يحذِّر عدد من حماة البيئة والحياة البرية من أنّ تجارة دوليّة بجلود الأنواع "الغريبة" من الحيوانات، على غرار الثعابين وأسماك الرقيطة والتماسيح، بغية استخدامها في صناعة أكسسوارات فاخرة تشتمل عليها صيحات الموضة كالحقائب والأحذية، تفاقم خطر انتقال فيروسات خطيرة إلى البشر.
سلع من قبيل الأحذية وحقائب اليد والملابس المصنوعة من أجزاء مأخوذة من حيوانات بريّة، تُباع علانيّة في متاجر فاخرة في مدن أوروبيّة كميلانو الإيطاليّة، وعلى منصات الإنترنت.
ومع انتشار جائحة "كوفيد- 19"، علت أصوات عالميّة تحثّ "منظمة الصحة العالميّة" الدفع من أجل فرض حظر على الأسواق الرطبة حيث تذبح الحيوانات في ظروف لا تراعي المعايير الصحية على ما هي الحال في ووهان بالصين حيث يُرجح أن الفيروس نشأ.
بيد أنّ خبراء في الحفاظ على البيئة يقولون إنّ الطلب على جلود مأخوذة من أنواع حيوانات كالتماسيح والقاطور (من فصيلة التماسيح) والثعابين والحيوانات البحريّة، يزكِّي الاتجار باللحوم في أسواق الشوارع الموجودة في مختلف أنحاء جنوب شرقي آسيا وأفريقيا، ما يسهم في ازدهار مثل تلك الأماكن.
في حين تؤسَر حيوانات كثيرة من البراري، تُربى كذلك أعداد كبيرة منها خصيصاً كي تُباع كلحوم وأجزاء مختلفة من أجسام الحيوانات الغريبة، وذلك في الآلاف من المواقع المنتشرة في شتى أنحاء آسيا، وتلك المواقع مكتظّة وتفتقر إلى الشروط الصحيّة تماماً على شاكلة الأسواق التي تُباع فيها الحيوانات الغريبة.
وفي فبراير (شباط) الماضي، فرضت الصين حظراً مؤقتاً على أسواق رطبة مكشوفة لبيع اللحوم، وثمة مؤشرات إلى أن الحظر قد يصبح تدبيراً دائماً. لكن مثل تلك الأماكن ما زالت شائعة في دول آسيوية أخرى، من بينها إندونيسيا وتايلند، كما في أفريقيا وأميركا الجنوبيّة.
في سياق جهود قامت بها مجموعة حملة "نيتشر نيدز مور" Nature Needs More في أستراليا، المنظمة المعنيّة بالتصدي للاتجار غير الشرعيّ بالحيوانات البريّة، تبيّن وجود أكسسوارات "فاخرة"، من بينها أحذية مصنوعة من جلد الثعبان وحقائب من جلد التمساح في متاجر راقية في ميلانو. وتقول المنظّمة إنّ الجلد جزء من القطاع الصناعيّ الخطر المتمثّل في بيع اللحوم "الغريبة" في أكشاك على جوانب الطرقات وفي أسواق رطبة.
تبيع بعض متاجر بريطانيّة فاخرة ومواقع إلكترونيّة صنادل وأحزمة وقفازات مصنوعة من جلود التمساح والسحالي، وحتى الغزلان. وعلى موقع التسوق الإلكتروني "إيباي"، يبيع تاجر تايلنديّ "حقيبة يد مصنوعة مئة في المئة من جلد سمكة الرقيطة" بعروض بقيمة 481 جنيهاً إسترلينيّاً تقريباً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى منصة أخرى، يمكن العثور على معطف "من جلد الثعبان الأصليّ" بسعر يفوق سبعة آلاف و600 جنيه إسترلينيّ.
صحيح أنّ الاتجار في الجلود من أجل استخدامها في صناعة الأكسسوارات أمر مشروع قانوناً، بيد أنّ خبراء يقولون إنّ الفيروسات لا تميِّز بين تجارة قانونيّة وأخرى غير قانونيّة.
