافضون لقرارات الإغلاق هل كانوا يعبرون عن إرادات سياسية وقت الأزمة؟

مسلحون أميركيون في ولاية ميتشيغان (غيتي)

على هامش أزمة كورونا التي ضربت الولايات المتحدة الأميركية، مثل بقية بلدان العالم، كانت هناك ظاهرة أخرى أكثر إثارة ترتفع في سماوات العديد من المدن والولايات، وهي ظاهرة إقبال الأميركيين بكثافة على شراء أسلحة خفيفة آلية من النوع الذي يستخدم للدفاع عن النفس والممتلكات.

في هذا الإطار كانت مواقع التواصل الاجتماعي، تنقل صوراً للمئات من المواطنين المصطفين أمام متاجر بيع الأسلحة في كاليفورنيا وغيرها من ولايات الغرب والوسط بنوع خاص، حيث الأراضي الشاسعة التي تغري باستخدام هذه النوعية من الأسلحة.

ولعل علامة الاستفهام في هذا المقام: ما العلاقة بين الإقبال الهائل على شراء الأسلحة، ذاك الذي فاق شراء المطهرات وأدوات الوقاية الطبية، وبين انتشار فيروس كورونا؟

ثم هل إشكالية السلاح هنا مشهد طارئ في حياة الأميركيين، أم معضلة قائمة ومتجذرة في النسق الاجتماعي والحياتي الأميركي، وأخيراً هل السلاح هنا مبرر حمله للدفاع عن النفس، أم أن هناك تطويعاً له ضمن سياق الأدوات السياسية، والتي واكبت أزمة كورونا وأزمات أخرى غيرها في التاريخ الأميركي من قبل؟

الأسلحة والوباء والفوضى

هل يمكن تبرير شراء الأميركيين الأسلحة بأي نوع من أنواع رد الفعل الأولي، خوفاً من انتشار الفوضى المصاحبة للمرض الوبائي الذي انتشر في البلاد على نحو غير متوقع؟

من الواضح أن حالة الذعر التي سيطرت على الأميركيين هي التي أدت إلى الإقبال الهائل على الأسلحة، فمنذ بدايات أزمة كورونا تم بيع نحو 3 ملايين قطعة سلاح، ما يزيد بنسبة 36 في المئة عن مبيعات الأسلحة في يناير (كانون الثاني) 2020، أما مبيعات فبراير (شباط) ومارس (آذار) فقد ارتفعت بنسبة 68 في المئة عن مشتريات السلاح في شهر يناير.

ولعله من الواضح أن الأميركيين قد اجتاحهم الخوف وشملهم الرعب من انتشار الفوضى المصاحبة لارتفاع أعداد الوفيات والمصابين والخوف من حوادث السرقات والقتل العشوائي، وكذا الهجوم غير المبرر على المنازل والسيارات، وهي جرائم عادة ما تصاحب الأحداث القدرية الكبرى كالزلازل والأعاصير، أو الاضطرابات الاجتماعية الكبرى، كالتظاهرات ذات البعد القومي والعرقي.

هنا يلاحظ المرء أن أغلب المشترين للأسلحة في الأشهر الفائتة هم أشخاص يمتلكون سلاحاً نارياً للمرة الأولى في حياتهم، والمثير أن بعضاً من الذين أقبلوا على شراء الأسلحة كانوا من رافضي حمل السلاح واقتنائه من الأصل، إلا أنهم خضعوا في نهاية الأمر للتوجه العام، ولحالة الذعر المسيطرة على الغالبية، وبات المشهد يستدعي ملامح ومعالم الخوف من انفلات الموقف الأمني، لاسيما مع تصاعد أرقام الوفيات والمصابين والخوف من نقص الغذاء والمستلزمات الحياتية اليومية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تظاهرات مسلحة في شوارع أميركا

يتفهم المحلل المحقق والمدقق للشأن الأميركي اقتناء الأسلحة قلقاً على الحريات الشخصية، وصوناً للحياة من التصرفات الهمجية التي يمكن أن تصدر عن البعض، الأمر الذي أدى بالفعل إلى تعرض العديد من المحلات التجارية الكبرى لعمليات اقتحام، ما دفع الرئيس دونالد ترمب إلى التوجيه بنشر قوات الحرس الوطني في ثلاث ولايات، فضلاً عن إرسال دبابات ومدرعات، لمحاصرة عدد من المدن، وهنا تصب الأسلحة في خانة الدفاع عن النفس.

