بانت التكلفة الاقتصادية لأجندة التقشف الحكومية، وقضت على أي أمل متبقٍ لدى المحافظين في الزعم أنهم حزب الكفاءة الاقتصادية.
أدت الاقتطاعات الضخمة في الموازنة على مدى السنوات الثماني الماضية، في وقت كانت الحاجة تقتضي سياسة تحفيز، إلى جعل البلاد في حال أسوأ بـ 100 مليار جنيه استرليني مما كانت ستصبح الأمور عليه، بحسب تحليل أجرته مؤسسة نيو إيكونوميكس.
وتساوي التكلفة المذهلة للتقشف 3600 جنيه إسترليني من الثروة المفقودة هذا العام لكل أسرة في المملكة المتحدة، بخاصة بسبب سياسات الحكومة الضريبية الرجعية. وهذا من دون اعتبار الـ 100 مليار جنيه استرليني أو أكثر، التي ربما خسرها النمو الاقتصادي بسبب احتمال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وترتب على الاقتطاعات الضخمة باسم الحفاظ على خفض الضرائب وتقويم خلل الموازنة، انخفاض الاستثمار في الشرطة والمدارس والمستشفيات والطرق، وقدر أقل من المال للشركات والمقاولات التي تقدم خدمات للحكومة وللعائلات التي تعتمد على الدعم الاجتماعي، وقدر اقل، كما تبين، من المال بالنسبة إلى الجميع.
كان من الممكن أن يكون استثمار الأموال العامة لتعزيز النمو أكثر فائدة من النهج المحايد. ومع اقتراب أسعار الفائدة إلى أدنى مستوياتها، كان اقتراض الحكومة ما تحتاج إليه من أموال ليكون بخساً بشكل لا يصدق. ومع ذلك فإن الحزب الذي يُقدم نفسه على أنه حزب الأعمال لم يفعل شيئاً، وحيثما تدخل كان أداؤه بالغ السوء.
وقضت واحدة من أبرز محاولات هذا الحزب التدخل في الاقتصاد عُرفت بـ"المساعدة على الشراء"، بتقديم الحكومة إعانات مالية من الضرائب العامة للراغبين في امتلاك منازل، وهم أثرياء نسبياً. وهذا هو بالضبط الشكل المخطىء لإعادة توزيع الثروة.
وأسهم هذا النظام غالباً في رفع أسعار المنازل المتضخمة أصلاً في وقت كانت القروض العقارية أرخص من أي وقت مضى.
وشهد مقاولو البناء ارتفاعاً في الأرباح وجنى المساهمون فيها أرباحاً بلغت مليارات. وكان المستفيد الأكبر من السخاء الانتقائي للحكومة هو جيف فيربورن، الرئيس السابق لشركة بيرسيمون.
وكسب فيربورن، بمساعدة دعم الدولة للذين اشتروا المساكن الجديدة، 75 مليون جنيه إسترليني مكافأة مقابل عمله الممتاز في طرح منازل متشابهة متدنية المعايير ذاع صيت شركته عقب تشييدها.
لكن ما يثير القلق أكثر في حكومةٍ تروج لنفسها صديقةً لأصحاب المشاريع الحرة، هو أن تحريك سوق الإسكان بقوة أدى إلى امتصاص الاستثمارات بعيداً من القطاعات التي تبتكر فعلاً وتستثمر.
أما المصارف، وهي جنت مكاسب من تضخم الفقاعة العقارية، فلم يكن لديها حافز كبير لإقراض الشركات. ربما أثارت مرحلة الانخفاض الكبير لأسعار الفائدة توقعات بأن تُقدِم الشركات على الاقتراض والدخول في فورة إنفاق من شأنه مساعدة الاقتصاد في نهاية المطاف.
لكن في الواقع، وفي وقت يبلغ إجمالي الإقراض العقاري الآن أكثر من 1.4 تريليون جنيه إسترليني وينمو بمعدل مستقر، ظل إقراض الشركات الصغيرة والمتوسطة ثابتاً إلى حد كبير لأكثر من أربع سنوات، بلغ نحو 165 مليار جنيه استرليني.
