لم تنسَ أبحاث كورونا المستمرة أنّ الملابس ربما تكون "وسيطاً وناقلاً مباشراً للفيروس في مدى زمني محدد"، لكن إعلان منظمة الصحة العالمية دراسات تشير إلى أنه قد يبقى على الأسطح والملابس ساعات أو أياماً، كان كافياً بجعل الإجراءات الاحترازية تضع الملابس في "بؤرة دائرة الاتهام".
وطالبت بروتوكولات التوعية بتعامل خاص وحذر مع الملابس الشخصية عند وصول المنزل، وكيفية التخلّص منها وتعقيمها، فما بالك بأطنان الملابس المستعملة، التي ظلت تستقبلها معظم الدول الأفريقية من أوروبا وغيرها، وتحوّلت إلى تجارة رابحة، قد تكون كارثية العواقب بعد الواقع الجديد الذي أفرزه وباء كورونا.
تحذيرات متكررة
أصوات كثيرة من الأطباء والمؤسسات الصحية وحماية المستهلك، حذّرت من الأخطار والأمراض التي قد تسببها تلك الملابس، خصوصاً أنّ دولاً متقدمة تتخلّص منها، نتيجة تزايد الرفاهية وتجديد الأزياء سنوياً، فتتحول إلى "تبرعات وهبات إغاثية"، عبر منظمات العمل الطوعي الإنساني والكنسي إلى بلدان أفريقية تستقبل أكثر من 80 في المئة منها.
وفي ظل تداعيات الجائحة العالمية، يتوقع أن تزداد كميات الملابس المستعملة التي تتلقاها المؤسسات والجمعيات الخيرية باعتبارها هبات وتبرعات، وقد تكون لمصابين أو ضحايا الفيروس المستجد، بالدول التي اجتاحها الوباء، وقتل فيها عشرات الآلاف من الأنفس.
في المقابل، حذّرت ريلة عواض، استشارية الأمراض الجلدية والتناسلية والأستاذة بكلية الفارابي، في حديثها إلى "اندبندنت عربية" من خطورة السماح بدخول أي نوع من الملابس المستعملة في هذه الفترة، لأنها "تعتبر مصدراً للأمراض والأوبئة الفيروسية والبكتيرية الجلدية عموماً"، وتشتد خطورتها كونها "ناقلاً محتملاً للعدوى".
ونصحت عواض، بمقاطعة الملابس المستعملة رسمياً وشعبياً، نظراً إلى خطورتها على الصحة العامة للفرد والمجتمع، وقد تكون "سبباً مباشراً" في نقل عدوى الفيروس، وأمراض أخرى جلدية وصدرية.
وقالت، "لا يمكن التعويل على التبخير والتعقيم وسيلتين للتخلص من بعض تلك الميكروبات، لأنهما يظلان غير آمنين، وربما لم يُتبع فيهما الطرق السليمة لضمان فعاليتهما، كما أنّ سوء بيئة الحفظ والتخزين ربما يساعد على تكاثر الميكروبات وزيادة نموها ونشاطها، ما يخلق مشكلات أخرى".
إنذارٌ مبكر
في سياق متصل، أكد الأمين العام لجمعية حماية المستهلك السودانية ياسر ميرغني عبد الرحمن، أن الجمعية هي رأس الرمح في التنبيه إلى محاربة دخول تلك الملابس، والتحذير من استخدامها. وكشف عن بداية اتصالات لتفعيل "إنذار مبكر" لوقف "تسرّب الملابس المستعملة عبر أفريقيا"، والضغط الجماعي المشترك لتعزيز إجراءات منع دخولها والتعريف بمخاطرها.
وقال، في حديث إلى "اندبندنت عربية"، "الجمعية قدّمت مذكرة إلى رئيس مجلس الوزراء الانتقالي عبد الله حمدوك، تحثه على التدخل لتعزيز قرارات منع دخول هذه الملابس، ومكافحة تهريبها عبر المنافذ الأخرى من دول الجوار، ووقف أي استثناءات سواء للمنظمات أو غيرها".
وحول ما يتردد عن جدوى "التبخير"، باعتباره مبرراً للسماح بدخولها، قال عبد الرحمن "من غير الممكن تبخير كل قطعة على حدة، فضلاً عن التساهل الذي يكتنف العملية نفسها، كما أن القرارين الوزاريين الصادرين عن وزيري التجارة الخارجية والصحة السابقين شملا أيضاً منع التبخير، بحيث لم يعد هناك حجة لدخولها، وتواصلنا مع الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس للاطمئنان على تجاوبها والتزامها الكامل تلك القرارات".
وناشد عبد الرحمن الدولة والمستهلكين معاً، "الابتعاد عن استخدام أو استيراد أو إدخال الملابس المستعملة"، ليس فقط بسبب مشكلاتها الصحية، بل حماية لمصانع المنسوجات الوطنية والمهن المرتبطة بها، مثل الحياكة والتفصيل التي بدأت تندثر، ما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة بالقضاء على الفقر.
واستطرد، "ستطرح الجمعية مبادرة مجتمعية (العيد لنا ولسوانا) للتبرع بملابس جديدة للمتعففين والنازحين ودورة العجزة، لسد حاجاتهم لعيد الفطر المقبل".
"القوقو" وصل
وعلى الرغم من تصدّرها قائمة السلع المحظور استيرادها في السودان، بموجب قرارات وزارية، فإنه يبدو أنّ تجارة الملابس المستعملة وتدفقها إلى الأسواق لم تتوقف، وصارت معروفة بـ"القُوقُو"، وهو مصطلح يُعتقد أنه مشتقٌ من لفظة قمامة، وتسمّى أحياناً "المرحوم قدرك" أي مقاسك، وفرضت نفسها تجارةً رابحةً ورائجةً، رغم كونها في الأصل بدأت معونات إلى معسكرات النازحين واللاجئين على الحدود الغربية، إلا أنها ضلّت طريقها إلى أسواق مدن السودان المختلفة، بما فيها العاصمة الخرطوم.
لكن، كيف حدث ذلك؟ يجيب أحد كبار تجّار هذه السلعة عن سؤال "اندبندنت عربية"، أن أنواع (القوقو) التي تصل إلى الخرطوم، "منتقاة وعالية الجودة، وأسعارها مغرية، وتقل عن نصف سعر الملابس الجديدة، وهي مصنّفة درجات، ويوزّع النوع الأدنى منها على أسواق الولايات وبأسعار أقل بكثير، على الرغم من أنّ سلطات الجمارك تعتبرها قمامة لا تصلح للاستخدام الآدمي وفق القرارات الحكومية".
تاجرٌ آخر يعمل وسط الخرطوم، هو يوسف بشري، قال إن تلك الملابس "تأتي من الخارج في شكل بالات ضخمة عبر بعض دول جوار، وتخضع إلى الفرز، حسب المقاس والحجم والنوع لتُطرح بالأسواق، وتحقق مكاسب ممتازة، وهي معروفة في كل المدن، وتباع حتى عبر الشبكة العنكبوتية، وروادُها من مختلف الأعمار والفئات بالمجتمع، ويزيد الطلب عليها عند اقتراب عيد الفطر والمناسبات عموماً".
وغالباً ما يكون "القوقو"، هو الحل المفضّل للفقراء، بسبب التدهور الاقتصادي وارتفاع معدلات التضخم، وتدني قيمة العملة المحلية، وازدياد معدلات الفقر.