غير أن ما لا يمكن تفهمه عقلاً أو عدلاً، هو الخروج في تظاهرات مسلحة اعتراضاً على قرارات الإغلاق والعزل، الأمر الذي ينقل المشهد من دائرة الحق الشخصي، إلى تهديد الأمن المجتمعي برمته.

بدأت أزمة العزل عندما وجهت سبع ولايات تشكل قطاعاً كبيراً من سكان الولايات المتحدة أوامر للمواطنين بالبقاء في المنازل، من أجل المساهمة في الحد من تفشي فيروس كورونا المستجد، وقد طالت هذه القرارات قرابة 100 مليون شخص، وتعتبر ولايتا أوهايو ولويزيانا الأحدث في الانضمام إلى القائمة.

التظاهرات المسلحة

ولأن البقاء في المنازل ووراء الجدران يعني توقف عجلة العمل، وتدهور الأوضاع المعيشية للأسر والأفراد، لذا فقد بدأ المئات من المواطنين بالخروج إلى الشوارع حاملين أسلحتهم، منددين بأوامر البقاء في المنازل ومطالبين بإعادة فتح الولايات للعمل، وهنا يتغير المشهد من حمل السلاح للدفاع الشخصي، إلى دعم توجه سياسي بذاته. بعض الولايات كانت أعداد المتظاهرين فيها تصل إلى الآلاف كما الحال في ولاية ميتشغان، أولئك الذين تظاهروا على درج مبنى بلدية "لانسنيغ" ضد الحاكمة الديمقراطية "غريتشن ويتمر" هاتفين بصوت واحد: "أحبسوها"، ومعبرين عن حالة السأم والملل التي يتعرضون لها، وعدم مقدرتهم على شراء الأشياء، أو الذهاب إلى مصففي الشعر على حد قول بعضهم. وبحلول الأسبوع الثالث من إبريل (نيسان) الماضي، كانت التظاهرات المسلحة تعم ولايات أخرى، وتنتشر كالنار في الهشيم في تكساس ونيوهامبشير. والمقطوع به أن ما جعل الأمر مقلقاً هو أن الحشود المتظاهرة ضمت مسلحين ومقنعين يرتدون بدلات شبيهه بالبدلات العسكرية، وآخرين يضعون قبعات تحمل شعاراً مؤيداً لترمب، في غياب شبه كامل لالتزام المتظاهرين بإرشادات التباعد الاجتماعي.

حملت التظاهرات المسلحة، ملامح ومعالم تشي بأن هناك بالفعل توجهات سياسية أبعد بكثير من مجرد الدفاع عن الحياة الخاصة، ففي تكساس وأنابوليس، كما في أوهايو وكاليفورنيا، وإنديانا ونيفادا وويسكونسن، كانت شعارات من نوعية "العيش بحرية أو الموت" و"الفقر يقتل أيضاً"، ترتفع بجوار العلم الأميركي، كما حمل المتظاهرون لافتات كتب عليها "الأرقام تكذب" ما يعني أن هناك تشكيكاً في الروايات الحكومية الرسمية الخاصة بأعداد المصابين والمتوفين من جراء كورونا. لم تكن التظاهرات مفاضلة أو مقاربة بين الجائحة التي سببتها كورونا، والجائحة التي يمكن أن يتسبب فيها الاقتصاد وما يعتريه من تدهور فقط، بل كانت بكل تأكيد تحمل مسحة واضحة من التصنيفات السياسية، والصراع الذي يحتدم في الداخل الأميركي، وبنوع خاص بين الديمقراطيين.