وهذا يعني قدراً أقل من المال للاستثمار في التدريب والتطوير والبحث والنمو. لا عجب إذن في أن النمو في الإنتاجية - كمية السلع والخدمات التي يتم انتاجها في كل ساعة من العمل - بقي منخفضاً إلى حد كبير، بل أخذ الآن يتراجع.
وفاقمت عملية بريكست المشكلة مع توقف الشركات عن الاستثمار، والانتظار بلا جدوى الحصول على بعض الوضوح من تيريزا ماي بشأن المُرتقب. وفي الوقت نفسه، أدت الأجور الراكدة بالتزامن مع سهولة الحصول على قرض متدني الفائدة إلى مدّ المستهلكين الاقتصاد بديون غير مضمونة لتمويل إنفاقهم.
ولا شك في أن فيليب هاموند في بيانه الربيعي المقبل، سيشير إلى ارتفاع متوسط الأجور وارتفاع مستويات التوظيف دليلاً على أن سياساته ناجحة. ولكن قياساً على ارتفاع الأسعار، لا يزال متوسط الدخل أقل مما كان عليه قبل الأزمة المالية.
فمعظم الوظائف التي تم خلقها كانت في قطاعات ذات أجور وإنتاجية منخفضة حيث يكون أوفر للشركات توظيف عمال يسهل تسريحهم من الاستثمار في التكنولوجيا أو التدريب أو تحسين الكفاءة.
إن القول، كما فعل المستشارون ورؤساء الحكومات المتعاقبون، إن البلاد تحتاج إلى "موازنة الحسابات" قد يبدو جذاباً للوهلة الأولى لكنه يعكس أمية في شؤون الاقتصاد.
ليست موازنة الحكومة صنو موازنة الأسرة، وأدى سحب المليارات من الاقتصاد أثناء تنفيذ الاقتطاعات الوحشية في نظام الدعم الاجتماعي وعدم المبادرة إلى ما يرفع الإنتاجية، إلى تقويض النمو الاقتصادي في كل عام منذ 2010، وفقاً لمؤسسة نيو إيكونوميكس (NEF).
وفي حين أن أسوأ الأضرار قد حدثت بين عامي 2010 و2012، وأن تحديد رقم دقيق لتكلفة التقشف سيكون دائماً مسألة مثيرة للجدل، ما هو واضح هو أن الناس لا يزالون يشعرون إلى اليوم بتأثيراتها.
هناك تفسيران واضحان لإجراءات الحكومة. الأول هو أنها تعرف كل ما يحدث ولكنها مضت في خطتها على أية حال، وبهذا تكون حقاً تمثل "الحزب السيىء" إذ لا يهتم الوزراء بما أتى به التقشف، أي ارتفاع الفقر بين الأطفال وحالات التشرد واللجوء الى بنوك الطعام.
ولكن علينا ربما أن نقبل التفسير الثاني، وهو الاحتمال الراجح: أن الحكومة ببساطة لا تعرف ما تفعله.
وحزب المحافظين متشبث بوصفة الضرائب المنخفضة وتقليص الإدارة والسوق الحرة، حتى أنه لا يرى حجم الضرر الاقتصادي والاجتماعي الهائل الذي يسببه.
من الطبيعي أن نركز على المآسي الإنسانية الفردية التي تنبع من مثل هذه السياسات الرجعية. ولكن يجب علينا أيضاً أن ننظر إلى الصورة الأوسع التي ترسمها هذه الأرقام الجديدة.
وباسم إيديولوجية قديمة وغير مرنة، جعلتنا الحكومات التي يقودها المحافظون حوالي تسع سنوات متتالية، أكثر فقراً في المتوسط، مما كانت ستكون عليه حالنا لو لم يحركوا ساكناً.
© The Independent