Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رحيل الهندي عرفان خان الذي غزا سينما الغرب بموهبته

من جماهيرية بوليوود إلى أمجاد هوليوود وكان وبرلين

الممثل الهندي العالمي عرفان خان (اندبندنت عربية)

رحيل الهندي عرفان خان أحزن الكثيرين في العالم بأسره. فالممثّل الذي توفي عن 53 سنة يوم الأربعاء الماضي، بعد صراع دام سنتين مع سرطان الكولون، كان، بالإضافة إلى كونه صاحب موهبة لا يرتقي إليها شك، شخصاً محبوباً يحظى بشعبية واسعة، وهذا لأنه اضطلع بأدوار لعبها بصدق وإخلاص وقناعة وإتقان.

كان خان في الأربعين عندما ذاع صيته دولياً. حصل ذلك إثر مشاركته في فيلم "المليونير المتشرد" (2008) للمخرج البريطاني داني بويل، الذي حقق نجاحاً عالمياً وفاز بـ8 أوسكارات. قبل هذا التاريخ، اشتغل هذا الفنّان الوسيم صاحب العينين النافرتين والقامة الرفيعة المولود في جايبور، في أفلام بوليوودية وبعض الأعمال الجيدة التي دفعت به إلى خارج حدود الوطن. 

بداياته التي تعود إلى الثمانينيات، لم تكن سهلة، فبعدما أنهى دراساته في المسرح في الأكاديمية الوطنية لفنّ التمثيل، استقر في بومباي، حيث شارك في العديد من المسلسلات التي كانت تُبث على القناة الرسمية. في تلك الفترة من حياته، عُرف بتقمّصه شخصيات سلبية. إلا أن اللقاء بالمخرجة الهندية القديرة ميرا نايير كانت حاسمة، بحيث أسندت إليه دوراً صغيراً في "سلام مومباي" (1988)، إلا أنه في النهاية، تم اقتطاع المشهد الذي كان يطل فيه خلال المونتاج. في السنوات التالية، سعى خان إلى البروز، ولكن الأفلام التي  شارك فيها كانت تمر مرور الكرام من دون لفت أي انتباه، باستثناء دوره في "رحلة طويلة جداً"، فيلم بريطاني كندي لستورلا غونارسون الذي احتفى به النقّاد يومها. 

2001 كان عاماً مصيرياً بحق. عام ذاك، أسند المخرج البريطاني من أصل هندي آصف كاباديا إليه الدور الرئيسي في "المقاتل"، فيلم مستوحى من حكاية من التراث الحكائي الياباني. حكاية توبة بكلّ ما في الكلمة من كلاسيكية، يجسّد فيها خان قاتلاً يعمل عند رجل ثري من راجستان، لكن ذات يوم يقرر أن يغير حياته فيرحل إلى جبال الهيمالايا للإقامة فيها بحثاً عن الصفاء والسكينة. الفيلم نال استحساناً نقدياً، ودار على عدد كبير من المهرجانات منها سان سيباستيان، وهو يُعد العمل الذي أطلق خان دولياً. نمطه التمثيلي الباطني المقل كلاماً لفت الانتباه، حتى عندما كان يؤدي أدواراً صغيرة، فيضع دائماً شيئاً ما من لمسته السحرية فيها. 

دور شكسبيري

فيلم آخر دفع بخان إلى الواجهة الدولية: "مقبول" (2003) للمخرج فيشال باردواج وهو في الواقع أفلمة لمسرحية شكسبير "ماكبث" نُقلت أحداثها إلى الهند المعاصرة. حقق الفيلم نجاحاً جماهيرياً ونقدياً، فكرّت سبحة أفلام بدأت في تكريس خان ممثلاً من الصف الأول، من دون أن تجعله يرتقي إلى مرتبة النجومية التي هي صعبة في بلد عدد سكانه أكثر من مليار نسمة، وحيث السينما البوليوودية هي المسيطرة بقصصها الرومانسية المكرورة وأغانيها التي لا تنتهي وألوانها الفاقعة وديكوراتها المزخرفة. 

لكنّ بوليوود هذه عبور إجباري لممثّل هندي، أو تكاد تكون كذلك، فسيدخلها خان في أي حال، بحثاً عن الاعتراف في بلده، مع فيلم "روغ" (2005 ) لهيمانشو براهمبات حيث يلعب دور المفتش عدي. هذا الفيلم الذي يستند إلى فيلم تشويق أميركي في عنوان "لورا" (1944)، شرّع له الباب عريضاً للمشاركة في عدد من الأنتاجات المتفاوتة القيمة: "شوكولا" لفيفيك أغنيهوتري (2005) أو "ماذا لو؟" (2006).

المحاولة الثانية للعمل مع ميرا نايير في العام 2006، بدت موفقة هذه المرة. نايير التي كان صيتها بدأ يذيع في الولايات المتحدة أسندت إليه أحد الأدوار الأساسية في فيلم "اسم من أجل آخر"، حيث شكّل خان شراكة كاريزماتية مع الممثّلة تابو، في قصة تدور على ثنائي يهاجران إلى أميركا ويؤسسان فيها عائلة. أما تعاونه في العام التالي مع المخرج البريطاني مايكل وينتربوتوم فكان مهماً أيضاً وأنتج منه فيلم "قلب عظيم" (2007)، الذي حمله إلى مهرجان كانّ السينمائي، صحبة أنجلينا جولي، شريكته في الفيلم، فسطع نجمه، وبدأ الجمهور الأجنبي يعرفه جيداً. الفيلم يتابع تحقيقات في قضية مقتل دانيال برل (1963)، الصحافي الأميركي الذي خطفه تنظيم "القاعدة" وقتله في العام 2002. بعد سنة، عاد خان مجدداً إلى كانّ بفيلم بديع أخرجه الأميركي وس أندرسون في عنوان "ذا درجلينغ ليميتد" عن رحلة ثلاثة أخوة أميركيين بقطار يعبر شمال الهند. لعب فيه دوراً صغيراً معبّراً. 