فتش عن ترمب

لقد استمد المتظاهرون تشجيعاً من سلسلة تغريدات أصدرها الرئيس ترمب، ودعا فيها إلى تحرير "ميتشغان ومنيسوتا وفيرجينا"، وهي ولايات يحكمها ديمقراطيون، فخلال أحد مؤتمراته الصحافية في منتصف إبريل الماضي، برر ترمب الاحتجاجات بالقول "إن بعض الحكام ذهبوا بعيداً جداً، في إجراءات الحجر التي أدت إلى ارتفاع كبير في عدد العاطلين من العمل في كل أنحاء البلاد، وحرمان العديد من الناس من أي مصدر دخل".

لم يقتصر الأمر على هذا، إذ وجه ترمب التهنئة إلى حاكمي تكساس وفيرمونت الجمهوريين على "السماح باستئناف بعض الأنشطة"، مطالباً في الوقت نفسه باتخاذ الإجراءات المناسبة المتعلقة بالتباعد الاجتماعي.

يعلم القاصي والداني أن رجل الشارع الأميركي مدفوع في حياته بعامل الاقتصاد أكثر من السياسة، ولهذا فإن الرهان على دوران عجلة النشاط الاقتصادي، هو الذي يهم الرأي العام الأميركي، الأمر الذي أظهرته استطلاعات عدة للرأي وبخاصة الذي أجرته مؤسسة "بيو"،  فهل يعني ذلك أن الاهتمام بحياة الإنسان يتراجع، أم أنها حالة الاضطراب والقلق التي تعم جميع الأميركيين في الوقت الحاضر هي السبب؟  

في كل الأحوال يبدو أن الجدل الاقتصادي لم يكن ليصرف النظر عن المخاوف الحقيقية التي ولدت من رحم زيادة مبيعات الأسلحة في زمن كورونا، ما دعا إلى ترتيبات أمنية أميركية خاصة، لا سيما في ظل التهديدات التي تفتّ في عضد النسيج المجتمعي الأميركي... ماذا عن ذلك؟

 

سلاح وعنصرية وحرس وطني

ضمن إحدى روايات الأديب الروسي الكبير "أنطوان تشيكوف" نقرأ عبارة تقول "إذا ذكرت في الفصل الأول من روايتك أن هناك بندقية معلقة على الجدار، فمن المرجح أنها ستنطلق حين تصل إلى الفصل الثالث".

هل سيكون هذا هو حال الولايات المتحدة الأميركية مع ازدياد حمل السلاح لدى الأفراد، ربما يتجاوز الدفاع عن الخاص ومن ثم الولوج إلى مساحات وساحات العام من سياسة الدولة؟ قبل نحو أسبوعين كان مكتب المباحث الاتحادية FBI  يحذر من الدعوات التي يتم تبادلها من عدد من أنصار جماعات اليمين المتطرف في الداخل الأميركي، أولئك الحريصين كل الحرص على اقتناء السلاح بشكل مبالغ فيه، وجلهم من الرافضين فكرة الحكومة المركزية، وبعضهم ارتفعت أصواته مسبقاً مطالباً بانفصال ولايات بعينها.

تحمل الدعوات سماً عنصرياً ناقعاً، يبث رغبات شريرة في نشر فيروس كورونا في الأحياء التي يسكنها غير البيض.

التقارير الاستخبارية في هذا السياق، ذكرت أن الجماعات اليمينية دعت أتباعها إلى وضع لعاب المصابين بالفيروس داخل زجاجات ورشها في الأحياء التي يقطنها أصحاب البشرة السوداء.

