على الرغم من انشغال السلطات الأردنية بمحاربة فيروس كورونا، فإنها وجدت نفسها مرغمة على خوض معركة دبلوماسية لمنع استغلال إسرائيل الجائحة العالمية لتمرير قرار ضم مستوطنات الأغوار والضفة الغربية.
الدبلوماسية الأردنية التي ترى في الخطوة الإسرائيلية تهديداً لسيادتها، تحركت بشكل محموم بعد ساعات من تصريح لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، قال فيه إن ضم أراضٍ من الضفة الغربية المحتلة هو "قرار يعود إلى إسرائيل".
التصريحات التي استنفرت عمّان دفعت وزير خارجيتها أيمن الصفدي إلى التحرك بالتنسيق مع الفلسطينين على محور الاتحاد الأوروبي، وتذكيره مجدداً بضرورة دعمه حل الدولتين الذي تتبناه الأردن وترفضه إسرائيل.
ومع غياب البرلمان بسبب كورونا، وتوالي الانتقادات الموجهة إليه وإلى القوى والأحزاب السياسية لأدائها خلال الأزمة الحالية، وجد بعض تلك الأحزاب الفرصة مواتية للعودة عبر مطالبة الحكومة باستخدام أدوات ضغط من قبيل التلويح بإلغاء معاهدة "وادي عربة" وإطلاق سراح المعتقلين الأردنيين في السجون الإسرائيلية.
فقد طالبت لجنة فلسطين في مجلس النواب الأردني الحكومة بالتدخل للإفراج عن أسرى الأردن من سجون إسرائيل، والذين يترواح عددهم بين 22 و30 أسيراً. وطالبت أحزاب معارضة بالرد على القرار الإسرائيلي عبر إلغاء اتفاقية السلام معها.
وبحسب الكاتب عبد الناصر فروانة، فإن من بين هؤلاء ثمانية أسرى يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد (مدى الحياة) لمرة أو لمرات عدة، في حين يقضي سبعة أسرى أحكاماً تتراوح ما بين 10 و36 سنة، وثلاثة أسرى يقضون أحكاماً تقل عن 10 سنوات.
وارتفعت مطالبات حزبية باستغلال الفرصة وإلغاء اتفاقية الغاز الإسرائيلي التي وُقِّعَت في سبتمبر (أيلول) 2016، التي دخلت حيّز التنفيذ مطلع العام الحالي، وتنصّ على تزويد الأردن بنحو 45 مليار متر مكعب من الغاز على مدار 15 عاماً.
قلق إسرائيلي
وخلافاً لآراء تقول بعدم اكتراث إسرائيل برد الفعل الأردني، يشير تقرير بثته أخيراً قناة 13 في التلفزيون الإسرائيلي، إلى قلق تل أبيب من تحرك أردني نشط للضغط على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وشريكه في حكومة الائتلاف بيني غانتس، كي لا يقوما بعملية ضم المستوطنات في الأغوار والضفة الغربية.
في السياق ذاته، يقول المتخصص في الشؤون العسكريّة في صحيفة "هآرتس"، عاموس هارئيل، إن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية قلقة على مستقبل العلاقات بين تل أبيب وعمّان، خصوصاً مع خضوع العاهل الأردني لضغوط داخلية بسبب الوضع الاقتصادي المتردي بعد جائحة كورونا.
وتقول "هآرتس" أيضاً إن جماعة الإخوان المسلمين في الأردن ستجد في الخطوة الإسرائيلية فرصة مواتية لاستعادة شعبيتها عبر المطالبة بقطع العلاقات بين عمان وتل أبيب ومطالبة الحكومة بالتقارب مع حركة حماس نكاية في إسرائيل.
إعادة إحياء خطة السلام الأميركية
ويعتقد الصحافي محمد سويدان، أن "الخطوة الإسرائيلية بمثابة إعادة الأنظار إلى خطة السلام الأميركية، بعدما انشغل العالم عنها بمكافحة فيروس كورونا". مضيفاً "تحديد موعد رسمي إسرائيلي لبدء ضم غور الأردن ومستوطنات الضفة الغربية، سيضع أولاً السلطة الفلسطينية في موقف خطير لا يمكن لها الخروج منه من دون اتخاذ قرارات مصيرية تسبقه وتليه، كما سيضع الأردن أمام مواجهة مباشرة مع إسرائيل التي لا تأخذ بعين الاعتبار الموقف الأردني المبدئي الرافض لضم غور الأردن، والرافض لتقويض حل الدولتين، الذي يعتبر مصلحة أردنية عُليا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي رأي الكاتب زيد النوايسة، إن "أزمة كورونا جاءت على طبق من ذهب بالنسبة إلى نتنياهو الذي استغلها لتشييد مزيد من المستوطنات لأن الفلسطينيين والعرب والعالم منهمكون في مكافحة كورونا".
ويضيف لـ"اندبندنت عربية"، "بالتأكيد يشكل ضم الضفة ومستوطنات الأغوار خطراً على مستقبل الأردن، لكن السؤال، ما هي إمكانيات الأردن اليوم لمقاومة المخطط الإسرائيلي المدعوم من الإدارة الأميركية الحالية التي لا تقيم وزناً لقرارات الشرعية الدولية".
ويؤكد النوايسة أنه لا يوجد أمام الأردن أي خيار سوى وضع ملف معاهدة وادي عربة على الطاولة والتلويح بتعليقها أو الانسحاب منها، وكذلك الانسحاب من اتفافية الغاز، بالإضافة إلى الرهان على الوقت والانتخابات الأميركية التي قد تؤدي إلى خروج الرئيس دونالد ترمب بصفته داعماً قوياً للإسرائيليين من البيت الأبيض.
رسائل مبطنة
في الأثناء، استفزت تصريحات نتنياهو الأردن، كما فعلت تصريحات وزير الخارجية الأميركي، فقد تعهد الأول وبثقة مفرطة بتنفيذ الاعتراف الأميركي بضم المستوطنات خلال شهور.
ويعوّل الأردن على الخلاف الداخلي الإسرائيلي، فللمرة الأولى تظاهر قرابة ألف إسرائيلي، السبت 25 أبريل، وسط مدينة تل أبيب ضد مخطط الحكومة الإسرائيلية لضم أجزاء من الأراضي الفلسطينية لسيادتها.
وأدرجت حركة "السلام الآن" تظاهرها في ميدان إسحاق رابين، وسط تل أبيب، ضمن الاحتجاج على "خطط نتنياهو وغانتس لإفساد الديمقراطية الإسرائيلية".
ووقع نتنياهو ورئيس تحالف "أزرق- أبيض" غانتس، اتفاقاً لتشكيل حكومة وحدة طارئة، يتناوب كل منهما على رئاستها، والبداية مع الأول لمدة 18 شهراً.
وكذلك يعتمد الأردن على موقف الاتحاد الأوروبي الذي يرفض سياسة الاستيطان الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية التي احتلتها عام 1967. ولا يعترف الاتحاد الأوروبي بسيادة إسرائيل على الضفة الغربية بموجب قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، معتبراً جهود إسرائيل لضم مزيد من الأراضي انتهاكاً للقانون الدولي.
ووسط قلقٍ أردني من أن يبتلع الضم الإسرائيلي ما يزيد على 30 في المئة من مساحة الضفة الغربية، وجهت عمّان، بحسب مصادر غير رسمية، رسائل مبطنة إلى الإسرائيليين عبر سفارتها في تل أبيب، مفادها أن ضم غور الأردن ومستوطنات الضفة الغربية سيكلفها العلاقات الدبلوماسية والتعاون الأردني لبناء جبهة موحدة ضد إيران.