ووفقاً لـ"المنظمة العالميّة لصحّة الحيوان"، يُعدّ ما يزيد على 70 في المئة من الأمراض المعدية الآخذة في الظهور لدى البشر أمراضاً حيوانيّة المنشأ، أي تلك التي تنتقل من الحيوانات إلى الناس.
أمّا منظمة "الصندوق العالميّ للطبيعة" فتقول بدورها إنّ الاتجار بالحيوانات البريّة يشكِّل ثاني أكبر تهديد مباشر لبقاء الأنواع الحيوانية، يتقدّمه تدمير موائلها.
وفي هذا الشأن، تحدّثت إلى صحيفة "الاندبندنت" لين جونسون، مؤسِّسة "نيتشر نيدز مور"، وقالت "إنّ المخاطر المترتبة لا تتعلَّق بالأسواق الرطبة فحسب، بل أيضاً بمنشآت تربية الحيوانات في الأقفاص، وهي منشآت مرخّصة قانوناً.
وأضافت "قبل "كوفيد 19"، كان عدد قليل من الناس ليعرف بشأن 22 ألف منشأة شرعيّة لتربية الحيوانات الأسيرة في الصين. تعتبر تلك المرافق مصدر المنتجات المستخدمة في صناعات الألبسة واللحوم والأدوية... أيّة صناعة تنطوي على تعامل البشر مع الحيوانات الغريبة، وليس مجرد استهلاكها، تطرح خطر انتقال فيروس متحوّل حديثاً من الحيوان إلى الإنسان. كذلك، ليس مهماً إن كانت تلك المنشآت تربي الحيوانات للحصول على لحومها أم على جلودها. في حال كانت قريبة إلى مناطق حيث تعيش خفافيش مثلاً، يمكن أن تحدث سلسلة انتقال العدوى مجدداً. يشكِّل البشر الذين يتعاملون مع الحيوانات عنصراً كافياً للانتقال (الفيروس)".
تُجمَع الثعابين، كما قالت جونسون، من البريّة في آسيا بشكل قانونيّ وغير قانونيّ أيضاً، وتُربى في مزارع كذلك الأمر، ويذهب 96 في المئة من جلودها إلى سوق الأزياء الأوروبيّة. عندما تحقّقت "نيتشر نيدز مور" من الأمر، قال مساعدون في المبيعات لدى علامات أزياء تجاريّة فاخرة تشتري الجلود إنّ الأخيرة "منتج ثانويّ" ناتج من صناعة اللحوم، مدَّعين أنّها مستدامة.
في سياق متصل، ذكر تقرير صادر عن "البرلمان الأوروبيّ" في عام 2016 أنّ الاتجار العالميّ بالحيوانات البريّة كان "أحد أكثر أنواع التجارة ربحاً في العالم". وجاء فيه: "تبلغ التجارة القانونيّة في الاتحاد الأوروبيّ وحده 100 مليار يورو (88 مليار جنيه استرلينيّ) سنويّاً، في حين يُقدر أن قيمة التجارة العالميّة غير الشرعيّة بالحيوانات البريّة تتراوح بين 8 مليارات يورو و20 مليار يورو سنويّاً".
ويُعتقد أنّ الطلب على السلع "الفاخرة" تزايد بصورة كبيرة منذ ذلك الحين، إذ أفادت شركة راقية واحدة بأنّ تلك السوق نمت بنسبة 5 في المئة في عام 2018.
إذن، سوف يضغط مشترو أجزاء أجسام الحيوانات "الغريبة" وبائعوها في سبيل الحفاظ على أبواب منشآت تربية الحيوانات في الأفقاص مفتوحةً، كما حذَّرت جونسون.