وكانت هيئة الحماية الفيدرالية قد أصدرت في مارس (آذار) الماضي تقريراً ذكرت فيه أن جماعات سيادة البيض استخدمت تطبيق تليغرام لمناقشة قضاء أكبر وقت بالأماكن العامة، ووضع اللعاب على مفاتيح المصاعد، ومقابض الأبواب، لنشر كورونا بين من سموهم الأعداء... فهل نحن أمام مشهد "إرهاب بيولوجي"، إن جاز التعبير، يسعى إلى إحداث صراع أهلي يقوده المسلحون من الجماعات الميليشياوية اليمينية، الأمر الذي يأخدنا في طريق مغاير كثيراً عن فكرة حماية النفوس والممتلكات؟

هنا جزئية مثيرة للتأمل في مشهد الإقبال على شراء الأسلحة، وتحتاج لاحقاً إلى المزيد من التفكيك والتحليل، ذلك أن الناظر للطوابير المتراصة أمام متاجر بيع الأسلحة، يلحظ أن نسبة غالبة منهم، من غير "الواسب" أي "البيض الأنجلو ساكسون البروتستانت" وجل المشترين من أصول آسيوية، فهل هناك ما يوضح السبب؟

باختصار يبدو أن التاريخ حاضر، ودروسه مستمرة فالآسيويون اليوم في الداخل الأميركي، لاسيما الصينيين وهم كثر، يشعرون بأن مأساة اليابانيين بعد الاعتداء على ميناء "بيرل هاربور" إبان الحرب العالمية الثانية قريبة من التحقق.

في ذلك الزمان، جمع الأميركيون اليابانيين في معسكرات اعتقال، ولأن الزمن تغير، وما حدث في أربعينيات القرن الماضي لا يمكن أن تجري به المقادير في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، ولهذا فإن الآسيويين هذه الأيام وفي ظل تصاعد الاتهامات للصين من جانب ترمب، واعتبارها مصدر الوباء، يشعرون بأن الخطر محدق بهم.

الكارثة الأكبر الآن التي تجعل السلم الأميركي الداخلي مهدداً بالفعل، تتمثل في قناعات أميركيين كثر بأن الآسيويين يتحتم عليهم أن يدفعوا ثمناً مادياً غالياً، وأن على الصين تعويض الأميركيين عما فقدوا من الأشخاص والممتلكات، الأمر الذي يصل إلى تريليونات الدولارات، وهنا تبرز علامة استفهام مرعبة بدورها: هل سيعمد البعض من حملة تلك الأسلحة إلى الحصول على مثل هذه التعويضات بشكل خارج عن القانون من قبل الآسيويين، لاسيما أن الكثرة من هؤلاء الآخرين تمتلك العديد من المصانع والمتاجر والمنشآت المتميزة في الداخل الأميركي؟

الجواب نجده لدى مجلة "نيوزويك" الأميركية، والتي أفردت صفحات عددها الثالث من مارس الماضي لتلك الإشكالية، مشيرة إلى أن هناك مخاوف كبيرة من عدم مقدرة الحرس الوطني التابع لكل ولاية، على مواجهة ومجابهة الاضطرابات المدنية المتوقعة، ولهذا فإن الحديث الآن يدور حول التخطيط للاستعانة بالقوات المسلحة، الأمر الذي لم يحدث منذ ثلاثة عقود داخل البلاد.

"نيوزويك" أيضاً تشير إلى أنه داخل الدوائر العسكرية، هناك انقسام في الرأي حول ما إذا كان على القوات الفيدرالية أن تقوم بدور أكبر، ويتولى حكام الولايات ووحدات الحرس الوطني، وليس الحكومة الفيدرالية والجيش الفعلي، المسؤولية الأساسية للتعامل مع حالات الطوارئ المحلية، بموجب القانون والمنطق السليم، بما أن المسؤولين المحليين أقرب دائماً إلى الأزمة، وأكثر معرفة بالمتضررين منها.

