تعيش فرنسا في أسوأ ركودٍ لها منذ الحرب العالمية الثانية. فقد حذّر وزير المالية في البلاد برونو لو مير من أن الأزمة الاقتصادية الناجمة عن الإغلاق الذي سبّبه تفشّي فيروس كورونا، يمكن أن تكون في نهاية المطاف بحجم مماثلٍ لأزمة "الكساد العظيم" التي وقعت عام 1929. لكن في خضم الفوضى الحاصلة ما زال الوزير يراهن على النجاح في هذا التحدّي، واعداً بأن تتعافى بلاده "مهما كانت الكلفة". وخلال هذا الأسبوع، رفع لو مير خطّة الدعم الاقتصادي للبلاد من خمسةٍ وأربعين مليار يورو (50 مليار دولار أميركي) إلى مئةٍ وعشرة مليارات يورو (119 مليار دولار)، بعدما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن إجراءات الإغلاق الصارمة ستستمر لمدّة أربعة أسابيع أخرى.
وأوضح وزير المال الفرنسي طريقة إنفاق حزمة الإنقاذ هذه، واعداً بأنها ستمنع الشركات من الإفلاس، وتتجنّب البطالة الجماعية والمزيد من الانهيار الاقتصادي. وفي حديثٍ مع محطة تلفزيون BFM مساء الخميس، أشار إلى أن "خطّة الطوارئ الاقتصادية البالغة قيمتها مئة وعشرة مليارات يورو هي استثمار في المستقبل. فبإنفاق هذه الأموال، نحمي أعمالنا وموظّفينا ومهاراتنا،" على حدّ تعبير لو مير.
وتتفاوت الحزمة ما بين صندوق بقيمة 20 مليار يورو (21.65 مليار دولار) لدعم الشركات الكبرى، ومكافآت للعاملين في مجال الرعاية الصحّية ومقدّمي الرعاية. وأكّد وزير المال الفرنسي أن طريقة تمويل الإنفاق لن تكون عبر فرض ضرائب، بل من خلال النمو الاقتصادي. وهذا يعني إنهاء الإغلاق والعودة إلى العمل.
ومع بقاء البلاد مغلقةً بشكلٍ كامل حتى الحادي عشر من مايو (أيار) المقبل، سيزداد الركود التاريخي الذي تشهده فرنسا سوءاً، قبل أن يعاود التحسّن. ويعمل الاقتصاد الآن بنحو ثلث نشاطه تقريباً عن المعدل الطبيعي، وقد توقّع "بنك فرنسا" انكماشاً إضافياً للاقتصاد في البلاد بنسبة 1.5 في المئة، مع كل أسبوعين تبقى فيهما فرنسا في حال إغلاق.
ودفع إعلان الرئيس ماكرون عن تمديد فترة الإغلاق على المستوى الوطني، إلى تعديل التوقعات للاقتصاد الفرنسي الذي سينكمش بنسبة 8 في المئة هذه السنة، بدلاً من 6 في المئة، التي كان قد تم الإعلان عنها الأسبوع الماضي.
حتى بعد الحادي عشر من مايو، ستكون العودة بطيئةً ومتدرّجة إلى الوضع الطبيعي. ففي ذلك التاريخ، ستتم إعادة فتح المدارس وبعض الشركات، لكن ستظل جميع الأنشطة الترفيهية والتجمّعات الاجتماعية محظورة حتى منتصف يوليو (تموز) على الأقل. أما بالنسبة إلى السفر الدولي إلى فرنسا، فلا يزال الجدول الزمني لإعادة السماح به غير محدّد، إلى أجلٍ غير مسمّى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وسيكون ذلك مهمّاً بشكلٍ خاص بالنسبة إلى أحد أهم قطاعات الاقتصاد الفرنسي، وهو السياحة. ففرنسا تُعدّ الدولة الأكثر استقطاباً لزيارات السيّاح في العالم، بحيث تستقبل نحو 90 مليون زائرٍ أجنبي كل سنة. وفيما تضرّرت صناعة النقل وتجارة التجزئة والبناء بشدّة نتيجة الوباء، فإن قطاع السياحة كان الأكثر تأثّراً على الأرجح، بحيث يمثّل نحو 10 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي للبلاد.
وقد شهدت بداية الإغلاق الذي فرضه تفشّي الوباء اضطرار منتجعات التزلّج الفرنسية إلى الإقفال، لكن مع تمديد فترة تدابير احتواء المرض إلى فصل الصيف، يمكن أن يهدّد التراجع في عدد السيّاح سبل عيش الجميع، من أصحاب فنادق ومطاعم، إلى المرشدين السياحيّين والزبائن. ومن شأن أي خوف مستمر من السفر الدولي إلى فرنسا بعد الإغلاق، أن يؤثّر هو الآخر في القطاع لسنوات مقبلة.
وقبل أن يتمكّن الاقتصاد الفرنسي من التعافي، يجب أن تتعافى البلاد أولاً. فقد سجلت وكالة الصحة الوطنية الفرنسية أكثر من مئة وستين ألف حالة إصابة مؤكدة بمرض كوفيد-19، أسفرت عن وقوع سبعة عشر ألفاً وتسعمئة وعشرين حالة وفاة. وهذا يجعل من فرنسا رابع أسوأ البلدان في العالم تضرراً من وباء فيروس كورونا، لكن هناك إشاراتٍ إلى أن الوضع الأسوأ قد يكون اقترب إلى الانتهاء.
الخميس الفائت كان اليوم الثامن على التوالي الذي تنخفض فيه أعداد المرضى الذين يدخلون إلى وحدات العناية المركزة، واليوم الثاني الذي يتراجع فيه عدد الأشخاص في مستشفيات فرنسا. وقد يعتمد ما إذا كانت هذه الأرقام ستواصل انخفاضها، على مدى تصميم الحكومة على المخاطرة بإعادة الناس إلى العمل، من أجل أن يتعافى الاقتصاد بأي ثمن.
© The Independent