Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أكراد سوريا وثورتها بعد ثماني سنوات... الجفاء وسوء الفهم الكبير

مضت ثماني سنوات تقريباً على ذلك اليوم، تبدل خلالها الكثير من الملامح التي تربط الأكراد السوريين بالفضاء العام السوري، السياسي والاجتماعي بالذات

تراكمت مناخات القمع بحق الأكراد لعقود، إلى أن تفجرت في أحداث انتفاضة القامشلي الشهيرة في ربيع عام 2004 (أ.ف.ب)

لم يشهد تاريخ سوريا الحديث "لحظة اندماجية"، سياسياً واجتماعياً، للأكراد السوريين مع الكُل الوطني السوري، مثلما حدث في الـ 20 من مايو (أيار) عام 2011، ذلك اليوم الذي سُمي من قِبل ناشطي الثورة السورية بـ "جُمعة آزادي"، وهي كلمة كُردية تعني الحُرية، إذ هتفت مئات التظاهرات في جميع أنحاء البلاد بتلك العبارة، وبادلهم الأكراد السوريون بالخروج بتظاهرات في مُختلف المُدن ذات الأغلبية الكُردية.

"الشعب يُريد اسقاط النِظام"

وكان ذلك اليوم مفصلياً في تحديد خيار الأكراد السوريين من الاستقطاب الذي كان يُهمين على البلاد، إذ قررت الغالبية المُطلقة من الكُرد السوريين، سياسياً واجتماعياً، بأنهم في دفة الثورة السورية، وأنه ثمة فضاء عمومي سياسي واجتماعي وروحي يجمعهم مع باقي السوريين، وبالذات في الخيار الأكثر جذرية.... "الشعب يُريد اسقاط النِظام".

مضت ثماني سنوات تقريباً على ذلك اليوم، تبدل خلالها الكثير من الملامح التي تربط الأكراد السوريين بالفضاء العام السوري، السياسي والاجتماعي بالذات، إذ تستشعر الأغلبية العُظمى من الأكراد السوريين راهناً بأن المسألة الكردية في سوريا، بالذات في ما يتعلق بحق الاعتراف الدستوري والشراكة الوطنية المتساوية مع العرب في كامل البِلاد، بدأ من التسمية الرسمية والنشيد الوطني، وحتى حق الاعتراف بحق الأكراد في إدارة مناطقهم، مروراً بحق اعتبار اللغة الكُردية لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية في البِلاد، بأنها ليست قضية جوهرية بالنسبة لعموم الطيف السياسي السوري، المُعارض والموالي منه على حدٍ سواء.

"الخذلان"

كذلك فإن القواعد الاجتماعية الكُردية تستبطن احساساً عميقاً بـ "الخُذلان" من قِبل قوى المُعارضة السورية، متأت من مواقفها المُطابقة لموقف تُركيا من الأكراد السوريين، وليس من القوى السياسية الكُردية السورية.

ويستدل الأكراد إلى ما جرى ويجري في منطقة عفرين في مراكمتهم لذلك الشعور، إذ يشاهدون يومياً العشرات من الانتهاكات المُريعة التي تحدث بحق الأكراد في عفرين، وخصوصاً المدنيين المُستسلمين لسُلطة الأمر الواقع لفصائل المُعارضة السورية، التي تتلقى دعماً عسكرياً وسياسياً وإيديولوجياً من تركيا.

النظام أمر واقع

بين هذين الأمرين، فإن الأكراد السوريين صاروا بأغلبيتهم يعتقدون بأن النِظام السوري بات أمراً واقعاً، وأن مسألة اسقاطه استعصت على أقوى الدول الإقليمية والدولية، التي بدلت موقفها من مسألة اسقاطه، وحتى في ما يتعلق بالكثير من الشخصيات والقوى السورية المعارضة، التي أعادت ترتيب أوراقها وتآلفها مع النِظام السوري.

وبالتالي فإن الاعتقاد بأنه ليس على القوى السياسية الكُردية أن تكون صلبة في موقفها وتعاطيها مع النِظام السوري، بالدرجة نفسها التي تتعاطى وتتعامل بها مع قوى المُعارضة السورية، إذ إن القطيعة من أي من الطرفين تضر بالطرف الأضعف، أي الأكراد أنفسهم.

عوامل سياسية واجتماعية

كان ثمة جملة من العوامل السياسية والاجتماعية الموضوعية التي سبقت وترافقت مع السنة الأولى من الثورة السورية، أدت لأن يعيش الأكراد السوريون ذروة حالتهم الاندماجية مع الكل السوري أثناء الأشهر الأولى من الثورة، بالضبط مثلما كانت ثمة عوامل موضوعية أخرى خلقت الجفاء وسوء الفهم بين الأكراد وفضاء المنخرطين في الثورة السورية.  

طوال عهد حكم الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، كان الاستبداد السياسي الذي يُمارس على عموم المجتمع السوري، يُضاف إلى الكثير من القمع الثقافي والاقتصادي بالنسبة للأكراد، وفي تفصيل حرمان مئات الآلاف منهم من حق التمتع بالجنسية السورية، فإنه كان ثمة قهر شبه مطلق.