هل هذه مقدمة الآلام وبداية أوجاع أبعد من مشهد كورونا، وترتبط بحيازة السلاح من قبل الأفراد، وتمضي ربما يوماً في طريق العصيان الشامل ضد سلطة الولايات المتحدة؟

 

حمل السلاح... وثقافة الموت

تقودنا عمليات شراء الأسلحة من قبل الأميركيين إلى مشاغبة قضية أعمق وأكثر جدلاً هي قضية حق المواطنين في اقتناء الأسلحة.

في كتابهما "الحكومة الأميركية... الحرية والسلطة" يبين لنا البروفيسوران "ثيودور لووي" من جامعة كورنل و"بنيامين غينسبرج" من جامعة جونز هوبكينز، كيف أن مسألة حمل السلاح مصونة ومحمية بقوة الدستور الأميركي، ففي التعديل الثاني نجد ما نصه "حيث إن وجود ميليشيا حسنة التنظيم ضروري لأمن أية ولاية حرة، لا يجوز التعرض لحق الناس في اقتناء أسلحة وحملها".

والمعروف أن الدستور الأميركي يستمد مادة "الحق في التسليح" من القانون الإنجليزي، الذي يعتبر الأمر حقاً من الحقوق الطبيعية، من أجل السعي المشروع للدفاع عن النفس داخل المنزل، ويرجع الدافع الأساسي لتأييد هذا القانون حين إصداره، إلى القلق الشديد من استبداد الحكومة بالسياسة، خصوصاً بعد الحرب الأهلية الأميركية، واعتبار حمل السلاح الشخصي الحق الأهم لحماية الحقوق الأخرى.

هل يفهم من هذا التعديل الحرية الكاملة في تسليح الأفراد الأميركيين، مع ما يمكن أن يستتبع ذلك من تفشي العنف القاتل، الأمر الذي رأيناه في العديد من الكوارث التي حدثت على الأراضي الأميركية في الأعوام القليلة الماضية؟

يأخذنا الجواب في طريق ما ذكره القاضي الفيدرالي الأميركي الأشهر "روبرت هـ.  بوك"، والذي كان مقرباً من الرئيس الراحل رونالد ريغان، وعنده أن التحكم في حمل السلاح مسألة باتت تقدم بحماسة دينية، وحكايات مؤلمة عن الأحباء الذين قضوا بالرصاص، إلا أن المسألة ليست على هذا القدر من البساطة، ذلك أن الحجة الحقيقية ضد التشدّد في حمل السلاح تتعلق بالسياسة، وليس بالمسائل الدستورية... فهل يفهم من هذا أن قراءة التعديل الثاني من الدستور تتم بصور غير مضبوطة قانونياً وفلسفياً أول الأمر وآخره؟.

أحد العقول الأميركية الكبيرة التي ضاع صوتها وسط الصخب الذي يحدثه "لوبي السلاح"، والذي ارتفعت أسهم شركاته في البورصة الأميركية الشهرين الماضيين، البروفيسور "دانيال بولسبي"، أستاذ القانون الشهير، والمشهد عنده كالتالي:

"التعديل الثاني من الدستور الأميركي، بات يذكر بشكل ملتبس، لأن الجزء الأول منه يؤيد مناصري التحكم في السلاح، بأن يبدو أنه يجعل امتلاك السلاح الناري مشروطاً بأن يكون الشخص عضواً في ميليشيا تنظمها الولاية. أما الجزء الثاني فيشير إليه المعارضون للتحكم في حمل السلاح، باعتباره ضماناً لحق الفرد في امتلاك هذه الأسلحة، بما أنه يمكن أستدعاؤه للخدمة في الميليشيا".

درجت المحكمة العليا على اعتبار أن التعديل تم إحداثه للسماح للولايات بالدفاع عن نفسها ضد إمكان وجود حكومة طاغية، الأمر الذي انتفى اليوم، لاسيما في ظل وجود حكومة اتحادية مستمر ومستقرة، وما لديها من جيش نظامي، يلغي فكرة ميليشيات الولايات، كما أن تسليحه لا يقارن بأي تسليح آخر لدى أي جماعة مسلحة أخرى داخل البلاد.