وأضافت "يتحدّث العالم عن أسواق رطبة في الصين وفي مختلف أنحاء آسيا، ولكنه في الوقت نفسه يتجنَّب النظر إلى ذلك باعتباره مسألة تجارة عالميّة يشرِّعها القانون. في حال بقيت منشآت تربية الحيوانات الأسيرة تلك مفتوحة، من سيدفع مقابل المراقبة للتأكّد من أنّ اللحوم لا تشقّ طريقها إلى سلسلة الأغذية، ولو كان تناول تلك اللحوم محظوراً؟".
وتطرّق إلى تلك المسألة مارك جونز من منظمة "بورن فري" Born Free المعنية بحماية الحياة البريّة، وهو طبيب بيطريّ متدرب، قائلاً "إنّ أيّ اتجار بالحيوانات البريّة ينطوي على خطر على الناس. يمكن القول إنّ الأسواق الرطبة تحمل أعلى المخاطر بسبب أعداد الحيوانات المتداولة فيها وتنوّعها، علاوة على سوء الرعاية والنظافة الصحيّة. إلا أنّ الخطر الذي تطرحه تجارة الزواحف مثلاً، في ما يتعلّق بداء السالمونيلا، أُقرّ منذ زمن طويل وأرسى قيوداً على تلك التجارة في عدد من البلدان".
وأضاف "لا تتصدرّ التهابات تشبه تلك الناجمة عن بكتيريا السالمونيلا عناوين الأخبار لأنّها تميل إلى أن تترك تأثيراً لا يتعدّى دائرة محلية ضيقة من الأشخاص الذين هم على اتصال مباشر بالحيوانات، ولا تنتشر [الالتهابات هذه] بسرعة أو على نطاق واسع، على خلاف الإنفلونزا الحيوانيّة المنشأ أو فيروسات "كورونا"... لكنّها ما زالت تمثِّل خطراً، وثمة مسببات أمراض أخرى أكثر تأثيراً يمكن أن تنتشر عن طريق الاتجار بالحيوانات الحيّة كالحيوانات الأليفة الغريبة.
"قد تؤدي الظروف السيئة في ما يتعلّق بالتربية والنقل والنظافة في "مزارع" الحيوانات البريّة إلى جعل حيوانات المزارع عرضة بشكل خاص (للعدوى)"، بحسب ما قال جونز.
تسعى "نيتشر نيدز مور" إلى حمل "سايتس" (معاهدة التجارة العالميّة لأصناف الحيوان والنبات البريّة المهددة بالانقراض) على تحديث نظام تصاريحها الورقيّة المليئة، وفقاً لجونسون، بالإساءة والفساد، لتتحوّل إلى نظام إلكترونيّ.
ففي الشهر الماضي، أفاد تقرير صادر عن "ترافيك" منظمة تهتمّ بحماية الحياة البريّة، حول كيفيّة إساءة استخدام نظام "سايتس"، وذكر: "يغذي هذا النظام احتمالات كثيرة لممارسة الفساد، سواء عند إصدار الوثائق أو عند التفتيش على المعابر الحدوديّة".
وأوصى التقرير بعدد من الخطوات منها:
ملاحقة المسؤولين الفاسدين لانتهاكهم القوانين الوطنية والاتفاقيات الدوليّة.
إدخال نظام التصاريح الإلكترونيّة لتبسيط الضوابط وأتمتتها رقميّاً.
تطبيق العقوبات.
العمل على جعل المستندات الورقية مؤمّنة على نحو أفضل.
وقالت جونسون إن تحديث النظام سيجعل سلاسل التوريد أكثر شفافية، ويساعد تالياً في معالجة مخاطر الأمن البيولوجيّ، كذلك التصدِّي للاتجار غير القانونيّ بالحيوانات البريّة.
يبقى أن "الاندبندنت" أطلقت حملة من أجل حثّ الحكومات على بذل جهد دوليّ في سبيل لجم تجارة الحيوانات البرية بغية الحدّ من مخاطر الأوبئة في المستقبل. ويتصاعد الضغط على الصين، التي يُنظر إليها على أنّها حاضنة "كوفيد- 19"، إذ يدعو كثير من المراقبين إلى فرض عقوبات ماليّة على البلد.
© The Independent