مناخات القمع

تراكمت مناخات القمع بحق الأكراد لعقود، إلى أن تفجرت في أحداث انتفاضة القامشلي الشهيرة في ربيع عام 2004، وكانت بمثابة استراتيجية مسبقة من قبل النظام السوري لكبح أي جموح كردي سوري، مرافق لحالة النهوض الكردي في العراق بعد الغزو الأميركي عام 2003، إذ كان النظام السوري يستشعر بأن الأكراد السوريين هم الجماعة السورية الوحيدة التي تملك تآلفاً داخلياً صلباً، وضمن مجتمعهم الداخلي ثمة العشرات من التنظيمات السياسية التي يستحال تفكيكها، ويحصلون على دعم ومؤازرة من نظرائهم الأكراد من خارج الحدود، خصوصاً من أكراد العراق.

قطيعة سياسية

اعتباراً من ذلك الوقت، حدثت قطيعة سياسية بين الطرفين، صار النظام السوري يعتبر الأكراد تحديه الداخلي الأكثر صعوبة، وطوال الأعوام 2004-2011 كان الأكراد السوريون جزءاً من الحياة السياسية السورية المعارضة، فقد ساهموا في تأسيس إعلان دمشق المعارض، وكانوا في قيادة المجلس الوطني السوري المعارض، وشارك الشبان بكثافة في التحركات المعارضة، ولا سيما في التظاهرات التي كانت تجري في مدينتي دمشق وحلب وبعض المدن والبلدات الكُردية.

في المقابل، فإن قوى المعارضة كانت تتبنى وتدرج لأول مرة المسألة الكردية ضمن أدبياتها وخطاباتها السياسية، بكثير من الإيجابية، بالضبط كما كان النظام السوري يزيد من ضغوطه الاقتصادية والسياسية على الأكراد السوريين.

كانت الثورة السورية في سنتها الأولى تتويجاً لذلك التآلف بين الأكراد السوريين وباقي التكوينات السورية، من موقع اعتبار النظام السوري المسبب الأساسي لأحوالهم وسوء الفهم العميق الذي يشكل علاقتهم مع باقي السوريين.

حالة الجفاء

في المقابل، واعتباراً من السنة الثانية من عمر النظام السوري، كان ثمة ثلاثة عوامل موضوعية أخلّت بذلك التآلف، إلى أن خلقت حالة الجفاء الراهنة للأكراد مع الطيف الاجتماعي والسياسي الأعم لقوى المعارضة السورية.

فقد نجحت استراتيجية النِظام السوري بعقد الصفقة المعروفة مع حزب العمال الكردستاني وجناحه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي، فهذا الطرف الكردي، وبفضل ما جرى تسلميه من مناطق وقطاعات من قبل النظام السوري، استطاع تهميش وقمع باقي القوى السياسية الكردية السورية، ولا سيما تلك التي كانت تناهض النظام السوري، من أحزاب المجلس الوطني الكردي السوري، التي يعود تأسيسها إلى خمسينات القرن المنصرم.

تبدل جوهري

ترافق ذلك التحول مع تبدل جوهري أصاب بنية المسألة السورية، إذ تغيرت من كونها مسألة داخلية بالغة الوضوح، تتعلق بموضوع حرية الشعب السوري وحقه في بناء نظامٍ ديمقراطي، إلى قضية إقليمية بالغة التعقيد، تداخلت فيها مصالح وتطلعات الدول الإقليمية، بالذات إيران وتركيا، مع الكثير من الشروخ التاريخية التي تربط مجتمعات المنطقة مع غيرها من المجتمعات خارج الحدود الكيانية لهذه الدول.

هكذا وجد الأكراد السوريون أنفسهم على تضاد تام مع كل القوى التي اختارت وقبلت بالاستراتيجية التركية تجاه سوريا، المعادية والمناهضة للحقوق الكردية في أية منطقة جغرافية من الإقليم، وبالتالي وجد الأكراد أنفسهم في الدفة المقابلة لدفة السواد الأعظم من قوى المعارضة السورية.

معاناة من تحول الثورة

وإلى ما سبق، فإن الأكراد السوريين عانوا بعمق من تحول الثورة من فعل سياسي سلمي مناهض لنظام قمعي إلى مجرد حرب أهلية، خصوصاً من قبل النظام السوري والفصائل الإسلامية المتطرفة، مغطاة بشيء من الخطابات المتضادة.

ووجد الأكراد السوريون أنفسهم في مواجهة نوعٍ من الغلبة السياسية الجديدة، وكان استيلاء تنظيمي غرباء الشام وجبهة النصرة على بلدة رأس العين في خريف عام 2012 مؤشراً أولياً على ذلك، ومر بالكثير من الأحداث المثيلة، إلى أن توج بما جرى في منطقة عفرين في ربيع عام 2018، إذ طوال عشرات المعارك كانت المواجهة بين وحدات حماية الشعب الكردية، وفصائل وتنظيمات تعتبر نفسها جزءاً من المعارضة السورية، ويُقدم لها الائتلاف السوري المعارض غطاء سياسياً، بتوجيه ورعاية تركيتين تامتين.

العقدة السورية

في شهر آب من العام 2013، وقّع الائتلاف السوري وثيقة تفاهم مع المجلس الوطني الكردي السوري، تحدد أهم ملامح علاقة الأكراد السوريين بالكل العام السوري، وتنص صراحة على حقوقهم العامة لهم في البلاد، وهي غير قابلة وخاضعة لتحولات الظروف السياسية التي قد تمر بها سوريا، راهناً ومُستقبلاً.

لكن يبدو أن بين تلك الاتفاقية وتنفيذها، الكثير من الظروف والمناخات والمعادلات المركبة والمعقدة، التي هي جزء من العقدة السورية الكلية.       

المزيد من الشرق الأوسط