غير أنه ومع عام 2008 صدر حكم تاريخي جديد من المحكمة العليا يؤكد حق الأميركيين في امتلاك السلاح، بموافقة خمسة أعضاء ومعارضة أربعة أصوات، ويومها قال القاضي "صموئيل أليتو"، مختتماً قرار المحكمة الذي يقع في 45 صفحة: "نرى أن حق التعديل الثاني ينطبق تماماً على كل الولايات... أما لماذا مثل هذا القرار، فهذه قصة أخرى، وقراءة مغايرة، ويبقى السؤال: هل من مخاوف أخرى ضمنية دفعت الأميركيين إلى اقتناء الأسلحة، خوفاً من المجهول الذي لم يأتِ بعد؟

شريحة غيتس... الحقيقة والخيال

وسط الأزمة الكورونية المشتعلة والمستفحلة بقوة في الداخل الأميركي، كان رجل مايكروسوفت الذائع الصيت "بيل غيتس" يطل على الأميركيين من زاويتين، شجعتا جموع المواطنين على اقتناء السلاح بدافع هو مزيج من العقل والخرافة، الأول يتمحور حول الأمن الشخصي، والثاني عقائدي يحلق في فضاءات الأدوات السياسية ومواجهة الحكومة الاتحادية.

الزاوية الأولى الموصولة ببيل غيتس تتمثل في كون الرجل ومنذ بضعة أعوام، لم ينفك يقرع أجراس الخطر، بالنسبة إلى الأوبئة المقبلة، حدث ذلك عامي 2017 و2018، وناشد الحكومة والعلماء الأميركيين الاستعداد، وطالب بالتهيؤ لملاقاة مثل تلك الجائحة، غير أن أحداً لم يلتفت إليه، الأمر الذي جعل ثقة الملايين من المواطنين الأميركيين تهتز كثيراً في قدرة خطط الإدارة على ملاقاة الخطر المقبل.

أما الزاوية الثانية الأكثر إثارة، والتي تتصل بعالم غيتس وأحاديثه عن حتمية حصول كل البشر على المصل المضاد لفيروس كورونا، فهي تلك التي عرفت باسم "شريحة غيتس ID2020" والتي يتم حقن كل إنسان على سطح الأرض بها، للتأكد من أنه غير مصاب بكورونا، وهي شريحة مرتبطة بأجهزة مراقبة دولية، وشبكات رقمية وربما أقمار صناعية، لمعرفة السليم والمريض، والتمييز بينهما حول الأرض ووسط مليارات البشر، بحسب أصحاب الرواية.

الذين دققوا النظر في صور المتظاهرين الحاملين الأسلحة الآلية والرافضين العزل الإجباري، في العديد من ولايات أميركا أخيراً، راعهم لافتات مثيرة للتأمل، ومحاولة فك شفراتها، إذ كتب على بعضها: "لن نتنازل عن حرياتنا للوحش"... فما قصة الوحش هذا، وما فحواها الخطير؟

سمة الوحش واليمين الديني

عبر بيان رسمي نشرته وكالة الأنباء الدولية "رويترز"، كان بيل غيتس ينفي موضوع الشريحة، لكن هناك قصة تجعل من اقتناء الأميركيين السلاح فرض عين للدفاع عن أنفسهم ضد سلطة كاسحة يمكن أن تظهر فجأة، إذ تنتشر بينهم قصة رؤيوية، هي رؤية الوحش أو المسيح الدجال، أو الأعور الدجال، الذي لا بد أن يظهر في نهاية الزمان ويتحكم في العالم برمته من خلال مثل تلك الشريحة.