نجاح جماهيري

وبسبب طبعه الذي يهوى التنوع، والانتقال من هذا إلى ذاك، تأرجح خان بين أفلام هندية ضيقة الانتشار والإنتاجات الدولية الضخمة. والحق أن بعض الأفلام البوليوودية التي مثّل فيها حطمت أرقاماً قياسية في شبّاك التذاكر، مثل "كرازي 4" لجايديب سن و"مومباي ميري جان" لنيشيكانت كامات (كلاهما من إنتاج 2008). ومدركاً أهمية هذه النجاحات الجماهيرية، لما توفّره من إيرادات، شارك خان في تمويل فيلمه التالي "بيللو" (2009) للمخرج بريادارشان، حيث لعب الدور الرئيسي إلى جانب النجمة شاروخ خان. 

إلا أنه كان ينبغي انتظار "المليونير المتشرد" (2008) لداني بويل كي يصبح نجماً عالمياً: الفيلم الأوسكاري ذو الموازنة الضئيلة تحوّل ظاهرة اجتماعية وثقافية، اضطلع فيه خان بدور رئيس الشرطة الذي يجري تحقيقاً مع بطل الفيلم المتهم بالغش خلال مشاركته في النسخة الهندية من البرنامج التلفزيوني "مَن سيربح المليون؟". من خلال تصويره الهند، لم يكتف بويل بتقديم هدية لهذا البلد فحسب إنما ساوى أيضاً بين الدمعة والابتسامة، بين الأخلاق والفساد، بين الحبّ والكراهية، وبين أشياء أخرى متناقضة، تتشكل منها الهند الحديثة، فهتفت له القلوب. 

في تلك المرحلة، وعلى الرغم من نجاج "المليونير المتشرد"، لم يوفق خان كثيراً في خياراته، فأطل إطلالات باهتة في أفلام رديئة أو عادية، قبل عودته في العام 2011 بـ"7 ذنوب مغفورة" لفيشال بهاردواج، حيث لعب دور أحد الأزواج السبعة لامرأة لعوب تسببت بوفاة سبعة رجال في عملية بحثها عن الحبّ. عُرض الفيلم في مهرجان برلين السينمائي. تبعه فيلم آخر لا يقل أهمية في عنوان "بان سينغ تومار" لتيغمانشو دولويا، حيث جسّد رياضياً يتحول إلى لصّ. 

أدوار مهمة

وكيف ننسى أيضاً دوره في "حياة باي" (2012)، فيلم غربي لمخرج تايواني يحكي قصّة فتى هندي ينجو من الموت بسبب إيمانه؟ اضطلع خان بدور باي في مرحلة متقدّمة من عمره، دائماً ببراعة وألق. فيلمه التالي "علبة الطعام" لريتيش بترا، لم يترك أحداً لامبالياً، فهو عمل مؤثر اكتشفناه في مهرجان كانّ السينمائي ضمن قسم "أسبوع النقّاد"، وكانت له جولات كثيرة عبر المهرجانات. إنها حكاية شابة ورجل، يتعرف أحدهما على الآخر بسبب خطأ يحصل في استلام علبة الغداء. هذا كله ألقى بخان لاحقاً في حضن أفلام الـ"بلوكباستر" الهوليوودية، فرأيناه مثلاً في "سبايدرمان المدهش" و"عالم جوراسيك".

طوال مسيرته، عرف خان بأداء مقتصد غير مبالغ فيه، يكتب عبره مشاعره إلى أبعد حد، بعيداً من النمط الهندي الميلودرامي. وهذا ما فتح له أبواب العالمية، فتلقى عروضاً من سينمائيين غير هنديين، ولو أحياناً لتجسيد شخصيات من أصول هندية. في سجل خان، المتفاوت جداً، أعمال نالت ما تستحقه من انتشار وإعجاب وصارت من التحف السينمائية، مثل "المليونير المتشرد" أو "علبة الغداء"، وفي المقابل أفلام شارك فيها الممثّل لأسباب مختلفة. حتى في أفلامه الهندية غير البوليوودية، نجد بعض الجواهر التي تقتفي أثر الواقعية الهندية التي كان ساتياجيت راي أحد روادها، ولكنها للأسف أفلام تُشاهد في نطاق ضيق جداً. 

أحد أسباب تماهي مشاهدين من مختلف الثقافات مع خان هو تقديمه أداء مقنعاً صادقاً وعفوياً بسيطاً في وقار بعيداً من التكلف. لطالما رأيناه في أدوار الإنسان العادي، الهندي الذي لا حول له ولا قوة أمام الظروف الصعبة التي يعيشها. هكذا أسس خان لنفسه مكانة في سينما هندية ودولية يزاحمه عليها آلاف الممثّلين. هذا كله جعل الغرب يلتفت اليه، ربما ليس بشكل كاف، ولكن بات من أكثر الممثّلين الهنود عملاً في الأفلام الهوليوودية والغربية. 

ترك خان خلفه تجربة سينمائية تُحتَرم، فيها لحظات ملهمة. مع رحيله، لا بد أن يشعر المُشاهد بفداحة الخسارة. الخسارة التي عبّرت عنها زوجته بهذه الكلمات عندما نشرت صورة تجمعهما على صفحتها: "لم أخسر شيئاً، ربحتُ على المستويات كافة".

 

المزيد من سينما