يبرز التيار المسيحي الإنجيلي في الداخل الأميركي، في مقدمة المؤمنين بهذا الفكر، ومرجعهم هنا ما ورد في آخر إصحاحات العهد الجديد من الكتاب المقدس، ذلك السفر المعروف باسم رؤيا "يوحنا اللاهوتي"، الإصحاح الثالث عشر، الأعداد من 16 إلى 18، وهذا نصه عندما يتكلم عن الوحش:

"ويجعل الجميع، الصغار والكبار، والأغنياء والفقراء، والأحرار والعبيد، توضع لهم سمة على يدهم اليمنى، أو على جبهتهم، وأن لا يقدر أحد أن يشتري أو يبيع،  إلا من له السمة، أو اسم الوحش، أو عدد اسمه... هنا الحكمة، من له فهم فليحسب عدد الوحش، فإنه عدد إنسان، وعدده ستمئة وستة وستون".

مؤخراً ظهرت في الداخل الأميركي محاولات لفك شيفرة 666، من خلال العلوم التي تمزج بين الحروف والأرقام، وخرجت لنا بعض النتائج تفيد بأن كورونا هي الكلمة المعادلة لهذا الرقم.

هنا لا نحاجج بصحة أو خطأ  قراءة بعينها، أو توجه بذاته، وإنما نشير إلى أن الأميركيين سعوا وسوف يتعمق سعيهم، في هذا السياق الدوغمائي، طالما ارتفعت أصوات اليمين الأميركي من قلب البيت الأبيض في زمن الرئيس ترمب.

القصة المتقدمة تحتاج إلى عودة موسعة عما قريب لما لها من تأثيرات جوهرية في صناعة القرار الأميركي، وبخاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن الرئيس ترمب ومنذ دخوله البيت الأبيض، يحاول جاهداً أن يقدم نفسه على أنه رجل العناية الإلهية، وأنه حامي الإيمان المسيحي القويم، والكثير من القرارات التي اتخذها خلال السنوات الثلاث المنقضية تقضي بذلك، مؤكداً أنه النموذج المعاكس للرئيس الديمقراطي السابق، سلفه باراك أوباما، الذي وجهت له طعنات تشكك في هويته الدينية من قبل ترمب نفسه أكثر من مرة.

في هذا المضمار يفهم المرء لماذا يسعى قادة بعض الطوائف الإنجيلية الداعمة لترمب، إلى توسيع نفوذهم، وبخاصة في المحكمة العليا، والمحاكم الفيدرالية، لأن كل القرارات المهمة تتخذ هناك خصوصاً القرارات التي تتعلق بالإجهاض، وحقوق المثليين.

ذات مرة من ثمانينيات القرن الماضي، أقنع رجال دين ينتمون إلى المجموعات الإنجيلية المغرقة في رؤاها التوراتية اليمينية من أمثال "جيري فالويل"، و"بات روبرتسون"،  و"ليندسي هال"، الرئيس الأميركي الجمهوري الراحل "رونالد ريغان"، بأنه الشخص الموعود لقيادة معركة "هرمجدون"، تلك التي سوف تحسم الخير والشر على الأرض، وتهيئة الأجواء من ثم لـ"المجيء الثاني"، وإعلان زمن "الحكم الألفي"، وهي منظومة فكرية أبوكاليبتية تتعلق بفكرة قيام الساعة، والتي يعتنقها اليمين الأصولي المسلح، ولديه استعداد للدفاع عنها حتى الدم.

هل هي مصادفة قدرية أم موضوعية أن ترمب يعلن عودة هذا البرنامج من جديد؟

لا يستغرب المرء انخراط الأميركيين في موجة عاتية جديدة من التسلح، في زمن اختلاط المطلق بالنسبي، والأيديولوجي بالدوغمائي... إنها تبعات كورونا التي تتشكل في رحم الأزمة، والبقية المخيفة تأتي لاحقاً.

المزيد من تحلیل